قرابة 4247 مختف قسريا في محافظة الرقة بحاجة إلى الكشف عن مصيرهم
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ تحديد هوية الجثث في المقابر الجماعية في محافظة الرقة مسؤولية دولية، وأشارت إلى وجود قرابة 4247 مختفٍ في محافظة الرقة بحاجة إلى الكشف عن مصيرهم.
أشار التقرير إلى وجود مقابر جماعية منتشرة في مناطق عدة في محافظة الرقة بدأت تتكشف عقب عودة بعض الأسر إلى المحافظة بعد هزيمة تنظيم داعش وانسحابه منها في تشرين الأول/ 2017 ما دفع مجلس الرقة المدني بعد مرور أشهر عدة على سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” إلى تشكيل فريق الاستجابة الأولية.
وذكر التقرير الذي جاء في 16 صفحة أنه قبل سيطرة تنظيم داعش على محافظة الرقة في كانون الثاني/ 2014 كان الأهالي يدفنون ضحاياهم في مقبرتين رئيستين في مدينة الرقة هما مقبرة “تل البيعة” ومقبرة “حطين” وكان من دُفِنَ في هذه المقابر هم من ضحايا هجمات قوات النظام السوري على المحافظة بعد سيطرة قوات المعارضة المسلحة عليها، إضافة إلى الأشخاص الذين توفوا بشكل طبيعي.
وأشار التقرير إلى أنه خلال معركة غضب الفرات قتل قرابة 2323 مدنياً في محافظة الرقة بينهم 543 طفلاً و346 سيدة (أنثى بالغة) أي منذ تشرين الثاني/ 2016 حتى تشرين الأول/ 2017، معظمهم قتلَ على يد قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي، ودفنهم ذووهم في الحدائق والملاعب، وفي أفنية المنازل أيضاً؛ بسبب عدم قدرتهم على الوصول إلى مقبرة “تل البيعة” نتيجة الحصار الناري، الذي فرضته قوات سوريا الديمقراطية على مدينة الرقة تحديداً، وموقع المقبرة المكشوف؛ الأمر الذي قد يجعلهم عرضةً للاستهداف من قبل قوات التَّحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية.
وجاء في التقرير أنَّ إعداده استغرق قرابة سبعة أشهر، وتضمَّن أربعة روايات لشهود عيان، وعناصر من فريق الاستجابة الأولية الذي يُشكل استخراج الجثث من المقابر الجماعية إحدى مهامه ويُسجّل هذا التقرير حصيلة الضحايا المدنيين الذين قتلوا في محافظة الرقة وليس الضحايا الذين ينتمون لها، وحلل التقرير المقاطع المصورة والصور التي نُشرت عبر الإنترنت، أو التي أرسلت عبر نشطاء محليين عبر البريد الإلكتروني وغيرها من المنصات، كما أجرى التقرير مقارنة لصور مواقع هذه المقابر ملتقطة بالأقمار الصناعية نهاية عام 2017 مع صور مماثلة التقطت في عام 2013 أو 2014 وتُظهر المقارنة بحسب التقرير آثار الخنادق التي دُفن فيها الضحايا.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“على الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين، التي تديرها اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي البدء بالمساعدة في البحث عن آلاف المفقودين في سوريا، ومحاولة الكشف عن مصيرهم، وتقديم الخبرات والدعم اللوجستي للمجتمع السوري والمنظمات المحلية المختصة في هذا المجال، وبشكل خاص في مناطق شمال شرق سوريا بعد اندحار تنظيم داعش، من الممكن للمساهمة الدولية الفاعلة في هذا المجال أن تساعد المجتمع السوري في تحديد مصير عشرات آلاف المختفين”.
أكَّد التقرير أنَّ القسم الأعظم من الجثث الموجودة في المقابر الجماعية تعود إلى ضحايا قتلوا على يد قوات سوريا الديمقراطية وقوات التَّحالف الدولي، بعد سيطرة تنظيم داعش على محافظة الرقة، إلا أن هناك احتمالية وجود أنواع أخرى من الجثث لضحايا قتلوا أو اختفوا وحصر التقرير أبرز تلك الاحتمالات في:
1 – أشخاص قتلوا إثر غارات جوية لقوات التَّحالف الدولي أو عمليات قصف أرضي مدفعي أو هاون نفذَّتها قوات سوريا الديمقراطية.
2- أشخاص قتلوا من قبل قوات تنظيم داعش ودفن التنظيم جثثهم في هذه المقابر.
3- ضحايا من الرهائن الذين اعتقلهم تنظيم داعش خلال معاركه مع فصائل في المعارضة المسلحة حيث نقل التنظيم بعضاً من جثثهم بعد تصفيتهم ودفنها في هذه المقابر.
4- أفراد من مقاتلي تنظيم داعش قتلوا خلال الاشتباكات مع قوات سوريا الديمقراطية أو نتيجة غارات قوات التحالف الدولي.
5- أفراد من عناصر قوات النظام السوري اعتقلهم تنظيم داعش ثم أعدمهم.
6- أشخاص مدنيون أو مقاتلون اعتقلوا من قبل قوات النظام السوري عندما كان مُسيطراً على المحافظة، أو من قبل فصائل في المعارضة المسلحة عند سيطرتها عليها، أو من قبل تنظيم داعش، ثم اختفوا ولم يُكشَف عن مصيرهم حتى الآن.
إضافة إلى جميع ما سبق فقد أكد التقرير أنَّ المقابر الجماعية ضمَّت جثثاً لمدنيين قد توفوا وفاة طبيعية، وتضمُّ أيضاً جثثَ أطفال خُدَّج توفوا بعد الولادة.
وأوردَ التقرير إحصائية تتحدث عن حصيلة الضحايا المدنيين الذين قتلوا في محافظة الرقة لإعطاء تصوُّر عن حجم الكارثة البشرية التي عانت منها المحافظة، وطبقاً للتقرير فقد بلغت حصيلة الضحايا المدنيين الذين قتلوا في محافظة الرقة على يد أطراف النزاع منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2019 ما لا يقل عن 4823 مدنياً بينهم 922 طفلاً و679 سيدة (أنثى بالغة).
وفقاً للتقرير فقد قتل النظام السوري 1829 مدنياً في حين قتلت القوات الروسية 241 مدنياً، وقتل تنظيم داعش 942 مدنياً، وقتل 3 مدنين على يد فصائل في المعارضة المسلحة، فيما قتلت قوات سوريا الديمقراطية 308 مدنياً، أما قوات التحالف الدولي فقد قتلت 1133 مدنياً، وقتل ما لا يقل عن 367 مدنياً على يد جهات أخرى.
وأشار التقرير إلى وجود ما لا يقل عن 4247 مختفٍ من أبناء محافظة الرقة بينهم 219 طفلاً، و81 سيدة (أنثى بالغة) لا يزالون قيد الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آذار/ 2019، منهم 1712 شخصاً قد اختفوا على يد قوات النظام السوري، و2125 شخصاً على يد تنظيم داعش، و288 شخصاً على يد قوات سوريا الديمقراطية، و122 على يد فصائل في المعارضة المسلحة.
وأكَّد التقرير على أنَّ فريق الاستجابة الأولية بحاجة إلى دعم لوجستي وخبراتي حيث يواجه تحديات عدة في أثناء عمله في البحث واستخراج الجثث، لعلَّ من أبرزها التأخير الكبير في عمليات إزالة الألغام المنتشرة في مناطق مختلفة في محافظة الرقة، وهذا ما أعاق بشكل كبير عملية الوصول الآمن إلى المقابر الجماعية، مُشيراً إلى مقتل 229 مدنياً إثر انفجار ألغام في محافظة الرقة بين تشرين الأول/ 2017 حتى آذار/ 2019.
كما أشار التقرير إلى أنَّ التَّحدي الأكبر الذي يواجه فريق العمل هو عدم امتلاكه سوى معدات حفر يدوية وأدوات بدائية، وافتقاره لوجود خبراء في طريقة حفر ونقل الجثث دون تدمير الأدلة الجنائية، إضافة إلى العجز الكبير من حيث وجود الأطباء الشرعيين المختصين، وعدم وجود مختبر مختص يمكِّن الفريق العامل من تجميع العينات المأخوذة من الجثث (كالعظام، الشعر، الأسنان) ويدوِّنها ضمنَ سجلات تتمُّ أرشفتها، بحيث يمكن لاحقاً أخذ عينات من الأهالي، وإجراء تحاليل DNA للمقارنة والمطابقة.
وصفَ التقرير التقارير -بعد الاطلاع على نسخ عدة منها- التي يقوم فريق الاستجابة الأولية بتسجيلها في أثناء عملية استخراج الجثث بالضعف وقال إنها تخلو من أية معلومات إضافية أو علامات مميزة أو مرفقات لصور ملابس الضحية والموجودات التي عثر عليها بالقرب من جثَّته.
وجاء في التقرير أن القاعدة 113 من القانون العرفي الإنساني تنصُّ على أن “يتَّخذ كل طرف في النزاع كل الإجراءات الممكنة لمنع سلب الموتى ويحظر تشويه جثث الموتى”، والقاعدة 115 تنصُّ على أنَّه “تُعامل جثث الموتى بطريقة تتسم بالاحترام وتحترم قبورهم وتصان بشكل ملائم”، ويبقى المهم دائماً هو تحديد هوية أصحاب الرفات، وهذه مسألة إنسانية وقضائية واجتماعية في الوقت ذاته.
أكَّد التقرير أنَّ القانون الدولي الإنساني العرفي نصَّ في عدة مواد 112-116 على التَّدابير الخاصة لعمليات البحث عن الموتى ومنع سلب جثثهم وحظر تشويهها، كما أشار البرتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 لاتفاقيات جنيف الأربعة في مادته الثامنة إلى واجب البحث عن الموتى، كما أنَّ هناك قواعد عامة مُلزمة مثل حظر الاعتداء على الكرامة الشخصية، والمعاملة غير الإنسانية.
وذكر التقرير أنَّ عملية نقل الجثث إلى المقابر الرئيسة دون أخذ عينات من بقايا العظام أو الشعر، وعدم وجود فريق مختص من أطباء شرعيين لديهم خبرة طويلة في مزاولة المهنة قد يُعرِّض مواقع المقابر الجماعية للتَّلوث غير المقصود، وكل هذا يُعتبر تشويهاً وتدميراً للأدلة، ويُصعِّب الكشفَ المستقبلي عن هويات أصحاب الجثث، ويدخل المجتمع في حالة من الإخفاء القسري المستمر لعشرات آلاف الضحايا.
ونوَّه التقرير إلى أن سلطات الأمر الواقع وهي قوات سوريا الديمقراطية لم تتَّخذ جميع التدابير الممكنة لجعل هذه العملية تتم على نحو يضمن حفظ الأدلة وصونَ حقوق الضحايا، والكشف عن مرتكبي الانتهاكات في حال وقوعها، وكذلك إدراك حجم الضَّرر والعنف الذي تعرَّضت له المحافظة، وتتحمَّل القوات العسكرية المسيطرة المسؤولية الرئيسة والمباشرة عن كل هذه الأفعال وتداعياتها.
طالب التقرير قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم مزيد من الدعم اللوجستي والمادي لعملية استخراج الجثث، والضَّغط على قوات سوريا الديمقراطية لتخصيص قسم أكبر من الموارد المادية في هذا الخصوص؛ حتى لا تعتبر هذه العملية لاحقاً بمثابة تلاعب بالرفات وطمس لأدلة، واتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية الجثث وبذل كل الجهود لتحديد هوية القتلى وتوفير الدَّفن المناسب في قبور تحمل علامات واضحة.
وأكد على ضرورة إنشاء مختبر يمكن فيه جمع العينات المأخوذة من الجثث لمقارنتها مع عينات من عائلات المفقودين وإنشاء سجل عام مركزي للمفقودين والمساهمة في الإسراع بعملية إزالة الألغام التي تؤثِّر بشكل كبير على عودة المدنيين إلى مدينة الرقة وعلى عملية استخراج الجثث.
وحثَّ التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان على تسليط الضوء على موضوع المقابر الجماعية ومتابعة ما يجري من عمليات نبش واستخراج للجثث، وإصدار تقرير يوضِّح موقفها من هذه العمليات ويُصدر توصيات إلى مجلس الأمن الدولي للتَّحرك لكشف هوية عشرات آلاف السوريين المختفيين.
كما أوصى التقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة محافظة الرقة وأن تُساهم خبراتياً في عملية المساعدة في التَّنقيب عن الجثث وحفظ المواد الجنائية ومنع تعرُّض مواقع الدَّفن للتَّلوث.
وطالب التقرير اللجنة الدولية لشؤون المفقودين بعقد ورشة تدريبية لفريق الاستجابة الأولية المحلي، وتزويدهم بالاستشارة والخبرات اللازمة، وبذل كل جهد ممكن للمساعدة في تحديد هوية المفقودين والمختفين، وهذا سوف يُعزِّز مسار العدالة الانتقالية في سوريا كما طالبها بتفعيل عمل الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين في سوريا بشكل أكبر وبأسرع وقت ممكن.