الأمين العام للأمم المتحدة لا يحدد في بيانه من يقوم بالقصف الجوي للمراكز الطبية والمدارس
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صدر لها اليوم إن قوات الحلف السوري الروسي ترتكب انتهاكات تُشكل جرائم حرب في إدلب وما حولها دون أي تحرك للمجتمع الدولي.
وذكر التقرير الذي جاء في 15 صفحة أن منطقة إدلب لخفض التصعيد شهدت منذ دخول اتفاق سوتشي حيِّز التنفيذ تصعيداً عسكرياً متكرراً، وقد تسبَّبت تلك الحملات العسكرية التي شنَّتها قوات الحلف السوري الروسي في مقتل ما لا يقل عن 544 مدنياً، بينهم 163 طفلاً و105 سيدة (أنثى بالغة)، وتشريد قرابة 900 ألف مدني نزح مئات الآلاف منهم غيرَ مرة، وتدهور الوضع المعيشي لقرابة 4.7 مليون نسمة يقطنون في مساحة تبلغ قرابة 6800 كم2 يعيش قسم كبير منهم على المعونات في ظلِّ انتشار الفقر والبطالة، وتوقُّف عدد كبير من المنظمات الدولية عن العمل بعد أن سيطرت هيئة تحرير الشام المتشددة على مناطق واسعة من محافظة إدلب؛ الأمر الذي زاد من صعوبة وتعقيد أوضاع المشردين والسكان المحليين حيث لا تكترث هيئة تحرير الشام بهذه التداعيات، ولا تتمكن من سدِّ هذه الثغرات، بل تستخدم معظم مواردها في القطاع العسكري والأمني.
وأوضح التقرير أنَّ الحملة العسكرية التي تشهدها منطقة إدلب منذ 26/ نيسان الماضي هي الأعنف منذ دخول اتفاق سوتشي حيِّز التنفيذ في 17/ أيلول/ 2018 وهي بالتالي الأسوأ على الصعيد الإنساني من حيث حصيلة الضحايا وموجات النزوح التي نتجت عنها والأسلحة التي استخدمها النظام السوري.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“صحيح أن الدول التي عقدت الاتفاقيات الثنائية أو الثلاثية تتحمل مسؤولية تثبيت وقف إطلاق النار وعدم ارتكاب انتهاكات للاتفاقيات، لكن هذه الاتفاقيات يجب أن لا تُنسينا أن هناك قانوناً للحرب، وهو الأهم، وهو الأصل، وأنَّ الانتهاكات التي ترتكب حالياً تُشكل في كثير منها جرائم حرب، وإنَّ مسؤولية محاربة جرائم الحرب بحسب اتفاقيات جنيف الأربعة تقع على جميع الدول التي صادقت عليها، ويجب عليها التَّحرك لوقف جرائم الحرب والجرائم ضدَّ الإنسانية في سوريا، وإنَّ عدم تحرك مجلس الأمن الذي فشل في سوريا، لا يُعفي دول العالم من حماية القانون الدولي ومنع تكرار ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضدَّ الإنسانية”
سلَّط التقرير الضوء على منطقة خفض التَّصعيد الرابعة والأخيرة (المؤلفة من محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية) واستعرض حصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان إثرَ التَّصعيد العسكري لقوات الحلف السوري الروسي على المنطقة منذ 26/ نيسان/ 2019 حتى 7/ أيار/ 2019 مشيراً إلى أنَّ حصيلة الضحايا الواردة فيه هي للمدنيين فقط، وتم توزيعها تبعاً للمكان الذي قتلوا فيه وليس تبعاً للمحافظة التي ينتمون إليها.
ونوَّه التقرير إلى أنَّ التصعيد الأخطر كان في 30/ نيسان بعد استخدام قوات النظام السوري سلاح البراميل المتفجرة لأول مرة منذ دخول اتفاق سوتشي حيِّز التَّنفيذ، وسجَّل في المدة التي يُغطيها 1068 غارة جوية لقوات الحلف السوري الروسي، 496 منها على يد سلاح الجو التابع لقوات النظام السوري، و572 من قبل سلاح الجو الروسي. كما سجَّل التقرير ما لا يقل عن 132 هجوماً أرضياً سورياً على الرغم من الانخفاض النسبي في عدد الهجمات الأرضية لقوات النظام السوري، وتسبَّبت هذه الغارات الجوية وعمليات القصف المدفعي في موجة نزوح كبيرة من ريفي حماة الشمالي والغربي، ومع تصاعد العنف وامتداده إلى بلدات ريف إدلب الجنوبي نزح أهالي هذه المنطقة إلى ريف إدلب الشمالي وبحسب التقرير فقد بلغ عدد النازحين قرابة 130 ألف نسمة منذ 26/ نيسان حتى 6 أيار/ 2019.
وأشار التقرير إلى تكتيك اتَّبعه النظام السوري على مدى سنوات عدة وهي استراتيجية الاستهداف المدروس والمبني على معلومات استخباراتية للمشافي ومراكز الإيواء منوِّهاً إلى أنَّ النزاع السوري هو أكثر نزاع تم فيه استهداف المشافي والمراكز الطبية على هذا النحو، ويهدف ذلك إلى نشر الإرهاب والرعب في المجتمع.
