رُحِّلوا بصمت
صورة بواسطة: Emad Maslamani
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً بعنوان “رُحِّلوا بصمت” تحدَّثت فيه عن بلدة خان الشيح التي أصبحت ضحية إضافية لجريمة لتشريد القسري.
وجاء في التقرير أن عمليات القصف البري والجوي التي مارسها النظام السوري منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي نحو الديمقراطية في آذار/ 2011 التي تسببت في حوادث قتل ومجازر ودمار مئات آلاف المنازل؛ كانت سبباً رئيساً في التشريد القسري إضافة إلى ماكينات النظام الثلاثية المكونة من “الاعتقال التعسفي، التعذيب، الإخفاء القسري”، إضافة إلى العنف الجنسي والحصار، وعدة عناصر وانتهاكات أخرى، كل ذلك أدى بحسب التقرير إلى شلل المجتمع وهرب السكان حفاظاً على حياتهم، وحصل تشريد قسري داخلي لما لايقل عن 6 مليون مواطن سوري نزحوا عن أماكن إقامتهم الأصلية، وتشريد قرابة 7 مليون خارج سوريا تحولوا إلى لاجئين في دول الجوار والعالم.
وأشار التقرير إلى أن النظام السوري وحليفاه الإيراني والروسي يتصدرون ما لايقل عن 85 % من عمليات التشريد القسري في سوريا، يليهم تنظيم داعش (الذي يطلق على نفسه اسم الخلافة الإسلامية)، ثم حزب الاتحاد الديمقراطي فرع حزب العمال الكردستاني وُيشكِّل هذا التشريد وفق التقرير خرقاً صارخاً لاتفاقيات جنيف، ويرقى إلى جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة السابعة من ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، إذ أنَّ هذه الأطراف لم تَقُم بأية تدابير لتوفير مأوى أو رعاية صحية أو غذاء للمدنيين المشردين، وأوضح التقرير أنه لا يُمكن تبرير معظم عمليات التشريد بأسباب عسكرية أو بهدف حماية المدنيين، لأنَّ هذه الجهات مازالت حتى الآن تمنع عودة من تشردوا، بل إن معظمهم مهددون بخطر الملاحقة والقتل، وذلك خلافاً للقاعدة 132 من القانون الدولي الإنساني العرفي.
وذكر التقرير أن بعض عمليات التشريد القسري التي قام بها النظام السوري حملت صبغة طائفية، أما تنظيم داعش فقد حملت عملياته صبغة طائفية عندما هاجم مناطق مسيحية، وصبغة إثنية عندما قام بتهجير الكُرد، في حين حملت عمليات التشريد التي مارسها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صبغة إثنية تجاه العرب.
ولم ينفي التقرير أن هجمات لفصائل في المعارضة المسلحة قد تسببت بنزوح سُكّان وبالتالي تشرُّدهم في بعض المناطق، كما أدى قصف قوات التحالف الدولي، إلى عمليات تشريد إضافي.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“يُقيم مئات آلاف المشردين داخلياً في مخيمات، وفي بساتين، أو في بلدات ومدن غير مناطق سكنهم، يعتمد معظمهم على المساعدات الإنسانية، لا يستطيعون العودة إلى منازلهم الأصلية، بسبب استمرار عمليات القصف، الخوف من الاعتقال، التعذيب، السحب للتجنيد في صفوف جيش وميليشيات النظام السوري، يُعاني معظمهم من حالات فقر قاسية، كل ذلك أدى إلى تفكك وتخريب شديد في المجتمع وعاداته”.
وأوضح التقرير أن جميع الهدن والمصالحات طُبِّقت على حساب إلغاء القانون الدولي الإنساني، فلو طبقت قواعده لما عُقِدت هدنة أو مصالحة واحدة، جميعها تمَّ تحت القهر والقمع وانتهاك القانون الدولي الإنساني، عبر الحصار والقصف العشوائي والتجويع ومنع دخول وخروج المساعدات والسكان المدنيين، ويبقى خيار القبول بالهدن والمصالحات هو أهون الشرور، وقد شهد عام 2016 تطبيق هذه الهدن في عدة مناطق في ريف دمشق كمدينة داريا وبلدة معضمية الشام، وحي الوعر بحمص، والأحياء الشرقية في مدينة حلب، وأشار التقرير أن تقرير لجنة التحقيق الدولية والذي تم تخصيصه للحديث عن الجزء الشرقي من مدينة حلب ذكر أن التَّهجير الذي تعرَّض له السكان في الأحياء الشرقية لمدينة حلب يرقى إلى جريمة حرب.
