النظام السوري مستمر في سياسة الإخفاء القسري والإرهاب والتعذيب
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إن الأجهزة الأمنية في السويداء تتحمل مسؤولية اختطاف الناشط السياسي مهند شهاب الدين وإخفائه قسريا
وذكر التقرير الذي جاء في 7 صفحات أنَّ النظام السوري اعتقل منذ بداية عام 2019 قرابة 1478 شخصاً تحوَّل 764 منهم إلى مختفين قسرياً، مؤكداً على أن النظام السوري لم يلتزم يوماً بالقانون الدولي الإنساني حيث لا تزال قوات الأمن السورية ترتكب أفظع الانتهاكات والملاحقات المستمرة اليومية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري، التي تستهدف إرهاب المدنيين وقمع أية محاولة تحرك مدني تطالب مجدداً بتغيير العائلة الحاكمة، كل ذلك بالتزامن مع القصف العنيف الذي شنَّه الطيران الحربي لقوات الحلف السوري الروسي على المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام السوري في شمال غرب سوريا، واستهدف به بشكل متعمد مناطق مأهولة بالسكان ومراكز طبية ومدارس، ذلك منذ بدء حملة التصعيد العسكرية الأخيرة لقوات الحلف السوري الروسي على منطقة خفض التصعيد الرابعة التي بدأت منذ 26/ نيسان المنصرم، وقد سجَّل التقرير منذ بدء الحملة حتى 23/ حزيران/ 2019 قتل تلك القوات ما لا يقل عن 487 مدنياً، بينهم 118 طفلاً، و92 سيدة (أنثى بالغة)، وإصابة 1495 مدنياً آخرين.
وطبقاً للتقرير فقد اعتقلت قوات النظام السوري منذ بداية عام 2019 ما لا يقل عن 1478 مواطناً سورياً بينهم 71 طفلاً و90 سيدة (أنثى بالغة)، وبعد التحقيق والتعذيب أفرج عن 325 منهم، ولا يزال 1153 لدى النظام السوري، وقد تحوَّل 764 من بينهم إلى مختفين قسرياً وقد أنكر النظام السوري وجودهم لديه بحسب التقرير.
وبحسب التقرير فإنَّ معظم حوادث الاعتقال قد تمَّت في محافظات دمشق وريف دمشق وحلب، ووقعت حالات اعتقال كثيفة في المناطق التي أجبرت على التسوية مع النظام السوري كالغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي والجنوب السوري، وأضاف التقرير أنَّ عمليات اعتقال طالت نازحين عادوا إلى تلك المناطق بعد أن تشردوا منها، إضافة إلى وقوع حالات اعتقال بحق لاجئين سوريين قرروا العودة عند المنافذ الحدودية.
وفي هذا السياق ذكر التقرير أن قوات النظام السوري اتبعت في عمليات اعتقالها منذ بداية الحراك الشعبي في آذار/ 2011 تكتيكاً هو أقرب إلى طريقة خطف الضحية، حيث لا تُعلن قوات الأمن أي فرع أمني تتبع ولا تعطي أي معلومات إلى أين تأخذ الضحية، وتهدف بذلك إلى نشر أكبر قدر من الإرهاب والذعر.
وتحدثَّ التقرير عن حادثة اعتقال الناشط مهند شهاب الدين من محافظة السويداء، التي شهدت منذ بداية عام 2018 تصاعداً في عمليات الخطف، حيث سجل التقرير قرابة 208 حوادث خطف لأبناء المحافظة منذ بداية عام 2018 وأشار إلى تورط قوات الأمن السورية في معظم تلك الحوادث؛ بهدف زعزعة الاستقرار في محاولة من النظام السوري لبسط قوته وسيطرته الكاملة على المحافظة.
وجاء في التقرير أن مهند شهاب الدين ناشط سياسي وسلمي، يعمل في مجال النجارة والموبيليا، ولد في عام 1973م، من أبناء مدينة السويداء، متزوج ولديه أربعة أولاد، اختطفته عناصر مسلحة رجَّح التقرير انتماءها إلى قوى الأمن العسكري التابعة لقوات النظام السوري في 16/ حزيران/ 2019 من مكان عمله غرب مدينة السويداء ولا يزال مصيره مجهولاً حتى لحظة إعداد التقرير.
أكَّد التقرير أن النظام السوري انتهك عدداً كبيراً من مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان عبر عمليات خطف المواطنين السوريين دون محاكمة، وسياسة الإخفاء القسري، والتعذيب، وقد مارس النظام السوري هذه الانتهاكات منذ عام 2011 على نحو منهجي وواسع النطاق، وبحسب المادة السابعة من قانون روما الأساسي تُشكِّل هذه الانتهاكات جرائم ضدَّ الإنسانية إذا مورست عن علم وعلى نحوٍ واسع النطاق.
