أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً بعنوان “أدلة وتحقيقات إضافية تُثبت غالباً تورُّط النِّظام السوري في الهجوم بأسلحة كيميائية على مدينة دوما” استعرضت فيه تفاصيل هجومي دوما الكيميائيَين اللذين وقعا في 7/ نيسان المنصرم.
ذكر التَّقرير أنَّ النِّظام السوري نفَّذ ما لا يقل عن 216 هجوماً كيميائياً في سوريا كان لعدد قليل منها صدى إعلامياً كبيراً وردود أفعال دولية، مُشيراً إلى أنَّ النظام السوري أهانَ مجلس الأمن والمجتمع الدولي مراراً وتكراراً ونفَّذ بعدَ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 قرابة 183 هجوماً كيميائياً وبعدَ القرار رقم 2209 قرابة 114 هجوماً وبعد القرار رقم 2235 قرابة 58 هجوماً، وطبقاً للتقرير فإنَّ هذه الهجمات نُفِّذَت على امتداد البلاد شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، وفي مناطق تخضع لسيطرة فصائل في المعارضة المسلحة أو في مناطق تخضع لسيطرة تنظيم داعش، وتسبَّبت في مقتل ما لا يقل عن 1461 شخصاً، يتوزعون إلى 1397 مدنياً، بينهم 185 طفلاً، و252 سيدة (أنثى بالغة)، و57 من مقاتلي المعارضة المسلحة، و7 أسرى من قوات النظام السوري كانوا في أحد سجون المعارضة. كما تسبّبت تلك الهجمات في إصابة ما لا يقل عن 7469 شخصاً.
أشارَ التَّقرير إلى أنَّ هجومي دوما وقعا بعد 72 ساعة فقط من اجتماع عقدَه مجلس الأمن الدولي لمناقشة وضع الذخائر الكيميائية ومراقبة تنفيذ القرار رقم 2118، كما أنَّهما صادفا الذكرى السَّنوية الأولى للضربة العسكرية الأمريكية على مطار الشعيرات وهو القاعدة العسكرية، التي انطلقت منها طائرات النِّظام السوري، التي نفَّذت هجوم خان شيخون الكيميائي نيسان/ 2017، وهي بحسب التقرير رسالة تحدٍّ جديدة من قبل النظام السوري للمجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لم تنجح الضربة الأمريكية التي تلت هجوم خان شيخون العام الماضي في ردعِ النظام السوري عن قتل شعبه خنقاً بالغازات السامة، فقد وثَّقنا 13 هجوماً كيميائياً تلت هجوم خان شيخون، وها نحن الآن أمام ضربة أمريكية فرنسية بريطانية زَعمت أنها استهدَفت قدرات الأسد الكيميائية، كم هجوماً سنوثِّق بعد هذه الضربة؟”.
اعتمدَ التَّقرير على روايات ناجين وشهود عيان ومسعفين وعمال إشارة مركزية واستعرض 6 روايات تم الحصول عليها عبر حديث مباشر مع الشهود وليست مأخوذة من مصادر مفتوحة، إضافة إلى تحليل صور ومقاطع مصوَّرة، وبحسبِ التّقرير فقد أظهرت صورٌ مخلفات لأسطوانات صفراء يُعتقد أنَّها كانت مُحمَّلة بغاز سام، وأظهرت صور ومقاطع مصوَّرة أخرى عشرات الجثث لنساء وأطفال مُكدَّسين فوق بعضهم، وجوههم مُزرقَّة وأفواههم مُغطَّاة بالزَّبد، وعيونهم شاخصة.
قدَّم التقرير خلفيةً عن هجومي دوما وأشارَ إلى ما عانته المدينة من عمليات عسكرية وعمليات تجويع وحصار كما أوردَ التقرير ما سبقَ الهجوم وما رافقه من هجمات روسية سورية استهدفت بشكل مُتعمَّد المراكز الطبية وكوادر الإسعاف.
