معاناة السوريات تمزيق الوطن وتشريد المجتمع
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضدَّ المرأة إنَّ العنف الذي يمارَس ضدَّ المرأة في سوريا لا يُشابه أيَّ عنف تعرَّضت له المرأة في أي مكان آخر من العالم وهو مستمر ومتصاعد وممنهج من قبل أطراف النزاع الرئيسة وفي مقدِّمتها النظام السوري وحلفاؤه.
وتحت عنوان “معاناة السوريات تمزيق الوطن وتشريد المجتمع” ذكر التقرير أنَّ السوريات من الطفلات والنساء هنَّ أكثر الفئات تضرراً طيلة السنوات الثماني الماضية في سوريا منذ بدء الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في آذار/ 2011 فقد تعرضنَ لجميع أنماط الانتهاكات التي مورست ضدَّ المجتمع السوري، يُضاف إلى ذلك تحملهنَ لأعباء إضافية نفسية واجتماعية وجسدية كما شكَّلت منظومة من العادات الاجتماعية مرتبطة بالعادات أو التقاليد أو التفسيرات الدينية أو المذهبية بعض الأحيان نماذجَ تمييزية مشوهة بحقِّ السوريات، بعضها يُبرر العنف والتمييز ضدَّ المرأة ويُشرعنه.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“على الرغم من الكمِّ الهائل من الأعباء والانتهاكات، التي تعرضت لها المرأة السورية، إلا أنَّ قسماً كبيراً منهنَّ لم يتوقف عن صناعة المقاومة والنِّضال في سبيل انتزاع الحقوق والحريات الأساسية للمجتمع السوري كله، وصولاً إلى تحقيق التَّغيير الديمقراطي للدولة السورية، ويجب أن يكون هناك ضمان لمشاركتهن الفاعلة على المستويات كافة”
تضمَّن التقرير الذي جاء في 29 صفحة حصيلة الانتهاكات التي ارتكبتها الأطراف الفاعلة الرئيسة في سوريا بحق الإناث منذ آذار/ 2011 حتى 25/ تشرين الثاني/ 2018، واستعرضَ أبرز هذه الانتهاكات و ركِّز على الانتهاكات التي وقعت في العام الأخير على نحو خاص مستنداً على قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان المنشأة منذ آذار/ 2011، التي تقوم الشبكة فيها بجمع الأدلة والمعلومات والبيانات للحوادث التي تم التَّحقق منها، والتي ترد من مصادر متنوعة كالضحايا والشهود والنشطاء أو من خلال شبكة العلاقات الواسعة التي تمتلكها الشبكة السورية لحقوق الإنسان مع المجتمع المحلي.
أوردَ التَّقرير 9 روايات لسيدات ناجيات تعرضنَ لأنماط عدة من الانتهاكات، مثل الاعتقال التعسفي والتعذيب، والعنف الجنسي، والتمييز، وشهادات لشهود عيان وذوي ضحايا مشيراً إلى أن الغالبية العظمى من الإناث اللواتي يتعرضن للانتهاكات هنَّ من المدنيات وأنَّ نسبة صغيرة منهن تنخرط في النزاع كمقاتلات يُشاركن في القتال مباشرة أو ضمن وحدات الاحتياط والمساعدة والدَّعم طوعياً أو قسرياً
وثَّق التقرير مقتل 27226 أنثى يتوزعنَ إلى 11889 أنثى طفلة، و15337 أنثى بالغة على يد الجهات الفاعلة الرئيسة في المدة التي يُغطيها، 21573 منهم على يد قوات النظام السوري و1231 على يد القوات الروسية، في حين قتلت قوات التحالف الدولي 926، وقتلت فصائل في المعارضة المسلحة 1301 أنثى.
وطبقاً للتقرير فقد قتلت 922 أنثى على يد التنظيمات الإسلامية المتشددة، بينهم 844 أنثى على يد تنظيم داعش و78 على يد هيئة تحرير الشام، في حين قتلت قوات الإدارة الذاتية الكردية 220 أنثى. وقتلت 1053 أنثى على يد جهات أخرى.
وبحسب التقرير فإنَّ ما لا يقل عن 9906 أنثى لا تزلنَ قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى 25/ تشرين الثاني/ 2018، منهم 8057 أنثى في سجون النظام السوري و911 أنثى في سجون فصائل في المعارضة المسلحة و489 أنثى في سجون التنظيمات الإسلامية المتشددة، في حين لا تزال 449 أنثى في سجون قوات الإدارة الذاتية الكردية.
