من الأقلية والقمع والديكتاتورية نحو التعددية وحقوق الإنسان والديمقراطية
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الانسان تقريراً بمناسبة الذكرى السَّنوية الثامنة لانطلاق الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في آذار/ 2011، استعرضت فيه حصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا.
وتحت عنوان “من الأقلية والقمع والديكتاتورية نحو التعددية وحقوق الإنسان والديمقراطية” جاء في التقرير أنَّ المواطن السوري عانى على مدى ثمانية أعوام من حجم وأنماط واسعة وعنيفة من الانتهاكات التي ترقى إلى جرائم ضدَّ الإنسانية، بلغت حدَّ التَّعذيب حتى الموت، والاغتصاب للرجال والنساء، والقتل باستخدام البراميل المتفجرة وصواريخ سكود والأسلحة الكيميائية، مُشيراً إلى أنَّ ما زاد من معاناة الشَّعب السوري هو وقوف المجتمع الدولي بشكل عام موقف المتفرج وبالتالي منح النظام السوري الحاكم ضوءاً أخضر ليفعل بالشَّعب السوري ما يريد، ويضعه ويُعامله في منزلة أحطَّ من العبيد.
وذكر التقرير الذي جاء في 13 صفحة أنَّه على الرَّغم من حجم التَّحديات الجبارة، ودخول تنظيمات إرهابية شيعية وإسلامية متطرفة على خط الحراك الشعبي، وتدخل قوى خارجية بشكل مباشر على رأسها إيران وروسيا، لا يزال أُسُّ المشكلة هو الصراع بين المجتمع والاستبداد والقمع وحكم الأقلية العائلية، ولا تزال هذه هي البوصلة نُصبَ أعين معظم المناضلين في سبيل نقل سوريا من حكم فئوي أقلوي عائلي نحو حكم ديمقراطي تعددي مُنتخب بشكل عادل يُمثل المجتمع والشعب السوري.
واستنكر التقرير هرولة بعض دول العالم لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، مُعتبراً أنَّ ذلك يُشكِّل تورطاً في الانتهاكات بحق الشعب السوري، ويُرسل رسالة واضحة بمعاداة قيم الكرامة والديمقراطية ويرسِّخ حالة من الحقد وعدم الاستقرار تمتدُّ إلى عقود طويلة.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“الدفاع عن حقوق المواطن السوري وفي مقدمتها حقُّه في انتخاب وتغيير من يحكمه، وفي العيش ضمنَ نظام يحترم أساسيات حقوق الإنسان ويحفظ حريته وكرامته، هو واجب أخلاقي وحقوقي وعلى جميع شعوب العالم دعمُ هذا المطلب، ومساعدة السوريين في النهوض الحضاري بدولتهم، والوصول بها نحو دولة ديمقراطية تعددية عادلة، وفضحِ كلِّ مَن يدعم جانب القمع وحكمَ الفرد واستخدام الأسلحة الكيميائية.”
استعرضَ التقرير حصيلة أبرز الانتهاكات التي نفَّذتها أطراف النِّزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2019.
وأشار إلى مقتل 223161 مدنياً، بينهم28486 طفلاً، و15425 سيدة (أنثى بالغة) منذ آذار/ 2011، 92 % منهم قتلوا على يد قوات الحلف السوري الروسي وتفوق نسبة الضحايا من الأطفال والسيدات إلى المجموع الكلي للضحايا حاجز 18 % وهي نسبة مرتفعة جداً وتُشير إلى تعمُّد قوات الحلف السوري الروسي استهداف المدنيين.
وقدَّم التَّقرير إحصائية تتحدث عن127916 شخصاً لا يزالون قيدَ الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية التَّابعة للنظام السوري منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2019.
وبحسب التقرير فقد مارست قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية عمليات اعتقال تعسفي وإخفاء القسري في المناطق الخاضعة لسيطرتها ولا يزال ما لا يقل عن 2705 أشخاص قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري لدى قوات سوريا الديمقراطية منذ تأسيسها حتى آذار/ 2019.
ونوَّه التقرير إلى أنَّ تنظيم داعش قد اعتقل ما لا يقل عن 8143 شخصاً منذ تأسيسه حتى آذار/ 2019، فيما اعتقلت هيئة تحرير الشام ما لا يقل عن 1724 شخصاً حتى آذار/ 2019.
وجاءَ في التَّقرير أنَّ فصائل في المعارضة المسلحة عمدَت إلى تنفيذ عمليات اعتقال بحقِّ المدنيين بعد اقتحام مناطق تخضع لسيطرة قوات النظام السوري وبحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإنَّ 2688 شخصاً لا يزالون قيد الاعتقال التعسفي في سجون المعارضة المسلَّحة حتى آذار/ 2019.
ذكر التقرير أنَّ قوات النِّظام السوري لجأت إلى استخدام أنماط وأساليب متنوِّعة من التَّعذيب بحقِّ جميع المحتجزين لديها، مُشيراً إلى أنَّ 13983 شخصاً قُتِلوا بسبب التَّعذيب في سجون النظام السوري منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2019.