تحدَّث التَّقرير عن هجومين كيميائيَين شنَّهما النِّظام السوري شمال مدينة دوما يوم السبت 7/ نيسان/ 2018 مُرجِّحاً مسؤولية طيران مروحي حكومي عن الهجومين باستخدام براميل متفجرة مُحمَّلة بغازات سامة، وقدَّر التَّقرير المسافة بين موقعي الهجومين بـ 300م وقد تسبَّب الهجوم الأول في إصابة 15 شخصاً بأعراض اختناق، في حين تسبَّب الهجوم الثاني في مقتل 41 مدنياً خنقاً، بينهم 12 طفلاً، و15 سيدة (أنثى بالغة)، وإصابة قرابة 550 شخصاً.
وأشارَ التقرير إلى أنَّ التَّصريحات الروسية المتناقضة تُظهر عمق الأزمة الروسية في تبرير تنفيذ حليفها النظام السوري لهذا الهجوم الكارثي، وبحسب التقرير فقد ظهرَ ذلك عبر تناقض في التَّصريحات الروسية بين نفي الهجوم تارةً والتأكيد على أنَّ جميع الأدلة من صور ومقاطع مصوَّرة ما هي إلا مسرحيات مُفبركة، وبين اعترافها بوقوع الهجوم واتهام فصائل في المعارضة المسلحة بتنفيذه تارةً أخرى.
ورصدَ التَّقرير مساهمةَ القوات السورية والروسية في عرقلة وتشويه عملية التَّحقيق؛ من خلال دخول القوات الروسية إلى موقع الهجوم والتَّلاعب بالمحتويات ومن ثم استخدام روسيا لحقِّ النَّقض لمنع تشكيل آلية تحقيق أُمميَّة تكشفُ المسؤول عن الهجوم، مُشيراً إلى وجود توجُّه روسي لضرب عمل بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وتعقيده قبل دخولها؛ عبرَ إلحاح القوات الروسية على طلب الخروج الفوري من الأهالي، ثم دخولها إلى المدينة واحتجاز من تبقَّى من الأطباء والممرضين الذين عالجوا المصابين، أو شاهدوا الضربة الكيميائية، وابتزازهم، وتهديدهم.
أكَّد التَّقرير على أنَّ النِّظام السوري انتهكَ عبر استخدام الأسلحة الكيميائية في مدينة دوما القانون الدولي الإنساني العرفي و”اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية” وجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبشكل خاص القرارات رقم 2118 و2209 و2235، كما أنَّ استخدام الأسلحة الكيميائية يُشكل جريمة حرب وفقاً لميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وشدَّد التقرير على ضرورة ضغطِ الأعضاء الأربعة الدائمين في مجلس الأمن على الحكومة الروسية لوقف دعمها للنظام السوري، الذي يستخدم الأسلحة الكيميائية، وكشفِ تورطها في هذا الصَّدد.
حثَّ التقرير كلاً من لجنة التحقيق الدولية المستقلة COI والآلية الدولية المحايدة المستقلة IIIM على مباشرة التَّحقيق في هجومي مدينة دوما الكيميائيَين، والحوادث التي سبقتهما والتي تلتهما، وتحديد المتورطين فيها.
كما طالب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بمنع سوريا من ترأس منتدى الأمم المتحدة لنزع السلاح الكيميائي المقرر عقده نهاية أيار الجاري في ظلِّ استخدام النظام السوري المتكرِّر للسلاح الكيميائي.
أوصى التَّقرير أن تُظهرَ الدُّول توحداً أكبر ضدَّ النظام السوري المستخدمِ الأبرز للأسلحة الكيميائية في هذا القرن، وأن تتحرك جديَّـاً وبشكل جماعي لتطبيق عقوبات صارمة ورادعة وحقيقية بشكل فوري، وحثَّها على إيجاد تحالف إنساني يهدف إلى حماية المدنيين السوريين من الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة؛ لأن روسيا سوف تظلُّ تعرقل مجلس الأمن وتستخدم الفيتو آلاف المرات.
طالبَ التَّقرير الحكومة الروسية بالتَّوقف عن استخدام الفيتو بهدف حماية النظام السوري المتورِّط بارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم الحرب، وباستخدام الأسلحة الكيميائية وفتح تحقيق عن دعم القوات الروسية في سوريا للنظام السوري في هجومي مدينة دوما، والتَّوقف عن منع إحالة الملف في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.