يجب التدخل الفوري عبر تحالف دولي لحماية المدنيين في سوريا على غرار تدخل حلف الناتو في كوسوفو
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية مجدداً في محافظة اللاذقية ويجب على الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا الوفاء بوعودها.
ذكَّر التقرير -الذي جاء في تسع صفحات- بهجوم مدينة دوما الكيميائي الذي شنَّه النِّظام السوري على مدينة دوما بمحافظة ريف دمشق في 7/ نيسان/ 2018، والذي تسبَّب في مقتل 39 مدنياً قضوا خنقاً بينهم 10 أطفال، و15 سيدة (أنثى بالغة)، وإصابة قرابة 550 شخص بأعراض تنفسية وعصبية.
وجاء في التقرير أنَّه في سياق الدفاع عن النظام السوري وتشجيعاً له على الاستمرار في استخدام الأسلحة الكيميائية استخدمت دولة روسيا في 10/ نيسان/ 2018 حقَّ النَّقض الفيتو ضدَّ مشروع قرار لتشكيل لجنة تحقيق بخصوص استخدام السلاح الكيميائي، وكانت هذه هي المرة الـ 12 التي تستخدم فيها الدولة الروسية حقَّ النقض لصالح النظام السوري المتورط باستخدام الأسلحة الكيميائية وبارتكاب انتهاكات فظيعة تُشكِّل جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب.
وبحسب التقرير فقد كانت الضربة العسكرية التي نفَّذتها القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية في 14/ نيسان/ 2018 على ثلاثة مواقع في سوريا تدعم برنامج النظام السوري للأسلحة الكيميائية، محدودة للغاية ولم تُضعف قدرة النظام السوري على الاستمرار في ارتكاب الانتهاكات الفظيعة، ولا على التفكير مجدداً باستخدام الأسلحة الكيميائية طالما أنَّ ردة الفعل سوف تقتصر بحدها الأقصى على هذا الشكل البسيط المحدود، كما أنَّه لم تتبعها خطوات سياسية ترسم خارطة طريق تهدف لإنهاء النزاع السوري نحو تغيير سياسي تعددي ديمقراطي يحقق الاستقرار والعدالة.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لقد توعَّد الرئيس الأمريكي والرئيس الفرنسي ورئيسة الوزراء البريطانية النظام السوري بأنه في حال استخدام أسلحة كيميائية مجدداً فسوف يكون هناك رد حاسم، وها قد ثبت تورُّط النظام السوري مجدداً باستخدام الأسلحة الكيميائية، وهو النظام الوحيد على وجه الكرة الأرضية، الذي لايزال يستخدم الأسلحة الكيميائية، والمجتمع السوري ينتظر الوفاء بالوعود المقطوعة، ومحاسبة النظام السوري بشكل جدي وفعال”.
وفقاً للتقرير فقد ارتكب النظام السوري على مدى ثماني سنوات جرائم وانتهاكات فظيعة بحق المدنيين السوريين، ولم يستجب لأي من مطالب لجنة التحقيق الدولية بشأن الجمهورية العربية السورية، ولا مطالب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ولا حتى قرارات مجلس الأمن، وكان يفترض بمجلس الأمن أن يتَّخذ تدابير جماعية ويتحرك بموجب المادتين 41 و42 من ميثاق الأمم المتحدة، لكنه فشل أيضاً بسبب الحصانة التي منحتها روسيا للنظام السوري، كما أنَّها لم تُحجم عن استخدام حق النقض في حالة النظام السوري، الذي ليس فقط لم يلتزم بمسؤولية حماية المدنيين، بل هو من ارتكب أفظع الانتهاكات بحقهم، وصلت مرتبة جرائم ضدَّ الإنسانية، وإبادة داخل مراكز الاحتجاز عبر عمليات التعذيب.
وبحسب التقرير فإنَّ ما يحصل في سوريا ليس مجزرة واحدة أو انتهاك واحد بل هو استمرار في عمليات القتل والتعذيب، والعنف الجنسي، والإخفاء القسري، واستخدام الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة، وحصار المدنيين واقتبس التقرير ما ذكرته اللجنة الدولية المعنية بالتَّدخل وسيادة الدول في تقريرها المنشور في كانون الأول 2001، الذي جاء فيه: “إنْ تخلَّف مجلس الأمن عن الوفاء بمسؤوليته في أوضاع تهز الضمير وتستصرخ النجدة فسيكون من غير المعقول أن نتوقع من الدول المعنية أن تستبعد استخدام وسائل أخرى أو اتخاذ أشكال أخرى من التدابير للتصدي لخطورة وإلحاح هذه الأوضاع”
واستعرض التقرير تفاصيل أول هجوم موثَّق بالأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري بعد هجوم مدينة دوما الأخير، وقع الهجوم يوم الأحد 19/ أيار/ 2019 قرابة الساعة 08:00 عندما قصفت راجمة صواريخ تابعة لقوات النظام السوري متمركزة في منطقة الجب الأحمر جنوب قرية الكبينة الواقعة في ريف اللاذقية الشرقي، ثلاثة صواريخ محملة بغازات سامة استهدفت هذه الصواريخ نقطة تمركز تابعة لهيئة تحرير الشام في تلة واقعة في الأطراف الجنوبية الغربية من قرية الكبينة؛ ما أدى إلى إصابة أربعة مقاتلين من هيئة تحرير الشام ظهرت عليهم أعراض صعوبة في التَّنفس واحمرار في العين ودماع.