وطبقاً للتقرير فقد قتلت قوات الحلف السوري الروسي ما لا يقل عن 108 مدنياً، بينهم 26 طفلاً، و24 سيدة (أنثى بالغة)، وارتكبت 3 مجازر في منطقة خفض التصعيد الرابعة منذ 26/ نيسان/ 2019 حتى 7/ أيار/ 2019، حيث قتلت قوات النظام السوري 71 مدنياً، بينهم 12 طفلاً و18 سيدة معظمهم في محافظة إدلب، فيما قتلت القوات الروسية 37 مدنياً، بينهم 14 طفلاً و6 سيدة توزعوا بين محافظتي حماة وإدلب، وارتكبت ثلاثة مجازر جميعها في محافظة حماة.
وبحسب التقرير فقد تسبَّبت هجمات قوات الحلف السوري الروسي في ما لا يقل عن 82 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة، من بينها 11 على أماكن عبادة، و28 على مدارس، و18 على منشآت طبية، و9 على مراكز للدفاع المدني، كان النظام السوري مسؤولاً عن 42 حادثة اعتداء في حين أنَّ القوات الروسية نفَّذت 40 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة.
وأضاف التقرير أن القوات الروسية نفَّذت هجوماً واحداً بذخائر عنقودية، في حين ألقى سلاح الجو التابع لقوات النظام السوري ما لا يقل عن 188 برميلاً متفجراً في المدة ذاتها، معظمها على محافظة إدلب.
واستنكر التقرير أن يخلو بيان المتحدث باسم الأمين العام الصادر في 6/ أيار من الإشارة إلى تحديد المسؤول عن الهجمات الجوية على المشافي والمدارس، علماً أن أغلب الهجمات تمت عبر سلاح الجو، الطيران المروحي، وثابت الجناح، وهذا السلاح لا يمتلكه سوى النظام السوري والروسي، مُشيراً إلى أنَّ هذا يرسل رسالة خاطئة إلى الضحايا عن حالة من العجز وربما يُشجع مرتكب الانتهاك النظام السوري والروسي على الاستمرار وارتكاب المزيد من عمليات القتل والقصف العشوائي.
أكَّد التَّقرير أنَّ القوات السورية والروسية انتهكت قواعد عدة في القانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها عدم التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأهداف المدنية والعسكرية، وقصفت مشافي ومدارس ومراكز وأحياء مدنية، وترقى هذه الانتهاكات إلى جرائم حرب.
كما أوضح أنَّ شنّ هجوم مقصود على العاملين في المجال الطبي ضمن سياق نزاع مسلح غير دولي، يعتبر جريمة حرب، تستوجب العقاب بموجب القانون الدولي الإنساني، والقانون الجنائي الدولي (الموادّ 8-2 ب، 24، و 8-2 هـ 2 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية) مشيراً إلى أن القوات الروسية والسورية قد تعمدت استهداف العاملين في المجال الطبي في عدد من الهجمات.
وجاء في التقرير أن النزوح أو التشريد القسري يشكل جريمة حرب في النزاعات المسلحة غير الدولية، عندما يرتكب في إطار هجوم مدروس أو واسع النطاق وموجَّه ضدَّ السكان المدنيين بحسب المادتين 8-2-ب-7 و8-2-هـ-8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)، ويمكن اعتبارها أيضاً جرائم ضدَّ الإنسانية (المادة 7-1- د من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية).
ذكر التقرير أن قوات الحلف السوري الروسي خرقت اتفاق خفض التَّصعيد في المناطق كافة، وفي منطقة إدلب، كما خرقت مراراً اتفاق سوتشي، الذي دخل حيِّزَ التنفيذ في أيلول 2018، ومارست قوات النظام السوري جريمة التَّشريد في إطار منهجي وواسع النِّطاق، ومنظَّم ضدَّ السكان المدنيين.
وطالب التقرير مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، وأن يتضمَّن إجراءات عقابية لجميع منتهكي وقف إطلاق النار وتقديم دعم حقيقي لمسار جدي لعملية السلام في سوريا، وتحقيق انتقال سياسي عادل يضمن الأمن والاستقرار. وإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين.
كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى تحديد مرتكب الانتهاكات بشكل واضح لأنَّ ذلك يُساهم في إدانة أفعالهم، ويفضح ممارساتهم، ويرسل رسالة تضامن إلى المجتمع المتضرر، وإن تجاهل ذكر مرتكبي الانتهاكات الواضحين يشجعهم على ارتكاب المزيد من الانتهاكات وتكرارها.
وحثَّ التقرير المجتمع الدولي على ضرورة التَّحرك على المستوى الوطني والإقليمي لإقامة تحالفات لدعم الشعب السوري وحمايته من عمليات القتل اليومي ورفع الحصار، وزيادة جرعات الدعم المقدمة على الصعيد الإغاثي. والسعي إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية بشأن هذه الجرائم أمام المحاكم الوطنية.
ودعا التقرير إلى تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P) الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة والسَّعي من أجل إحقاق العدالة والمحاسبة في سوريا عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
وأخيراً أوصى التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن تُقدم تقريراً إلى مجلس حقوق الإنسان وغيره من هيئات الأمم المتحدة عن الانتهاكات المرتكبة من قبل قوات الحلف السوري الروسي.