الاختفاء القسري في سوريا الأسوأ في العصر الحديث، قرابة 75000 مختفٍ قسرياً
اللغات
متاح بالـ
اللغات
متاح بالـ
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً بعنوان “الألم الممتد” وثقت فيه حصيلة الاختفاء القسري في سوريا من قبل الجهات الفاعلة.
واعتبر التقرير النظام السوري أسوأ الأنظمة الممارسة لمنهجية الإخفاء القسري في العصر الحديث، منذ أحداث الثمانينيات في عهد الأسد الأب، إذ قاربت حصيلة المختفين قسرياً في في ذلك الوقت 17 ألف، معظمهم من أهالي مدينة حماة، أما في السنوات الست الماضية فقد بلغت حصيلة المختفين قسرياً قرابة 75 ألف، توزعت على جميع المحافظات السورية.
وعرض التقرير تعريف الاختفاء القسري في المصطلح الحقوقي وهو أن تكون الجهة المرتكبة له هي الحكومة أو تتبع الحكومة (كحال الميليشيات المحلية أو الشيعية الأجنبية في سوريا)، أو منظمة سياسية، وفي المادة السابعة لميثاق روما الأساسي، البند (2-ط) يُعرّف الاعتقال التعسفي كالتالي: “إلقاء القبض على أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو بدعم منها لهذا الفعل، أو بسكوتها عليه، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم، أو عن أماكن وجودهم؛ بهدف حرمانهم من حماية القانون مدة طويلة”.
وذكر التقرير أنه في الحالة السورية هناك قوات أصبحت بحكم الأمر الواقع تقوم مقام سلطات حاكمة، كما هو الحال في تنظيم داعش وجبهة فتح الشام (النصرة سابقاً)، وقوات الإدارة الذاتية التي تتبع بشكل رئيس لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وأيضاً مناطق سيطرة فصائل تتبع للمعارضة المسلحة، وقد مارس هؤلاء جميعاً عمليات اعتقال متفاوتة، ارتقى البعض منها بعد ذلك إلى مرتبة الاختفاء القسري، إلا أن النظام السوري مازال متفوقاً على بقية الأطراف بنسبة تصل إلى 96% من مجمل المختفين قسرياً في سوريا.
أضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “في سوريا من السهولة أن يتحول المعتقل إلى مختفٍ قسرياً، لأن عمليات الاعتقال جميعها لاتتم بمذكرة قضائية، بل هي أشبه بعمليات خطف، أو اعتقال لدى المرور عبر الحواجز، دون معرفة الجهة التي قامت بالاعتقال، ودون معرفة سبب الاعتقال، كما تُنكر وترفض السلطات بشكل مطلق الاعتراف بأنها من قامت باعتقال الأشخاص أو تعذيبهم أو إبلاغ أحد بمكان وجودهم، ويخشى الأهالي السؤال عنهم، ويدخل الضحايا في ثقب أسود يزداد توسعاً مع الزمن”.
وأشار التقرير إلى أن النظام السوري استخدم سلاح الإخفاء القسري لبثِّ الإرهاب والخوف بين جميع قطاعات المجتمع، ولم تقتصر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري على النشطاء السياسيين أو المعارضين بل كان هناك حملات عشوائية كثيرة، طالت كبار السن والأطفال، ضمن عملية نزيف وتحطيم لركائز المجتمع السوري، وتزداد المعاناة عند الزوجات والأمهات والأطفال الذين يتحملون العبء الأكبر من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تقوم الحكومة السورية بتجريد المختفي من وظيفته، وبإيقاف راتبه وجميع مستحقاته، وتمنع عائلته من حق التصرف في ممتلكاته كالميراث والمسكن وتُجمَّدُ أمواله.
وثق التقرير تعرض ما لايقل عن 71533 شخصاً للاختفاء القسري على يد القوات الحكومية يتوزعون إلى7319 مختفٍ قسرياً من أفراد تنظيمات مخالفة للحكومة و64214 مدنياً، بينهم ما لايقل عن 4109 أطفال، و2377 سيدة، كان العدد الأكبر ممن تعرضوا للاختفاء في محافظة ريف دمشق تبعتها درعا ثم دمشق.
وقدر التقرير حالات الاختفاء القسري من قبل تنظيم داعش بما لايقل عن 1479 شخصاً، بينهم 118 طفلاً، و87 سيدة في حين أن تنظيم جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) كان مسؤولاً عن اختفاء 892 شخصاً، بينهم 41 طفلاً، و3 سيدات .
وبحسب التقرير فقد مارست قوات الإدارة الذاتية سياسية الإخفاء القسري تجاه خصومها في الأحزاب السياسية بشكل رئيس والمعارضين لسياستيها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، واتبعت الخطف والإخفاء تجاه سكان تلك المناطق لتخويفهم من عواقب مخالفتها ولرفض القرارات والقوانين التي أصدرتها وخاصة قوانين التجنيد الإجباري، وقد بلغت حصيلة المختفيين قسرياً لديها ما لايقل عن 397 حالة إخفاء قسري، بينهم 61 طفلاً، و11 سيدة.
ووفق التقرير فقد قامت فصائل في المعارضة المسلحة بعمليات اعتقال وأخفت عدداً كبيراً من المعتقلين بشكل قسري، وعرضت مبادلتهم مراراً مع قوات النظام السوري، ومع تنظيم داعش، وتقدر حالات الاختفاء القسري التي حصلت على يد قوات فصائل المعارضة المسلحة بما لايقل عن 306 حالات اختفاء قسري، بينهم 29 طفلاً، و14 سيدة .
وذكر التقرير أن الإخفاء القسري مُجرَّم بموجب اتفاقية خاصة، هي “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري”، والتي اعتمدت في العام 2006، وعلى الرغم من أن سوريا لم تصادق على الاتفاقية، إلا أن تجريم الإخفاء القسري بحد ذاته يعتبر جزءاً من القانون الدولي العرفي، وهو إلى جانب ذلك، يخالف اتفاقيات جنيف (1949)، -تعد سوريا طرفاً فيها-، والبروتوكول الثاني الملحق بها 1977.
وركز التقرير على أن جريمة الاختفاء القسري تنطوي على مجموعة من الجرائم التي تنتهك حقوق الإنسان المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، وفي الميثاق العربي لحقوق الإنسان، ومن ذلك انتهاكها لحق الشخص في عدم التعرض للاعتقال التعسفي والحرمان من الحرية، وحقه في الاعتراف له بالشخصية القانونية وعرضه على محاكمة عادلة، وتوفير ظروف إنسانية أثناء احتجازه، وحقه في الأمن والكرامة، وعدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، إضافة بالطبع لانتهاكها للحق في الحياة (في حالة قتل الشخص بعد إخفائه).
أوصى التقرير مجلس الأمن بمتابعة تطبيق وإلزام الأطراف بالقرارات التي قام بإصدارها ومن أبرزها القرار رقم 2024، والقرار رقم 2139، وأن يتحمل مسؤولياته فيما يتعلق بالمختفين قسرياً في سوريا.
وطالب بالضغط العاجل على النظام السوري من أجل السماح للجنة التحقيق الدولية المستقلة بالوصول إلى جميع مراكز الاحتجاز من أجل التحقيق في المزاعم الرهيبة حول انتهاكات حقوق الإنسان داخل مراكز الاحتجاز، من أجل محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم.