لم يختلف كثيراً واقع العمل الصحفي والإعلامي في سوريا عمَّا كان عليه بدايةَ الحراك الشعبي نحو الديمقراطية، من حيث الحظر شبه الكامل لوسائل الإعلام غير الموالية للنظام السوري وحلفائه، وملاحقة وتهديد كل من يقوم بنشر حقائق الجرائم والانتهاكات التي لا تزال تُمارس بشكل يومي على الأراضي السورية، ونظراً لكثافة الأحداث السورية فقد عجزت الصحافة والصحفيون التقليديون عن تغطية ما يجري بشكل تفصيلي، وتصدى لهذه المهام مواطنون تدرَّبوا على المهام الصحفية والإعلامية، وأصبحوا بالتالي هدفاً مباشراً لكلِّ من يفضحون انتهاكاته عبر عمليات التَّصوير أو التدوين أو نقل ونشر الأخبار.
لم يكتفِ النظام السوري وحلفاؤه باستهداف المواطنين الصحفيين، عبر عمليات القتل والاعتقال والتعذيب، بل وظَّف في المقابل عشرات الصحفيين لنقل وتبنِّي رواية النظام السوري للأحداث، ونفي انتهاكاته، وتشويه الحقائق وإخراجها عن سياقها وحقيقتها، وساعد النظامَ السوريَّ بشكل رئيس النظامُ الإيراني، الذي يمتلك خبرة واسعة في النَّشر باللغة الإنكليزية بشكل أساسي، وبعض وسائل الإعلام في لبنان، المحسوبة على حزب الله اللبناني، ويُضاف إليهما الإعلام الروسي، عملت كل من وسائل وصحف النظام السوري والإيراني والروسي على الاستمرار في نفي عمليات قصف المشافي أو المدارس أو الأسواق، ونفي حصار وتجويع السكان، وتبنِّي سردية محاربة النظام السوري للإرهاب، والمجموعات الإرهابية، وتلميع صورته وشكرِ حليفيه الإيراني والروسي.
ومع تحوُّل الاحتجاجات الشعبيَّة إلى نزاع مسلح داخلي ازدادت المخاطر التي يتعرَّض إليها المواطنون الصحفيون، إذ باتوا عرضة للقتل والتعذيب من قبل أطراف متعددة، وأصبح البعض منهم مضطراً للعمل كمراسل حربي لكسب لقمة العيش، وبالتالي تغطية أحداث الجبهات العسكرية التي قد تكون على مداخل بلداتهم ومدنهم وعتبات بيوتهم؛ ما جعلهم في كثير من الأحيان عرضةً للقتل أو الإصابة أو الأسر على خطوط الجبهات.
وعلى الرَّغم من دخول أطراف أخرى على خلفية النِّزاع المسلح الداخلي، كالقوات الروسية وقوات التحالف الدولي وقوات الإدارة الذاتية الكردية، والتنظيمات الإسلامية المتشددة (كتنظيم داعش والنصرة)، وفصائل المعارضة المسلحة، إلا أنَّ حجم ونوعية الانتهاكات الموثَّقة يُشير بشكل لا يقبل الشك إلى أنَّ قوات النظام السوري هي المتسبب فيها بنسبة تقترب من 90% تزيد أو تنقص قليلاً بحسب نوعية الانتهاك، لكن الأطراف جميعاً مارست بشكل أو بآخر نوعاً من القمع لوسائل الإعلام، وتشويه الحقائق، أو مبالغة في إظهار وحشية الخصم؛ ما أفقدَ العديد من وسائل الإعلام النَّزاهة والموضوعية، حيث تدرك السلطات الاستبدادية جميعها خطر وسائل الإعلام في فضح ممارساتها وأساليبها الدكتاتورية. ولم تميِّز الأطراف بين مواطن صحفي ذكر أو أنثى أو طفل وحتى بين مواطن سوري وأجنبي أثناء ارتكابها الانتهاكات بحقهم.
مع استمرار الانتفاضة الشعبية وازدياد المخاطر التي تعرَّض لها الصحفيون الأجانب للوصول إلى مواقع الحدث، حيث تعرَّض العديد منهم للقتل والاحتجاز على يد الأطراف كافة عقب دخول الصحفيين بطرق غير شرعية إلى سوريا، أدركت وسائل الإعلام الأجنبية أهمية الاستعانة بالمواطنين الصحفيين الموجودين في الداخل فعمدت إلى تدريبهم وتزويدهم ببعض مستلزمات العمل.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لعبَ المواطنون الصحفيون دوراً مهماً في المشاركة في تسجيل ورواية الأحداث والانتهاكات، وتزويد المنظمات الحقوقية بتلك البيانات، لقد تعاونَّا معهم كثيراً، يجب أن لا ننسى ما قدَّموه أبداً، لقد ضحى بعضهم بحياته، وحريَّته ثمناً لنقل الحقيقة التي يؤرِّخ ويدافع بها عن أهله وبلده”.