قرابة عام ونصف من متابعة التَّحقيق لإثبات مجزرة الحصوية ذات الصبغة الطائفية
أولاً: مقدمة ومنهجية:
عملَ النِّظام السوري على تفتيت كلِّ حوامل وخصوصيات المجتمع السوري الأهلية والعشائرية منذ سنوات بعيدة، ولم يعدُ بالإمكان الحديث في سوريا عن طائفة متماسكة ذات هرمية وتبعية إلا بحدود دنيا، وبعد أن قام بحلها، أصبح تجنيد وتوظيف أفرادها من السُّهولة بمكان لكلِّ من يملك السُّلطة والمال، وخصوصاً في حال سوريا؛ التي عمدَ النِّظام فيها أيضاً إلى إفشال أي مشروع وطني يصهر جميع الطوائف في إطار الدَّولة الجامعة، وقد عمد النِّظام السوري منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي إلى إثارة وتعزيز العصبيات الطَّائفية، وبالتالي استخدامها في تقسيم الشَّعب السوري.
إنَّ تصوير ما يجري في سوريا على أنَّه حرب طائفية يصبُّ في مصلحة النِّظام السوري دون أدنى شك، لأنَّ الأطراف بذلك تتساوى تقريباً في المسؤولية، لكنَّه خروج صارخ عن أساس النِّزاع، الذي بدأ بمطالب شعبية واسعة في وجه نظام مافيوي استخدَم مختلفَ أدوات القتل والتسلُّط.
نظراً لذلك، ارتكبت ميليشيات محليَّة تنتمي إلى الطائفة العلوية جنَّدها النِّظام السوري من هذه الطائفة تحديداً، عدداً كبيراً من المجازر مارست فيها أعمال القتل بطريقة بدائية، وتعمَّدت تسريبَ صور وفيديوهات لجثث مشوَّهة، ولأطفال ذُبحوا بالسكاكين، وقطِّعت أرجلهم، ولنساء جُرَّدت من ملابسها، وهذا البعث للطائفية مقصود بهذا الشكل ومدروس بعناية فائقة.
لقد شهدَ العامان الأولان من الحراك الشعبي النسبةَ الأعلى من مجازر التَّطهير الطَّائفي، واستمرَّ ذلك حتى حزيران/2013، لم يكتفِ النِّظام السوري بتجنيد وتشكيل ميليشيات طائفية من أبناء الطائفة العلوية، بل استعان بميليشيات إيرانية، لإذكاء صراع سنيٍّ علوي شيعي، يصرفُ النَّظر عن الصِّراع الأساسي بين حراك شعبي وسلطة استبدادية عائلية حكمت لسنوات طويلة بالقمع والإرهاب.
المنهجية:
استغرَق التَّحقيق في مجزرة الحصوية قرابة عام ونصف العام، وشكَّل الوصول إلى ناجين أو شهود عيان على الحادثة تحديَّــاً رهيباً بالنسبة لفريق العمل، واستمرَّت عمليات البحث إلى أن تمكنَّا من إخراج التقرير بشكله الحالي.
خلال عمليات المراقبة المستمرة للحوادث والأخبار من قبل فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وعبر شبكة علاقات واسعة مع عشرات المصادر المتنوِّعة من خلال تراكم علاقات ممتدة منذ بدايات عملنا حتى الآن، فعندما تردنا أو نُشاهد عبر شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام أخباراً عن انتهاك نقوم بمتابعة الخبر ومحاولة التَّحقق وجمع أدلة وبيانات، وفي بعض الأحيان تمكَّن الباحث من زيارة موقع الحدث بأسرع وقت ممكن، لكن هذا نادراً ما يحدث؛ نظراً للمخاطر الأمنية المرتفعة جداً، ولكثرة الحوادث اليومية، وأيضاً الإمكانات البشرية والمادية، ولهذا تختلف إمكانية الوصول إلى الأدلة، وبالتالي درجة تصنيفها، وغالباً ما نقوم في الشبكة السورية لحقوق الإنسان في مثل هذه الحالات بالاعتماد على شهادات ناجين تعرَّضوا للانتهاك مباشرة؛ حيث نحاول قدرَ الإمكان الوصول إليهم مباشرة، وبدرجة ثانية مَنْ شاهَدَ أو صوَّر هذا الانتهاك، إضافة إلى تحليل المواد المتوفرة في مصادر مفتوحة كشبكة الإنترنت، ووسائط الإعلام.
يستعرض التّقرير 6 روايات لناجين من المجزرة وذوي ضحايا، وجميعها قد حصلنا عليها عبر حديث مباشر مع الشهود وليست مأخوذة من مصادر مفتوحة، وقد شرحنا للشهود الهدف من المقابلات، وحصلنا على موافقتهم على استخدام المعلومات التي يُقدِّمونها في هذا التَّقرير دون أن نُقدِّم أو نعرض عليهم أية حوافز، كما حاولت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تجنيبهم معاناة تذكُّر الانتهاك، وتمَّ منح ضمانٍ بعدم كشف هوية كل من أبدى رغبته في استخدام اسم مستعار. لا يشملُ التقرير الأبعادَ والأضرارَ الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
حلَّلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان المقاطع المصوَّرة والصوَّر التي نُشرت عبر الإنترنت، أو التي أرسلها لنا نشطاء محليون عبر البريد الإلكتروني أو برنامج السكايب أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، من بين هذه التسجيلات 4 مقاطع مصوَّرة ظهرت فيها سيدات قُلنَ أنَّهن نَجونَ من المجزرة بعد هروبهن عبر البساتين إلى أحياء حمص القديمة، وحي الوعر، وريف حمص الشمالي. تطابقت أقوال السيدات اللاتي ظهرنَ في المقاطع المصوَّرة إلى حدٍّ كبير مع الروايات التي حصلنا عليها، تحدثنَ عن ميليشيات محلية وأخرى أجنبية ارتكبت عمليات قتل ذبحاً بالسكاكين، تبعتها عمليات حرق للجثث، كما تحدَّثنَ عن عمليات نهب واغتصاب.