نفق بلا نهاية
بواسطة :Gregory Bull / Associated Press
اللغات
متاح بالـ
يتعمَّد النظام السوري منذ بداية الحراك الشعبي إخفاء أكبر عدد ممكن من المواطنين السوريين، النسبة الأعظم منهم مواطنون عاديون وليسوا نشطاء سياسيين أو عسكريين، ويهدف النظام من ذلك إلى إرهاب وإخضاع المجتمع بالكامل، ولو كانت التكلفة تدمير مستقبل مئات آلاف العائلات السورية، وما يتبع ذلك من تداعيات اجتماعية واقتصادية، فقد كان همُّه الأوحد الإبقاء على حكم العائلة بصرف النَّظر عن أي تكلفة بشرية أو اقتصادية تتكبَّدها الدولة السورية.
ويرى تقرير “نفق بلا نهاية” الذي أصدرته الشبكة السورية لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري أنَّ النظام السوري لم يكن لينجح هذا النجاح المنقطع النظير في إخفاء قرابة 100 ألف مواطن سوري، والتَّحكم بمصيرهم المطلق، والتَّلاعب بمشاعر أحبائهم، لولا الدَّعم اللامحدود من كل من إيران وروسيا وفي ظل عدم وجود رغبة أو أيَّة إرادة دولية فاعلة لمساعدة المجتمع السوري.
وذكر التقرير أنَّ المعتقلين والمختفين قسراً يتعرَّضون إلى أساليب تعذيب غاية في الوحشية والسَّادية، حيث بلغت حصيلة الذين قتلوا بسبب التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري 13608 منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2018 بحسب ما أورده التقرير.
وعلى الرغم من أنَّ أطرافاً أخرى كتنظيم جبهة النصرة وتنظيم داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وفصائل في المعارضة المسلحة مارست أنماطاً من الاعتقال والإخفاء القسري والتَّعذيب، لكنَّها جميعاً بحسب التقرير لم تصل إلى قرابة 10 % مما مارسَه النظام السوري من ناحية الحجم والنَّوعية.
يُعدُّ الإخفاء القسري جريمة ضدَّ الإنسانيَّة متى ما ارتُكب في إطار خطَّة أو سياسة عامَّة أو في إطار عمليَّة ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجريمة، وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيَّة الدوليَّة وعلى الرَّغم من أنَّ هذا التعريف يقصر الإخفاء القسري على ذلك الذي تمارسه الدولة أو المجموعات التَّابعة لها، إلا أنَّ التقرير وثَّق حالات الاختفاء القسري لدى جميع الأطراف، حيث هناك قوات أصبحت بحكم الأمر الواقع تقوم مقام السلطات الحاكمة، كما هو الحال في “تنظيم داعش” و”تنظيم جبهة النصرة”، وقوات “الإدارة الذاتية” الكردية، إضافة إلى بعض فصائل المعارضة المسلحة.
أُعدَّ التقرير بناء على أرشيف الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الذي تُسجَّل فيه الحوادث والحالات المتعلقة بالاعتقال التَّعسفي والاختفاء القسري منذ عام 2011، وتجرى عليه تحديثات ومراجعات دورية باستمرار، كما استندَ التقرير على 13 رواية لذوي أو أصدقاء ضحايا تعرضوا للإخفاء القسري على يد أطراف النزاع الأربعة الرئيسة.
جاء في التَّقرير أنَّ النِّظام السوري تلاعب مؤخراً بملف المختفين قسراً وأقرَّ بمقتل 836 حالة حيث سجَّلهم ضمن واقعات الوفاة مُشيراً إلى أنَّه لم يقم بتسليم جثث المتوفيين من المعتقلين لديه، وطبقاً للتقرير فإنَّ جريمة الاختفاء القسري لا تزال متواصلة، وطالما لم يتم العثور على الشخص حياً أو ميتاً، فإنَّه ووفقاً للقانون الدولي يُعتبر جميع هؤلاء في عداد المختفين قسرياً والمتَّهم الرئيس بهم هو النظام السوري.
أضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“يُفترض بدول العالم الحضارية أن تكترث أكثر بمصير ١٠٠ ألف مواطن سوري مجهولي المصير، هذا الرقم المرعب وارتباطه المباشر بمئات آلاف العوائل يجب أن يُحرِّك الضمير العالمي ويُبادر لإنهاء هذه الكارثة السورية الوطنية ومحاسبة كل من تسبب بها”
وثَّق التقرير ما لا يقل عن 95056 شخصاً لا يزالون قيد الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2018، النظام السوري مسؤول عن إخفاء 85.9 % من حصيلة ضحايا الاختفاء القسري في سوريا، حيث أخفى ما لا يقل عن 81652 شخصاً بينهم 1546 طفلاً، و4837 سيدة (أنثى بالغة) أما تنظيم داعش فقد تسبب في اختفاء ما لا يقل عن 8349 شخصاً بينهم 314 طفلاً و218 سيدة، فيما كانت هيئة تحرير الشام مسؤولة عن إخفاء 1645 شخصاً بينهم 7 أطفال و19 سيدة.
وبحسب التقرير فقد بلغت حصيلة المختفين قسرياً على يد فصائل في المعارضة المسلحة ما لا يقل عن 1887 شخصاً بينهم 208 طفلاً و411 سيدة. أما قوات الإدارة الذاتية الكردية فقد كانت مسؤولة عن إخفاء ما لا يقل عن 1523 شخصاً بينهم 41 طفلاً و63 سيدة.
وأوردَ التقرير توزع حصيلة المختفيين قسرياً بحسب المحافظات، وكان العدد الأكبر من المختفين قسرياً من محافظة ريف دمشق تلتها محافظتي درعا وحلب.
أكَّد التقرير أنَّ النظام السوري لم يفي بأيِّ من التزاماته في أيٍّ من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، بشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنَّه أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، عبر توقيف مئات آلاف المعتقلين دونَ مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تُهم، وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية مُشيراً إلى أنَّ النظام السوري استهدف باستراتيجية الإخفاء القسري كل من له علاقة بالحراك الشعبي المناهض لحكم العائلة، وأظهر تحليل البيانات، الذي أورده التقرير انتشار هذه الظاهرة في المناطق التي تتميَّز بذلك، وهذا يدلُّ على سياسة ونهج مُتَّسق ومدروس، بما في ذلك الكشف الذي حصلَ مؤخراً عن مصير مختفين قسرياً، فقد تمَّ على نحو مخطَّط بشكل دقيق، وإنَّ تناغم عمل مؤسسات الدولة بما يخدم المشاركة في الفعل الإجرامي أمر واضح الدلالة من خلال اعتقال أشخاص داعمين للحراك الشعبي، ثم إخفائهم قسرياً، ثم إصدار شهادات وفاة لا تحمل معلومات عن سبب الوفاة ولا مكانها.
وجاء في التقرير أنَّ الاختفاء القسري محظور بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي وأيضاً بموجب القانون الجنائي الدولي.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع طارئ لمناقشة هذا الشأن الخطير الذي يُهدد مصير قرابة 95 ألف شخص، ويُرهب المجتمع السوري بأكمله.
كما أكَّد التقرير على أهمية أن يتَّخذ مجلس الأمن خطوات لإيقاف عمليات التعذيب والموت بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، وإنقاذ من تبقى من المعتقلين في أسرع وقت وشدَّد على ضرورة اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لحماية المعتقلين من الموت داخل مراكز الاحتجاز.
حثَّ التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان على إصدار تقرير خاص وتفصيلي يُسلِّط الضوء على هذه الكارثة بكافة أبعادها النفسية والاجتماعية والاقتصادية ودعم منظمات حقوق الإنسان المحلية الفاعلة في سوريا.
شدَّد التقرير على أهمية أن يقوم مجلس حقوق الإنسان بمتابعة قضية المعتقلين والمختفين قسرياً في سوريا وتسليط الضوء عليها ضمن كافة الاجتماعات السنوية الدورية، وتخصيص جلسة خاصة للنظر في هذا التَّهديد الرهيب.
وطالب التقرير النظام السوري باالتَّوقف عن إرهاب المجتمع السوري عبر عمليات الإخفاء القسري والتعذيب والموت تحت التعذيب والتلاعب بالسِّجلات المدنية وتسخيرها لخدمة أهداف العائلة الحاكمة، وتحمُّل التَّبعات القانونية والمادية كافة، وتعويض الضحايا وذويهم من مقدرات الدولة السورية.
للاطلاع على التقرير كاملاً