يتألف القانون الدولي العرفي من قواعد مستمدة من “ممارسة عامة مقبولة كقانون”، وهي مستقلة عن قانون المعاهدات. وتنبع أهمية القانون الدولي الإنساني العرفي الكبيرة في النزاعات المسلحة الحالية من أنه يسد الثغرات التي خلفها قانون المعاهدات في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وبالتالي يعزز حماية الضحايا.
تتمثل مصادر القانون الدولي في كلٍ من قانون المعاهدات وقواعد ما يُعرف بالقانون الدولي العرفي. والمعاهدات هي اتفاقيات تكرِّس الدول فيها رسمياً قواعد معينة. وعلى خلاف قانون المعاهدات, فإن القانون الدولي العرفي غير مدوّن، لكنه ينبع من “ممارسة عامة مقبولة كقانون”. ولإثبات أنّ قاعدة معينة هي قاعدة عرفية يجب على المرء أن يبين أنها تنعكس في ممارسة الدول، وأنه يوجد اقتناع لدى المجتمع الدولي بأن هذه الممارسة مطلوبة كمسألة قانونية.
ويكتسي القانون الدولي الإنساني العرفي أهمية في النزاعات المسلحة اليوم لسببين رئيسيين: الأول هو أنه على الرغم من أن بعض الدول لم تصادق على قانون المعاهدات المهم، فإنها تظل ملزمة بقواعد القانون العرفي. ويعود السبب الثاني إلى الضعف النسبي لقانون المعاهدات الذي يحكم النزاعات المسلحة غير الدولية – أي تلك التي تشارك فيها مجموعات مسلحة وتدور رحاها عادة داخل حدود بلد واحد. وقد أظهرت الدراسة التي نشرتها اللجنة الدولية في العام 2005 أن الإطار القانوني الذي يحكم النزاعات المسلحة الداخلية هو أكثر تفصيلاً بموجب القانون الدولي العرفي مقارنة بقانون المعاهدات. ويحمل هذا الأمر أهمية خاصة لأنّ غالبية النزاعات المسلحة الحالية غير دولية.
وقد شرعت اللجنة الدولية في الدراسة المذكورة آنفاً تحت عنوان “القانون الدولي الإنساني العرفي” في العام 1996 بمشاركة مجموعة موسَّعة من خبراء مرموقين للنظر في ممارسات الدول الحالية في القانون الدولي الإنساني. وكان الهدف هو تحديد القانون العرفي في هذا المجال، وبالتالي إبراز الحماية القانونية التي يوفرها لضحايا الحرب. وقد حددت الدراسة 161 قاعدة من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي التي تشكل النواة المشتركة للقانون الإنساني الملزم لكافة الأطراف في جميع النزاعات المسلحة. وتعزز هذه القواعد الحماية القانونية لضحايا الحرب في جميع أنحاء العالم.
وتنقسم هذه الدراسة إلى جزأين: يعرض المجلد الأول “القواعد” تحليلاً شاملاً للقواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني المنطبقة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وفي ما يخص مجالات القانون الدولي الإنساني، يشتمل المجلد الثاني “الممارسة”على موجز عن ممارسات الدول ذات الصلة (التشريع، والكتيبات العسكرية، وقوانين السوابق القضائية، والبيانات الرسمية)، فضلاً عن ممارسات المنظمات والمؤتمرات والهيئات القضائية/ شبه القضائية الدولية). وتجدر الإشارة إلى أنه يجري حالياً تنقيح المجلد الثاني من الدراسة، في إطار مشروع مشترك مع جمعية الصليب الأحمر البريطاني.