وأوردَ التَّقرير حصيلة ضحايا التَّعذيب في سجون التنظيمات الإسلامية المتشددة، التي بلغت 53 شخصاً، 21 قتلوا على يد هيئة تحرير الشام، و32 على يد تنظيم داعش، في حين أنَّ 43 شخصاً قضى بسبب التَّعذيب لدى جميع فصائل المعارضة المسلحة حتى آذار/ 2019، وقتلت قوات سوريا الديمقراطية ما لا يقل عن 38 شخصاً بسبب التَّعذيب حتى آذار/ 2019.
جاءَ في التقرير أنَّ قوات النِّظام السوري اتَّبعت سياسة فرض الحصار على المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل في المعارضة المسلحة، ومنعت وصول الغذاء والدواء؛ ما أدى إلى مقتل921 مدنياً، بينهم 398 طفلاً، و187 سيدة (أنثى بالغة) منذ آذار/ 2011 مضيفاً إلى أنَّ تنظيم داعش أيضاً اتَّبع الأسلوب ذاته في مدينة دير الزور، ومخيم اليرموك جنوب مدينة دمشق وذكر التقرير أن العديد من المناطق شهدت انتهاء الحصار بسبب استعادة النظام السوري سيطرته عليها بعد تهجير أهلها وإجلائهم باتجاه مناطق الشمال السوري إلا أنَّ مخيم الركبان الواقع على الحدود السورية الأردنية لا يزال يخضع لحصار يعتبر النظام السوري أحد أهم أسبابه.
وبحسب التقرير فإنَّ قرابة 221 هجوماً بأسلحة كيميائية قد نُفِّذَ في سوريا منذ أول استخدام لها في كانون الأول/ 2012 حتى آذار/ 2019، نفَّذَ النظام السوري منها 216 هجوماً؛ تسبَّبت في مقتل ما لا يقل عن 1461 شخصاً، في حين نفَّذ تنظيم داعش خمس هجمات.
وبحسب التقرير فقد استخدمت الذخائر العنقودية في سوريا في ما لا يقل عن 441 هجوماً منذ آذار/ 2011، منها 201 على يد قوات النظام السوري، و232 هجوماً على يد القوات الروسية، وثماني هجمات سورية/ روسية في حين سجَّل التقرير إلقاء سلاح الجو التابع للنظام السوري قرابة 77146 برميلاً متفجراً منذ أول استخدام موثق لها في 18/ تموز/ 2012 حتى آذار/ 2019.
ووفقَ التقرير فقد تمَّ تسجيل 149 هجوماً بأسلحة حارقة على مناطق مدنيَّة سكنيّة، 125 منها نفَّذتها القوات الروسية، و19 هجوماً نفذتها قوات النظام السوري، وخمس هجمات نفَّذتهما قوات التَّحالف الدولي، وجميع الهجمات وقعت في أحياء سكنية.
وطبقاً للتقرير فإنَّ موجات نزوح ضخمة شهدتها سوريا لاسيما في عامي 2017 و 2018 بفعل عمليات عسكرية شنَّتها أطراف النزاع أو نتيجة هدنٍ واتفاقيات فُرضَت على المدن والبلدات المحاصرة تُخالف في مضمونها القانون الدولي الإنساني مُشيراً إلى أن قرابة 14.2 مليون شخص قد تعرَّضوا للتَّشريد القسري منذ آذار/ 2011 بينهم 8 مليون شخص جرى تشريدهم داخل سوريا كما تشرَّد قرابة 6.2 مليون لاجئ خارج سوريا
أكَّد التقرير أنَّ أطراف النزاع في سوريا انتهكت مواد القانون الدولي الإنساني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة حيث أنَّ أغلب عمليات الهجمات وحوادث الانتهاكات التي نفذتها كانت موجهة بشكل أساسي ضدَّ أفراد مدنيين. كما أنَّ قسماً كبيراً من الحوادث قد تسبَّبت في حدوث خسائر طالت أرواح المدنيين أو إلحاق إصابات بهم أو في إلحاق الضَّرر بالأعيان المدنيَّة، وتُشكِّل كثير من الهجمات جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب بحسب التقرير.
وأوصى التقرير أعضاء مجلس الأمن بالتَّوقف عن استخدام حق النقض لحماية النظام السوري، الذي ارتكب على مدى ثمانية أعوام مئات آلاف الانتهاكات، التي تُشكل في كثير منها جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب. وطالبَ بإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، وإحلال الأمن والسلام وتطبيق مبدأ مسؤولية حماية المدنيين، لحفظ أرواح السوريين وتراثهم وفنونهم من الدمار والنَّهب والتخريب.
كما طالب المجتمع الدولي بالتَّدخل الفوري لحماية المدنيين وتشكيل ضغط حقيقي على روسيا وإيران واعتبارهما شريكَين رئيسَين في الانتهاكات التي ترتكب في سوريا؛ نظراً لاستمرارهما في تزويد النِّظام السوري بالسلاح، ولاشتراكهما المباشر في آلاف الانتهاكات.
وطالبَ التقرير أطراف النزاع بالالتزام بقواعد القانون العرفي الإنساني، وقرارات مجلس الأمن، وتحييد المدنيين، وإطلاق سراح المحتجزين والرهائن، وإيقاف التَّعذيب والكشف عن مصير المختفين والمفقودين، ورفع الحصار.