استعرض التقرير بشكل أساسي ما تعرَّضت له بلدة خان الشيح من انتهاكات لحقوق الإنسان منذ آذار/ 2011 حتى 28/ تشرين الثاني/ 2016 على يد قوات الحلف السوري الروسي.
وثَّق التقرير مقتل ما لايقل عن 283 مدنياً، بينهم 58 طفلاً، و42 سيدة (أنثى بالغة) في بلدة خان الشيح كما سجل ارتكاب قوات النظام السوري ما لايقل عن7 مجازر، إضافة إلى توثيق ما لايقل عن 29 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية.
وأوردَ التقرير إحصائية استخدام النظام السوري للبراميل المتفجرة حيث ألقى الطيران المروحي التابع له ما لايقل عن 3127 برميلاً متفجراً على بلدة خان الشيح منذ آذار/ 2011 في حين استخدمت قوات الحلف السوري الروسي الأسلحة الحارقة 3 مرات والذخائر العنقودية 6 مرات على الأقل.
وذكر التقرير ما عاناه الحي من تداعيات الحصار من جوع ونقص في الغذاء والدواء؛ وأشار إلى أنَّ 12 مدنياً قضى برصاص قناص تابع لقوات النظام السوري أثناء محاولتهم فك الحصار.
وسجَّل التقرير ما لايقل عن 289 شخصاً، بينهم 4 أطفال، و5 سيدات (أنثى بالغة)، من سكان بلدة خان الشيح، مازالوا قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في المدة التي يغطيها.
وأكَّد التقرير أن الانتهاكات المُمنهجة والواسعة النطاق، أوصلت البلدة إلى مرحلة استنزاف كامل، اضطر أهلها لقبول التسوية التي اقترحتها السلطات السورية على فصائل المعارضة المسلحة، وتم توقيع الاتفاق في 26/ تشرين الثاني/ 2016، وقد نصّت بنوده على خروج ما لايقل عن 3500 من مقاتلي المعارضة المسلحة وعائلاتهم إلى محافظة إدلب وإجراء تسوية لمن يرغب من المدنيين البقاءَ في البلدة.
أكَّد التقرير أن القانون الدولي الإنساني يحظر بشكل واضح التشريد القسري، مع استثناءات مشروطة، واعتبر أي انتهاك لأحكامه في هذا الصَّدد يرقى إلى جريمة حرب، وأيضاً النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، (المادتان 8-2-ب-7 و8-2-هـ-8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).
وأشار إلى أنَّ التشريد القسري جريمة حرب في النزاعات المسلحة غير الدولية، وعندما يرتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو ممنهج ضدّ السكان المدنيين، فإن النقل القسري للسكان يعتبر خرقاً خطيراً لاتفاقيات جنيف. ويمكن اعتبارها أيضاً جرائم ضدّ الإنسانية (المادة 7-1- د من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)، إضافة إلى القواعد 129، 130، 131، 132، 133، من القانون الدولي الإنساني العرفي، ويُشكل ما قام به النظام السوري في بلدة خان الشيح في سياق هجوم منظَّم مدروس واسع النطاق عبر استراتيجيات مخطط لها، جريمة ضد الإنسانية، كما أنها ارتكبت في سياق نزاع مسلح داخلي، وتشكل جريمة حرب.
أوصى التقرير مجلس الأمن بإلزام النظام السوري لإيقاف عمليات الاستيطان والإحلال التي يقوم بها في المدن والأحياء التي يُهجّر سكانها وضمان حقِّ العودة للاجئين والنازحين، والحصول على أراضيهم وممتلكاتهم كاملة وإحلال السلم والأمان في سوريا.
وطالب الحكومة السورية بالامتناع ليس فقط عن تنفيذ عمليات الإخلاء القسري، بل أن تمنع حدوثها، وأن توفر الحماية للسكان من هذه العمليات، لا أن تقوم هي بتنفيذها.
كما حثَّ مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان بضرورة التَّطرق بشكل أوسع لعملية التشريد القسري ومخاطرها في سوريا، وإدانة ممارسات النظام السوري وجميع المتورطين في ذلك.