طالبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم بعنوان “أبرز الانتهاكات لاتفاق شوتشي بين روسيا وتركيا في منطقة خفض التَّصعيد الرابعة والأخيرة” مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، متضمناً إجراءات عقابية لجميع منتهكي وقف إطلاق النار.
وذكر التقرير الذي جاء في 19 صفحة أن روسيا نقضت اتفاق مناطق خفض التَّصعيد وسيطرت قواتها بالتَّحالف مع قوات النظام الإيراني والسوري على ثلاث منها، فيما تبقت منطقة خفض التَّصعيد الرابعة والأخيرة (محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية) التي حشدَ لها النظام السوري والميليشيات الإيرانية القوات استعداداً لإنهاء اتفاق مناطق خفض التَّصعيد بالكامل قبل أن يأتي اتفاق سوتشي ويوقف العملية العسكرية.
سلَّط التقرير الضوء على منطقة خفض التَّصعيد الرابعة والأخيرة واستعرض حصيلة أبرز الانتهاكات منذ دخول اتفاق خفض التَّصعيد حيِّز التَّنفيذ في أيار/ 2017 حتى 23/ كانون الأول/ 2018 كما ركِّز التقرير على عملية التَّحضير والتَّصعيد العسكري السوري الروسي الذي سبق اتفاق سوتشي المنعقِد في الـ 17 من أيلول/ 2018 في مدينة سوتشي الروسية، وأثر ذلك على حركة تشريد السكان الكبيرة، واحتوى التقرير على 9 روايات لشهود عيان وناجين وذوي ضحايا.
وبحسب التقرير فقد شكَّلت منطقة إدلب ملاذاً لمئات آلاف المواطنين السوريين حيث نزح إلى محافظة إدلب عشرات الآلاف من محافظات حمص وحماة وريف دمشق، ولدى هجوم القوات الروسية على مناطق خفض التَّصعيد ومساهمتها في عقد تسويات مُذلة مع أهلها، لجأت إلى منطقة خفض التَّصعيد الرابعة موجات جديدة من عشرات آلاف المشردين إلى أن وصل عدد السكان فيها إلى قرابة 5 ملايين مواطن سوري، يتوزعون إلى قرابة 3 مليون مقيم، و2 مليون نازح من مختلف المحافظات السورية، وترفض النسبة العظمى من هؤلاء النازحين العودة إلى المناطق التي يُسيطر عليها النظام السوري خوفاً من عمليات الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري، والتَّجنيد الإجباري.
وأشار التقرير إلى أنَّ قسماً كبيراً من هؤلاء السكان يعيش على المعونات، ذلك في ظلِّ انتشار الفقر والبطالة، وتوقُّف عدد كبير من المنظمات عن العمل إثرَ توقُّف أو انقطاع التمويل؛ ما تسبَّب في ترك مصير عشرات آلاف العائلات عرضة للابتزاز والعمل تحت سيطرة التنظيمات المتشددة.
واستعرض التقرير جدولاً للمناطق التي شرَّدت قوات الحلف السوري – الروسي – الإيراني أهلها قسرياً باتجاه منطقة الشمال السوري، والتي خضعت لاتفاقيات تشريد قسري، وقدَّر التقرير عدد المشردين بمايقارب 217 ألف مواطن سوري.
وذكر التَّقرير أنَّ منطقة خفض التَّصعيد الرابعة شهدت عدة هجمات منذ دخول اتفاق خفض التَّصعيد حيِّز التَّنفيذ كان أخرها الحملة العسكرية التي بدأت في بداية آب الماضي.
ووفقاً للتقرير فقد تسبَّب الهجوم العسكري، الذي بدأته قوات النظام السوري على منطقة خفض التصعيد الرابعة منذ 10/ آب/ 2018 حتى دخول اتفاق سوتشي حِّيز التنفيذ في 17/ أيلول/ 2018 في مقتل 110 مدنياً بينهم 35 طفلاً، و14 سيدة (أنثى بالغة)، وارتكاب مجزرتين إضافة إلى 16 حادثة اعتداء على مراكز حيويَّة مدنيَّة، بينها 5 على منشآت طبيّة. كما ألقى النظام السوري في المدة ذاتها ما لا يقل عن 155 برميلاً متفجراً وخلفت هذه العمليات نزوح ما لا يقل عن 48 ألف شخص.
كما ذكر التَّقرير أنَّ منطقة إدلب شهدت منذ دخول اتفاق خفض التَّصعيد حيِّز التَّنفيذ في 6/ أيار/ 2017 حتى 17/ أيلول/ 2018 عدداً كبيراً من الانتهاكات على يد قوات الحلف السوري الروسي، حيث قتل ما لا يقل عن 1856 مدنياً بينهم 476 طفلاً و313 سيدة، معظم الضحايا في محافظة إدلب، وارتكبت هذه القوات 53 مجزرة، و346 حادثة اعتداء على مراكز حيويَّة مدنيَّة، بينها 77 حادثة على مدارس، و57 حادثة على منشآت طبية، وتمَّ رصد ما لا يقل عن 1167 برميلاً متفجراً ألقاها النظام السوري.
