أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً بعنوان “الاعتداء الأصفر” تحدَّثت فيه عن أبرز الانتهاكات التي شهدتها محافظة الرقة بين 6/ تشرين الثاني/ 2016 و30/ حزيران/ 2017.
استعرض التقرير السِّياق التاريخي الذي مرَّت به محافظة الرقة منذ سيطرة تنظيم داعش عليها في 12/ كانون الثاني/ 2014، ومن ثم إعلان قوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية عن معركة غضب الفرات في 6/ تشرين الثاني/ 2016 حتى تطويق مدينة الرقة نهاية حزيران/ 2017.
وجاء في التقرير أنَّه على الرغم من سطوة ووحشية تنظيم داعش التي عانى منها المجتمع السوري عموماً وأهالي محافظتي الرقة ودير الزور خاصة إلا أنه لم يحدث يوماً أن رحَّب أحد من شهود العيان أو الأهالي الذين تتواصل معهم الشبكة السورية لحقوق الإنسان بقوات سوريا الديمقراطية، ذلك لأنها مُشكَّلة من جزء وحيد في المجتمع السوري، عبر حزب هيمن على الوجود الكردي داخل المجتمع السوري وهو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي فرع حزب العمال الكردستاني المصنف أمريكياً على قائمة الإرهاب.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“إنَّ ما تولَّد من انتهاكات من عمليات قتل ودمار، وعدم اكتراث أو اعتذار القوات المرتكبة لها، وأيضاً عدم تشكيل فصيل مجتمعي محلي، سوف تكون من أهم أسباب إعادة تشكيل تنظيم داعش، وإن تمّ النَّصرُ عسكرياً على التنظيم فإن عناصر وديناميات إعادة توليده مازالت متوفرة، ولابدَّ من معالجتها بالتوازي مع الحرب العسكرية”.
استندَ التقرير على عمليات التَّوثيق والرصد والمتابعة اليومية التي يقوم بها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان بشكل روتيني مستمر، وعلى روايات لناجين وشهود عيان ونشطاء إعلاميين محليين، إضافة إلى تحليل عدد كبير من المقاطع المصورة والصور التي نُشرت عبر الإنترنت، أو التي أرسلت من قبل نشطاء محليين عبر البريد الإلكتروني أو برنامج السكايب أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبحسب التقرير فقد أظهرت مقاطع مصورة صوراً لضحايا وجثث أطفال مُتفحمة ودماراً كبيراً في البنى التحتية والمراكز الحيوية المدنية، وأظهرت صور أخرى انفجار ذخائر الفوسفور الأبيض في سماء مدينة الرقة.
وأشار التقرير إلى أن الهجمات الواردة فيه والناتجة عن سلاح الطيران، صادرة عن قوات التحالف الدولي أما هجمات المدفعية، فالمسؤولية عنها مشتركة لأنَّ قوات التحالف الدولي كانت قد زودت قوات سوريا الديمقراطية بهذه الأسلحة، وفي بعض الهجمات هناك وجود مشترك للقوات أثناء القصف المدفعي، لذلك فقد تم إسناد مسؤولية هذه الهجمات إلى قوات سوريا الديمقراطية، دون إعفاء قوات التحالف الدولي من المسؤولية، كونها الجهة المزودة بالسلاح أولاً، وكون قوات سوريا الديمقراطية مدعومة وموجهة من قبلها ثانياً.
وأوضح التقرير أن قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية لم تميِّز في كثير من الهجمات بين المدنيين والمقاتلين، ولم تراعِ مبدأ التَّناسب في استخدام القوة، وشكَّلت بالتالي كثير من الهجمات جرائم حرب، كما أنه لم يتم رصد توجيه القوات المهاجمة أي تحذير للمدنيين قُبيل الهجوم كما يشترط القانون الدولي الإنساني.
استعرض التقرير أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها الأطراف المتنازعة خلال معركة الرقة من أعمال القتل والاعتقال واستهداف المراكز الحيوية المدنية.
وثَّق التقرير مقتل ما لايقل عن 1400 مدنياً، بينهم 308 طفلاً، و203 سيدة (أنثى بالغة) في محافظة الرقة يتوزعون إلى 731 مدنياً على يد قوات التحالف الدولي بينهم210 طفلاً، و139 سيدة، و164 مدنياً على يد قوات سوريا الديمقراطية بينهم 31 طفلاً، و31 سيدة، و505 على يد تنظيم داعش بينهم 67 طفلاً و33 سيدة. كما سجل التقرير ارتكاب قوات التحالف الدولي 53 مجزرة في حين ارتكبت قوات سوريا الديمقراطية 4 مجازر، أما تنظيم داعش فقد سجل التقرير ارتكابه ما لايقل عن 6 مجازر.
وأوردَ التقرير إحصائية عن استهداف المراكز الحيوية المدنية حيث وثق ما لايقل عن 90 حادثة اعتداء، 73 منها على يد قوات التحالف الدولي، و6 على يد قوات سوريا الديمقراطية، و11 على يد تنظيم داعش.
ووفق التقرير فقد تمَّ اعتقال ما لايقل 504 شخصاً بينهم 5 أطفال، و5 سيدات في المدة التي يُغطيها، منهم 117 على يد قوات سوريا الديمقراطية، و387 على يد تنظيم داعش.
وأكَّد التقرير أن عمليات القصف الواردة فيه كانت عبارة عن قصف عشوائي غير متناسب وتعتبر خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، وإن جرائم القتل العشوائي ترقى إلى جرائم حرب.
كما أشار إلى أن الحوادث التي وردت فيها عمليات القصف من قبل قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية، قد تسبَّبت بصورة عرضية في حدوث خسائر طالت أرواح المدنيين أو إلحاق إصابات بهم أو في إلحاق الضرر الكبير بالأعيان المدنية. وهناك مؤشرات قوية جداً تحمل على الاعتقاد بأن الضرر كان مفرطاً جداً إذا ما قورن بالفائدة العسكرية المرجوة.
وبحسب التقرير فقد ارتكب تنظيم داعش انتهاكات واسعة للقانون الدولي الإنساني بحق الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرته عبر عمليات القتل والاعتقال والتَّعذيب، كما سجلنا قيام التنظيم بمنع الأهالي من النزوح من المناطق التي يسطير عليها، وذلك بغرض الاحتماء بهم واستخدامهم دروعاً بشرية.
طالب التقرير قوات التحالف الدولي باحترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي العرفي، وتحمُّل التَّبعات القانونية المترتبة عن الانتهاكات التي ارتكبتها، وأن تحاول بأقصى ما يمكن تجنَّب تكرارها.
وأوصى دول التحالف أن تعترف بشكل صريح بأن بعض عمليات القصف خلفت قتلى مدنيين أبرياء، إذ لا يفيد إنكار تلك الحكومات؛ لأن التقارير الحقوقية الموثقة وشهادات الأهالي تكشف ذلك بشكل واضح، وأن تحاول بدلاً عن الإنكار المسارعة في فتح تحقيقات جدية، والإسراع في عمليات تعويض الضحايا والمتضررين، والاعتذار منهم.
حث التقرير الدول الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية بضرورة الضغط عليها لوقف كافة تجاوزاتها في جميع المناطق والبلدات التي تسيطر عليها، والبدء بإنشاء ودعم مجالس محلية من جميع أبناء المجتمع المحلي لإدارة تلك المناطق بشكل مدني.