وأوضح التقرير أنَّ هجوم قرية الكبينة الكيميائي جاء في إطار التَّقدم العسكري في قرى ريف اللاذقية الشرقي وضمن الحملة العسكرية التي يشنُّها الحلف السوري الروسي منذ 26/ نيسان/ 2019 على منطقة إدلب لخفض التصعيد (أجزاء من محافظات حماة وإدلب وحلب واللاذقية) وهي آخر مناطق خفض التصعيد الخارجة عن سيطرة قوات النظام السوري.
بحسب التقرير فقد تم توثيق قرابة 222 هجوماً كيميائياً منذ 23/ كانون الأول/ 2012 وهو تاريخ أول استخدام موثَّق للسلاح الكيميائي في سوريا حتى 20/ أيار/ 2019، نفَّذ النظام السوري 217 هجوماً كيميائياً، معظمها في محافظتي ريف دمشق وإدلب في حين نفَّذ تنظيم داعش: خمس هجمات جميعها في محافظة حلب وقد تسبَّبت تلك الهجمات في مقتل ما لا يقل عن 1461 شخصاً، جميعهم قضوا في هجمات نفَّذها النظام السوري يتوزعون إلى 1397 مدنياً، بينهم 185 طفلاً، و252 سيدة (أنثى بالغة)، و57 من مقاتلي المعارضة المسلحة، و7 أسرى من قوات النظام السوري كانوا في أحد سجون المعارضة.
ووفقاً للتقرير فقد تسبَّبت هذه الهجمات في إصابة ما لا يقل عن 9889 شخصاً يتوزعون إلى 9757 أُصيبوا إثرَ هجمات شنَّها النظام السوري، و132 أُصيبوا إثرَ هجمات شنَّها تنظيم داعش.
أكَّد التَّقرير على أنَّ النِّظام السوري انتهكَ عبر استخدام الأسلحة الكيميائية في قرية الكبينة القانون الدولي الإنساني العرفي و”اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية” وجميع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وبشكل خاص القرارات رقم 2118 و2209 و2235، كما أنَّ استخدام الأسلحة الكيميائية يُشكل جريمة حرب وفقاً لميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وشدَّد التقرير على ضرورة ضغطِ الأعضاء الأربعة دائمي العضوية في مجلس الأمن على الحكومة الروسية لوقف دعمها للنظام السوري، الذي يستخدم الأسلحة الكيميائية، وكشفِ تورطها في هذا الصَّدد.
وحثَّ التقرير كلاً من لجنة التحقيق الدولية المستقلة COI والآلية الدولية المحايدة المستقلة IIIM على مباشرة التَّحقيق في هجوم قرية الكبينة، والحوادث التي سبقتها والتي تلتها، وتحديد المتورطين فيها.
كما طالب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بدعم الآلية الدولية المحايدة المنشأة بقرار الجمعية العامة رقم 71/248 الصادر في 21/ كانون الأول/ 2016 وفتح محاكم الدول المحلية التي لديها مبدأ الولاية القضائية العالمية، وملاحقة جرائم الحرب المرتكبة في سوريا.
وأوصى التَّقرير أن تُظهرَ الدُّول توحداً أكبر ضدَّ النظام السوري المستخدمِ الأبرز للأسلحة الكيميائية في هذا القرن، وأن تتحرك جديَّـاً وبشكل جماعي لتطبيق عقوبات صارمة ورادعة وحقيقية بشكل فوري، وحثَّها على إيجاد تحالف إنساني يهدف إلى حماية المدنيين السوريين من الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة؛ لأن روسيا سوف تظلُّ تعرقل مجلس الأمن وتستخدم الفيتو آلاف المرات.
كما دعا التقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ضمن ولايتها الجديدة إلى تحديد المسؤولين عن هجوم الكبينة، وغيره من الهجمات الكيميائية، وبالتالي تحميل مجلس الأمن والمجتمع الدولي مزيداً من المسؤولية تدفعهم -وفي مقدمتهم حلفاء النظام السوري- إلى عدم التفكير في أي نوع من العلاقة مع نظام يستخدم أسلحة دمار شامل ضدَّ المدنيين في هذا العصر الحديث أمام أعين العالم أجمع.