قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم إنَّ هيئة تحرير الشام المسيطرة بشكل شبه كامل على مدينة كفر نبل في محافظة إدلب هي غالباً من اغتالت الناشطين رائد الفارس وحمود جنيد يوم الجمعة 23 تشرين الثاني 2018، ذلك بحسب التحقيقات الأولية.
استبقت هيئة تحرير الشام الاتفاق التركي الروسي الذي دخل حيز التنفيذ في 17/ أيلول بعمليات اقتحام عدة قرى واعتقال عشرات الأشخاص بهدف كسب أكبر قدر من الشرعية المبنية على الإرهاب والتخويف. في الوقت الذي كان فيه المجتمع السوري يأمل أن تساهم الهدنة في التخلص النهائي من التنظيمات المتطرفة. إلا أنَّه بدلاً من أن تتمدَّد القوى المدنية والمعتدلة على حساب هيئة تحرير الشام حصل العكس تماماً، ويعود ذلك إلى عدم وصول مساعدات كافية للمجتمع المحلي في الشمال السوري تُمكِّنه من مواجهة نفوذ وقوة هذه التنظيمات الإرهابية، ذلك نظراً لغياب أية استراتيجية للدول الصديقة للشعب السوري، التي تُعلن على نحو مستمر عن رغبتها في مكافحة التنظيمات المتطرفة.
ولفتَ تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الذي صدر اليوم في 9 صفحات إلى أنَّ لدى التنظيمات المتطرفة والنظام السوري هدفاً مشتركاً يجتمعان عليه، وهو القضاء على الحركة المدنية المطالبة بالديمقراطية، لما تُشكله هذه الحركة بكافة رموزها من خطر وجودي على شرعية كل من النظام السوري وتلك التنظيمات. كما أن المجتمع السوري سوف ينحاز إلى هذه الحركة المدنية المجتمعية عندما يكون بعيداً عن تأثير إرهاب الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري والتنظيمات المتطرفة.
تضمَّن التقرير تحقيقات أولية في حادثة اغتيال الناشط البارز رائد الفارس وزميله حمود الجنيد، واستندَ على جمع وتحليل الأدلة والمعلومات والصور، التي حصل عليها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وعبر الحديث مع الناجي الوحيد من عملية الاغتيال، واستعرض التقرير 3 روايات تم الحصول عليها عبر حديث مباشر مع الشهود. ووفقاً لعمليات التحقيق الأولية فإن هناك ما يدفع للاعتقاد أنَّ هيئة تحرير الشام هي غالباً من قامت بعملية الاغتيال الإرهابية.
تحدَث التقرير أنَّ رائد الفارس مع صديقه الرسام “أحمد جلال” صاحبي فكرة رسم لوحات الكاريكاتير ورفعها في المظاهرات، وكان رائد أيضاً أول من قام بتدوين اسم المدينة وتاريخ المظاهرة على تلك اللافتات، وكان محتوى هذه اللوحات الإبداعية وطريقة رسمها واستمراريتها الأسبوعية الأسباب الرئيسة التي جعلت المجتمع السوري ينتظرها بفارغ الصبر كل جمعة، حتى أصبحت تقليداً ورمزاً أساسياً من رموز الحراك الشعبي نحو الحرية. وجاء في التقرير أيضاً أنَّ رائد الفارس مؤسس اتحاد المكاتب الثورية URB الذي يضم العديد من المشاريع الإعلامية والخدمية مثل: راديو فريش ومجلة المنطرة ومركز مزايا النسائي ومكتب الطفل ومكتب المرأة ومكتب العمالة وحملة عيش وغيرها. كما أسس في عام 2014 منظمة محامون من أجل العدالة.
سلَّط التقرير الضوء على محاولات الاعتقال والاغتيال التي تعرَّض لها رائد الفارس على خلفية نشاطاته وإدارته ومساهمته لعدة مشاريع مدنية وتوعوية، وانتقاده المتكرر للاستبداد والتنظيمات المتطرفة؛ الأمر الذي جعله هدفاً استراتيجياً لهذه الحركات الإرهابية. وبحسب التقرير فقد تلقى الفارس تهديدات عدة بالقتل من قبل مسؤولين وأمنيين في هيئة تحرير الشام ارتفعت وتيرتها بعد اعتقال هيئة تحرير الشام المحامي ياسر السليم في 21/ أيلول/ 2018.