وجاءَ في التقرير أنَّ اتفاق سوتشي نجح من وجهة نظر إنسانية ولو مرحلياً في وقف تحليق الطيران الحربي وبالتالي وقف عمليات القصف الجوية وقتل المواطنين السوريين عبر القصف الجوي، إلا أنَّه لم ينجح في وقف القصف المدفعي حيث استمرت قوات النظام السوري بقصف شبه يومي على القرى والبلدات المحاذية لخط التَّماس، كما سجَّل التقرير 10 محاولات لقوات النظام السوري لاقتحام مناطق سيطرة فصائل في المعارضة المسلحة.
وكان من أبرز النقاط التي تضمَّنها الاتفاق إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق 15- 20 كم داخل منطقة خفض التَّصعيد و
سحب جميع الأسلحة الثقيلة من هذه المنطقة وإبعاد جميع الجماعات “الإرهابية” منها، والسماح بحركة المرور عبر الطريقين إم 4 (حلب – اللاذقية) وإم 5 (حلب – حماة) بحلول نهاية عام 2018. إضافة إلى تثبيت 29 نقطة مراقبة روسية، تركية وإيرانية تتابع وقف إطلاق النار عند حدود المنطقة منزوعة السلاح في إدلب.
وقد ثَّق التقرير ما لا يقل عن 369 خرقاً للاتفاق من قبل قوات النظام السوري، جلُّها في المنطقة منزوعة السلاح، منذ توقيع اتفاق سوتشي في 17/ أيلول/ 2018 حتى 23/ كانون الأول/ 2018. من بينها 145 خرقاً في محافظة إدلب و22 في محافظة حلب، و202 خرقاً في محافظة حماة. أسفرت هذه الخروقات عن مقتل 45 مدنياً، بينهم 22 طفلاً، و6 سيدة.
أوضحَ التَّقرير أنَّ الفصائل الإسلامية انتهكت اتفاق سوتشي وقصفت مناطق خاضعة لسيطرة النظام السوري، كما استغلت إيقاف القتال وبسطت سيطرتها على مناطق إضافية على حساب فصائل في المعارضة المسلحة. كما خرقت بعض فصائل المعارضة المسلحة اتفاق سوتشي عبر عمليات قصف على مناطق خاضعة لسيطرة قوات النظام السوري.
أكَّد التقرير أنَّ قوات الحلف السوري الروسي خرقت اتفاق خفض التَّصعيد، كما خرقت اتفاق سوتشي عبر تنفيذها قصفاً مدفعياً على عدد من القرى والبلدات في منطقة خفض التَّصعيد الرابعة، وقد تسبَّبت هذه الهجمات في وقوع ضحايا من المدنيين. وعبر مهاجمة فصائل في المعارضة المسلحة وقتل عدد من أفرادها. كما ارتكبت عبر جريمة التشريد جريمة ضدَّ الإنسانية بموجب المادة السابعة من ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ودون أن توفِّر مأوى أو رعاية صحية أو غذاء للمدنيين المشرَّدين.
طالب التقرير مجلس الأمن بتقديم دعم حقيقي لمسار جدي لعملية السلام في سوريا وتحقيق انتقال سياسي عادل يضمن الأمن والاستقرار. وإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي، كما أكَّد على ضرورة إصدار قرار يُعالج عملية التَّشريد القسري وعدم تحوُّل النزوح إلى حالة مستدامة، والضغط على النظام السوري لإيقاف التَّهجير وشرعنة قوانين تستهدف نهب ممتلكات النَّازحين وعقاراتهم.
وحثَّ التقرير المجتمع الدولي بضرورة التَّحرك على المستوى الوطني والإقليمي لإقامة تحالفات لدعم الشعب السوري وحمايته من عمليات القتل اليومي ورفع الحصار، وزيادة جرعات الدَّعم المقدمة على الصَّعيد الإغاثي. والسَّعي إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية بشأن هذه الجرائم أمام المحاكم الوطنية.
ودعا التقرير إلى تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P) بعد أن تم استنفاذ الخطوات السياسية عبر اتفاقية الجامعة العربية ثم خطة السيد كوفي عنان، واللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة والسَّعي من أجل إحقاق العدالة والمحاسبة في سوريا عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
كما أوصى التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن تُقدم تقريراً إلى مجلس حقوق الإنسان وغيره من هيئات الأمم المتحدة عن الانتهاكات المرتكبة من قبل قوات الحلف السوري الروسي.
وطالب التقرير القوات الروسية بالتوقف عن ارتكاب جميع أنماط جرائم الحرب في سوريا، وإعادة إعمار ما دمَّرته الآلة الحربيَّة الروسية، وتعويض الضحايا مادياً ومعنوياً والاعتذار بشكل علني. كما أكد على ضرورة الالتزام بمخرجات قمة سوتشي وعدم تكرار سيناريو الخروقات الذي شهدناه في اتفاقات خفض التَّصعيد، والتَّوقف عن دعم جرائم الحرب والجرائم ضدَّ الإنسانية التي لا يزال النظام السوري يرتكبها، والمساهمة في مساعدة المشردين الذين قامت الآلة الحربية الروسية بتشرديهم، وحماية من تبقى من أبناء تلك المناطق من عمليات الاعتقال والخطف والإخفاء القسري، التي يمارسها النظام السوري والميليشيات الإيرانية.