أولاً: المقدمة:
شهدت مدينة الأستانة عاصمة كازاخستان على مدار يومين (3 – 4/ أيار/ 2017) الجولة الرابعة من المفاوضات بين ممثلين عن روسيا وتركيا وإيران كدولٍ راعيةٍ لاتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار، واتفقت الدول الثلاث على إقامة أربع مناطق لخفض التَّصعيد على أن يدخل الاتفاق حيِّز التَّنفيذ في 6/ أيار/ 2017، حدَّد الاتفاق 4 مناطق رئيسة لخفض التصعيد في محافظة إدلب وماحولها (أجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية)، وشمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، وأجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، على أن يتم رسم حدودها بدقة من قبل لجنة مُختصة في وقت لاحق. يشمل الاتفاق وقف الأعمال القتالية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وعودة الأهالي النازحين إلى تلك المناطق.
لكن على الرغم من كل ذلك فإن الخروقات لم تتوقف، وبشكل رئيس من قبل النظام السوري، الذي يبدو أنه المتضرر الأكبر من استمرار وقف إطلاق النار، وخاصة جرائم القتل خارج نطاق القانون، والأفظع من ذلك عمليات الموت بسبب التعذيب، إضافة إلى استخدام البراميل المتفجرة وهذا يؤكد وبقوة أن هناك وقفاً لإطلاق النار فوق الطاولة نوعاً ما، أما الجرائم التي لايُمكن للمجتمع الدولي -تحديداً للضامنين الروسي والتركي والإيراني- أن يلحظَها فهي مازالت مستمرة لم يتغير فيها شيء.
سجلنا في شهر حزيران ارتفاعاً ملحوظاً في عدد البراميل المتفجرة التي ألقاها النظام السوري مقارنة بما تم توثيقه شهرياً منذ بداية عام 2017، 97 % منها ألقاها على محافظة درعا.
بخلاف ما أعلنه السفير الروسي السابق لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، أن النظام السوري توقف عن استخدام البراميل المتفجرة، فإنَّ عمليات الرصد والتوثيق اليومية التي تقوم بها الشبكة السورية لحقوق الإنسان تُثبت بلا أدنى شك أن النظام السوري مستمر في قتل وتدمير سوريا عبر إلقاء مئات البراميل المتفجرة، وفي هذا التقرير نستعرض الحوادث التي تمكنَّا فيها من توثيق استخدام سلاح البراميل المتفجرة حصراً، بالمكان والزمان والصور، وهذا التقرير يصدر بشكل شهري عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
نظراً لكون البرميل المتفجر سلاحاً عشوائياً بامتياز، ذو أثر تدميري هائل، فإن أثره لا يتوقف فقط عند قتل الضحايا المدنيين بل فيما يُحدثه أيضاً من تدمير وبالتالي تشريد وإرهاب لأهالي المنطقة المستهدفة، وإلقاء البرميل المتفجر من الطائرة بهذا الأسلوب البدائي الهمجي يرقى إلى جريمة حرب، فبالإمكان اعتبار كل برميل متفجر هو بمثابة جريمة حرب.
من خلال أرشيف الشبكة السورية لحقوق الإنسان الخاص بتوثيق الانتهاكات فقد تبيَّن لنا أن أول استخدام بارز من قبل قوات النظام السوري (قوات الجيش والأمن والميليشيات المحلية والميليشيات الشيعية الأجنبية) للبراميل المتفجرة، كان يوم الإثنين 1/ تشرين الأول/ 2012 ضد أهالي مدينة سلقين في محافظة إدلب، وتُعتبر البراميل المتفجرة براميل محلية الصنع لجأت إليها قوات النظام السوري كون كلفتها أقل بكثير من كلفة الصواريخ وهي ذات أثر تدميري كبير وتعتمد على مبدأ السقوط الحر بوزن يتجاوز أحياناً الربع طن، فهو سلاح عشوائي بامتياز، وإن قتلت مسلحاً فإنما يكون ذلك على سبيل المصادفة، والمؤشر على ذلك أن 99 % من الضحايا هم من المدنيين، كما تتراوح نسبة النساء والأطفال ما بين 12 % وقد تصل إلى 35 % في بعض الأحيان.
أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2139 بتاريخ 22/ شباط/ 2014، الذي أدان فيه استخدام البراميل المتفجرة، وذكرها بالاسم، “يجب التوقف الفوري عن كافة الهجمات على المدنيين، ووضع حد للاستخدام العشوائي عديم التمييز للأسلحة في المناطق المأهولة، بما في ذلك القصف المدفعي والجوي، مثل استخدام البراميل المتفجرة”، إلا أن قوات النظام السوري حتى لحظة إعداد هذا التقرير مازالت تُمطر سماء المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة يومياً بعشرات البراميل المتفجرة.
كما وثقنا في بعض الحالات استخدام قوات النظام السوري براميل متفجرة تحوي غازات سامة، ويُعتبر ذلك خرقاً لقراري مجلس الأمن، القرار رقم 2118 الصادر في 27/ أيلول/ 2013 والقرار رقم 2209 الصادر في 6/ آذار/ 2015.
نرصد في هذا التقرير حصيلة البراميل المتفجرة التي سقطت على المحافظات السورية وما خلَّفه ذلك من ضحايا، ودمار لأبرز المنشآت الحيوية، وإن كنا نؤكد أن كل هذا يبقى الحد الأدنى نظراً للصعوبات المتنوعة التي تواجه فريقنا.
الجهة الوحيدة التي تمتلك الطيران ثابت الجناح والمروحي هي النظام الحاكم، وعلى الرغم من ذلك فهو ينكر إلقاء هذه البراميل المتفجرة، على غرار إنكار مختلف أنواع الانتهاكات الأخرى كعمليات الاعتقال والقتل والإخفاء القسري والتعذيب وغير ذلك، وفي المقابل يستمر في منع دخول لجنة التحقيق الدولية، وحظر المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، ووسائل الإعلام المستقلة، وبالتالي فهذا التقرير لا يحتوي على الأطراف الثلاثة الأخرى (قوات الإدارة الذاتية، التنظيمات الإسلامية المتشددة، فصائل المعارضة المسلحة)، وذلك لعدم امتلاكها لسلاح الطيران.
وقد أظهرت جميع الدراسات والتقارير التي قامت بها الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن أغلب الهجمات كانت متعمدة على المناطق المأهولة بالسكان وعلى المراكز الحيوية، بهدف تدمير أي إمكانية لإنشاء دولة وسلطة بديلة في المناطق التي خرجت عن سيطرة قوات النظام السوري، وإلا فما هو الهدف من استهداف مناطق تبعد عشرات الكيلومترات عن خطوط المواجهة.