وأورد التقرير حصيلة الضحايا من الإناث الذين قتلوا بسبب التعذيب، التي بلغت 89 سيدة (أنثى بالغة) قتل 71 منهن في سجون النظام السوري، و14 في سجون تنظيم داعش، و2 في سجون قوات الإدارة الذاتية الكردية، 1 في كل من سجون فصائل في المعارضة المسلحة وجهات أخرى لم نتمكن من تحديد هويتها.
وأشار التقرير إلى أنَّ المرأة تستفيد من الحماية العامة والحماية الخاصة المنصوص عليهما في اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولين الإضافيين باعتبارها شخصاً مدنياً لا يُشارك في الأعمال العدائية، وتتمتَّع بكل الحقوق المنصوص عليها بما فيها الحق في الحياة والحق في السلامة الجسمانية والنفسية، منوهاً إلى أن عمليات القتل الممنهج التي مارستها قوات النظام السوري على نحو واسع في المحافظات السورية كافة، تُشكِّل جرائم ضدَّ الإنسانية، كما تُعتبر عمليات القصف العشوائي عديم التميِّيز جرائم حرب يومية لا تزالُ مستمرة.
أكد التقرير أن القوات النظامية مارست العنف الجنسي سلاحاً فعالاً لردع المجتمع، وباتَ ظاهرة لها عواقب وخيمة على الضحايا وخاصة النساء والفتيات وعلى أُسَرهم ومُجتمعاتهم، ولم تتجرَّأ الضحية على الإعلان عنها في أغلب الأحيان خشية الانتقام منها أو الخجل والخوف من نظرة المجتمع إليها.
ذكر التقرير أنَّ قوات الإدارة الذاتية ارتكبت عبر عمليات القصف العشوائي والقتل أفعالاً تُشكِّل جرائم حرب، وكل تلك الجرائم تنتهك القانون الدولي الإنساني على نحو صارخ، فالحزب باعتباره سلطة أمر واقع يجب أن يلتزم بمعايير القانون الدولي الإنساني.
ووفق التقرير فقد ارتكبَ تنظيم داعش وهيئة تحرير الشام، جريمة القتل حيث تُعتبر عمليات القصف العشوائي عديم التمييز جرائم حرب وانتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، وقد مارس تنظيم داعش عملية استرقاق وتعذيب النساء على نحو واسع النطاق؛ ما يشكل جريمة ضدَّ الإنسانية كما تُشكِّلُ هذه الممارسات خرقاً للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، وتُعتبر جرائم حرب.
ارتكبَت فصائل في المعارضة المسلحة، جريمة القتل حيث تُعتبر عمليات القصف العشوائي عديم التمييز جرائم حرب وانتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.
طالب التقرير النظام السوري برفع تحفظاته عن اتفاقية سيداو، والتَّوقف الفوري عن عمليات القتل المتعمَّد والتَّعذيب والاعتقال التي يُنفذها بحق المرأة السورية كما طالب الحلف السوري الروسي والميليشيات الإيرانية، بالتَّوقف عن تعمُّد قصف الأحياء السكنية المدنية والمناطق المأهولة بالسكان، التي ينتج عن استهدافها ضحايا معظمهم من النساء والأطفال.
وأوصى التقرير قوات التحالف الدولي بالتحقيق في الحوادث التي وقع فيها ضحايا من الإناث بشكل خاص، وطالبها بالضغط على حلفائها من قوات سوريا الديمقراطية لإيقاف عمليات تجنيد الطفلات والتَّوقف عن عمليات الخطف والاعتقال.
وشدَّد التقرير على أهمية أن يقوم جميع أطراف النزاع بالإفراج الفوري عن الإناث المحتجزات، بشكل خاص على خلفية النزاع المسلح، والالتزام بالقوانين الدولية الخاصة باحتجاز الفتيات.
حث التَّقرير الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي على رفع وتيرة العقوبات الاقتصادية على داعمي النظام السوري الرئيسين، إيران وروسيا، وعلى تقديم كل مساعدة ممكنة لمنظمات المجتمع المدني الفاعلة في إعادة تأهيل الضحايا، ودمجهنَّ في المجتمع مرة أخرى.
وأكَّد على مسؤولية مجلس الأمن الدولي في حماية المرأة في سوريا من النظام السوري الذي يرتكب أكبر أنواع الانتهاكات بحق المرأة السورية والضغط عليه للسماح بزيارة مراقبين دوليين بمن فيهم لجنة التحقيق الدولية المستقلة لمراكز احتجاز النساء، دونَ قيد أو شرط.
وأخيراً أوصى التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان بإصدار تقرير خاص عن الانتهاكات التي تتعرَّض لها المرأة السورية على نحو خاص.