يبدو أنَّ القوات الروسية لا تهتم ولم تأخذ بنظر الاعتبار مسبقاً ما سينتج عن شنِّها معارك واسعة عدة في وقت واحد، على مناطق مدنية مأهولة بالسكان تخضع لسيطرة تنظيم داعش، وانصبَّ تفكير واستراتيجية القوات المهاجمة على شنِّ المعركة، واستهداف تنظيم داعش الإرهابي فقط، بغضِّ النَّظر عن الديناميكيات المتفجرة التي ستترافق حكماً مع أية معركة، وفي مقدمتها النزوح وفرار مئات الآلاف من السكان خوفاً من القصف، أو قيام قوات النظام البريَّة والميليشيات الشيعية المرافقة لها، بما فيها قوات حزب الله اللبناني بعمليات تصفية مباشرة، بدأت أخبارها تردنا من العديد من القرى والبلدات التي تمكَّنت من السيطرة عليها، كما لم تَقُم تلك القوات لاحقاً بخطوات لمعالجة الآثار الكارثية التي نتجت عن تشريد هؤلاء، بل تركتهم لمصيرهم وتدبير أمور أنفسهم، في كلِّ من محافظتي الرقة ودير الزور، وهي مناطق صحراوية في معظمها، والشبكة السورية لحقوق الإنسان ترصد في هذا التقرير بعضَ التَّداعيات المرعبة المترتبة على اتخاذ خطوات فتح معارك دون الأخذ بنظرِ الاعتبار الأبعاد الإنسانية، وعلى اعتبار أنه من العبث والعدم مخاطبة تنظيم داعش عدوِّ الإنسانية فإنَّنا نُحمِّل الدُّول ذات العضوية في الأمم المتحدة، وعلى رأسها النظامين الروسي والسوري، المسؤولية الكاملة عما آلت إليه أحوال مئات آلاف المدنيين، وعن حوادث القتل نتيجة القصف العشوائي أو غير المتناسب في القوة، وقد تحدَّثنا في تقرير آخر عن مسؤولية قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية في تلك المناطق أيضاً بعنوان الاعتداء الأصفر.
ولقد أشرنا في عدة تقارير سابقة إلى أنَّه من الملفت للانتباه بالنسبة لنا كراصدين للهجمات الجوية والانتهاكات، أننا منذ بداية التدخل العسكري الروسي في أيلول 2015 لم نُسجِّل تصعيداً عسكرياً روسياً كبيراً تجاه محافظتي الرقة ودير الزور على الرغم من أنهما تُشكِّلان مركزي ثقلٍ بالنسبة لتنظيم داعش، بل تركَّزت معظم الهجمات على مناطق تخضع لسيطرة فصائل في المعارضة المسلحة، وحتى الهجمات المحدودة التي شنَّتها القوات الروسية على مناطق تخضع لسيطرة تنظيم داعش فقد استهدفت في معظمها مناطق مدنية، وسجَّلنا عشرات المجازر.
ويبدو لنا أنَّ قوات الحلف السوري الروسي قد بدأت بُعيدَ دخول اتفاق خفض التَّصعيد في المناطق الأربعة حيِّز التنفيذ، والاتفاقيات المحلية الأخرى التي عُقدَت في الغوطة الشرقية ومحافظات الجنوب السوري، بتوجيه قواتها للقيام بحملات قصف جوية كثيفة جداً في كلٍّ من ريف الرقة الشرقي وريف دير الزور الغربي والشرقي، حيث نجحت في فكِّ الحصار عن أحياء الجورة والقصور غرب مدينة دير الزور، التي تخضع لحصار تنظيم داعش منذ آذار 2015، ومن ثمَّ محاولة العبور إلى الضِّفة الشرقية من نهر الفرات والوصول إلى حقول النِّفط والغاز، وقد أنشأت القوات الروسية جسراً حربياً لنقل المعدَّات العسكرية إلى الضِّفة الشرقية من نهر الفرات.