الجمعة 23/ تشرين الثاني/ 2018، قرابة الساعة 12:00 بتوقيت دمشق/ 10:00 GMT، وبينما كان الناس يؤدون صلاة الجمعة، تتبعت سيارة فان سيارة الناشط رائد الفارس التي كان يقودها برفقة الناشط حمود جنيد وعلي دندوش، ولدى توقف السيارة أطلق مسلحون ملثمون النار على سيارة الناشط رائد الفارس؛ ما أدى إلى وفاة رائد الفارس وحمود جنيد.
بحسب التقرير فقد انسحب المسلحون على الفور عقب تنفيذ العملية، التي خطط لها أن تجري في أثناء وجود معظم الأهالي في المساجد لأداء صلاة الجمعة، الأمر الذي سهَّل على المسلحين التَّحرك في المدينة وإتمام عمليتهم الإرهابية والخروج من المدينة دون إمكانية الوصول إلى مزيد من التَّفاصيل عن هويتهم وأشكالهم، وقد أكَّد بعض أهالي المدينة أنَّ السيارة التي كان يستقلها القتلة توجهت شرقاً أولاً، ومن ثم باتجاه وسط المدينة وفُقِد أثرها بعد ذلك. وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ هيئة تحرير الشام تضع حواجز لها على المخارج الشمالية والغربية للمدينة في حين لا يوجد حواجز لها على المخارج الشرقية والجنوبية.
بحسب التقرير فإنَّ هيئة تحرير الشام هي الجهة المسيطرة بشكل شبه كامل على المدينة وبالتالي فهي تتحمل مسؤولية حماية أهلها أولاً، كما أنها لم تقم بأية عملية تنديد أو تحقيق أو اكتراث بحادثة الاغتيال الإرهابية التي هزَّت المدينة وقتلت أحد أهم أبنائها على الإطلاق، كما يُعرف عن التنظيمات الإسلامية المتشددة اتباعها مثل هكذا أنماط من عمليات القتل والاغتيال، وكانت قد قامت بحلِّ الشرطة المحلية، وأصبح عناصرها هم الوحيدون المسؤولون عن الشرطة والأمن، إضافة إلى كل ذلك فإنَّ هناك مصلحة مباشرة لدى هيئة تحرير الشام في التَّخلص من شخص له رمزية وشرعية تفوق شرعيتها، ويستطيع أن يؤثِّر في أبناء منطقته بشكل كبير ومناهض لمشروعها المتطرف بشكل واضح.
أوصى التقرير المجتمع الدولي والدول المؤثرة بضرورة الدَّعم المالي واللوجستي للمجالس المحلية الفاعلة التي تعيش حالة صراع معلن أو خفي مع هيئة تحرير الشام، التي تسعى إلى الهيمنة عليها أو تفتيتها ودعم منظمات المجتمع المدني الحيوية في مناطق الشمال السوري، التي تقف في وجه التَّنظيمات المتطرفة عبر نشر الوعي وتقديم الخدمات. وضرورة تسريع عملية الانتقال السياسي نحو الديمقراطية ومساعدة الدولة السورية الجديدة على استعادة الأمن والاستقرار. إضافة إلى دعم تشكيل جهاز شرطة محلية قوي ومتماسك للدفاع عن الأهالي.
وحثَّ التَّقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان على رصد انتهاكات هيئة تحرير الشام وانعكاس ذلك على حياة المدنيين في محافظة إدلب، وتقديم توصيات فاعلة إلى المجتمع الدولي في هذا الشأن.
أوصى التقرير فصائل المعارضة المسلحة المنضمَّة إلى هيئة تحرير الشام بسرعة الانفكاك عنها، وفضح ممارساتها، وتنظيم حملات توعوية بفكر التنظيمات المتطرفة، وكيفية اختراقها للمجتمعات وتجنيدها للمقاتلين الشباب بالتوازي مع ورشات عن ضرورة احترام حقوق الإنسان الأساسية، والدفاع عنها.