وأشار التقرير إلى أن حالة اعتقال الناشط مهند شهاب الدين تُشكل واحدة من مئات آلاف الحالات التي انتهك فيها النظام السوري الدستور السوري نفسه فقد استمرَّ النظام منذ عام 2011 بتوقيف ما لا يقل عن 1.2 مليون مواطن سوري تعرض لتجربة الاعتقال دون إصدار مذكرة اعتقال، ودون توجيه تهم لهم وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية، ولا يزال قرابة 128 ألف مواطن سوري معتقل لدى النظام السوري تحول قرابة 82 ألف منهم إلى مختفين قسرياً، ولا يتم إبلاغ عوائلهم بمكان وجودهم وفي حال سؤال العائلة تنكر الأفرع الأمنية والسلطات وجود أبنائها، وربما يتعرض من يقوم بالسؤال لخطر الاعتقال.
وجاء في التقرير أن قوات النظام السوري استهدفت باستراتيجية الإخفاء القسري كل من له علاقة بالحراك الشعبي المناهض لحكم العائلة ويُظهر تحليل البيانات بحسب التقرير انتشار هذه الظاهرة في العديد من المناطق ما يدل على أنها سياسة ومنهج متسق ومدروس وترقى إلى جريمة ضد الإنسانية، كما انتهكت السلطة الحاكمة برئاسة بشار الأسد نصوصاً عدة في الدستور السوري الحالي الذي يجرم الاحتجاز التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري؛ ما يعني انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقانون المحلي على حد سواء.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على النظام السوري، بدءاً من حظر الأسلحة والمقاطعة الدبلوماسية، وصولاً إلى العقوبات العسكرية في حال استمرار ارتكاب الانتهاكات الفظيعة، وحثَّ على ضرورة اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لحماية المعتقلين من الموت داخل مراكز الاحتجاز ووضع حدٍّ لوباء الاختفاء القسري المنتشر في سوريا كونه يهدد أمن واستقرار المجتمع.
كما أوصى مجلس الأمن الدولي بمتابعة تطبيق وإلزام النظام السوري وغيره من الأطراف بالقرارات التي قام بإصدراها ومن أبرزها القرار رقم 2024 والقرار رقم 2139 واتباع القرارات النظرية بالأفعال.
وأوصى الجمعية العامة للأمم المتحدة بأخذ زمام المبادرة في الحالة السورية واللجوء إلى تطبيق مبدأ اتحاد من أجل السلام؛ ذلك نظراً للشلل التام في مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي الصيني.
طالب التقرير جميع الأذرع الإغاثية التابعة للأمم المتحدة بالبحث عن الأُسر التي فقدت مُعيلها أو أحد أبنائها بسبب التعذيب، وضمان إيصال المعونات إلى مُستحقيها بشكل مستمر، والبدء بعمليات إعادة التأهيل والضغط على النظام السوري بشكل فعال للسماح للمحتجزين كافة بالاتصال مع أقربائهم ومع المحامين وإيجاد ضمانات ملزمة لمنع تكرار التعذيب حتى الموت داخل مراكز الاحتجاز.
وأكد التقرير أنه على الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإقامة ولايتها القضائية على مرتكبي جرائم التَّعذيب، وبذل كل الجهود المادية والأمنية في سبيل ذلك وفرض مزيد من العقوبات والمقاطعة على النظام السوري والدول الداعمة له، واعتبار كل من يدعم النظام السوري شريكاً متورطاً في ارتكاب الانتهاكات الفظيعة.
كما أشار إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عقابية جديَّة بحق النظام السوري لردعه عن الاستمرار في إخفاء وقتل المواطنين السوريين بسبب التعذيب، وتقديم مزيد من الأموال والدعم والمنح الكافية للمنظمات المحلية التي تهتم برعاية وإعادة تأهيل ضحايا التعذيب وأُسرهم. وتقديم الدَّعم للنشطاء الأفراد والمنظمات المحلية التي تقوم بتوثيق الانتهاكات دون فرض وصاية أو توجيهات سياسية.
شدَّد التقرير على ضرورة أن تقوم لجنة التحقيق الدولية المستقلة بالنظر في حالة الناشط مهند شهاب الدين وغيرها من الحالات الموثقة لدى الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وطالب النظام السوري بالسماح الفوري بدخول لجنة التحقيق الدولية المستقلة واللجنة الدولية للصليب الأحمر وجميع المنظمات الحقوقية الموضوعية إلى مراكز الاحتجاز والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين تعسفياً وبشكل خاص الأطفال والنساء، وكشف مصير عشرات آلاف المختفين قسرياً والتوقف عن خرق مواد عدة في الدستور السوري.
كما أكَّد على ضرورة متابعة مجلس حقوق الإنسان قضية المعتقلين والمختفين قسرياً في سوريا وتسليط الضوء عليها ضمن الاجتماعات الدورية السنوية وتخصيص جلسة خاصة للنظر في هذا التهديد الرهيب.
ودعا التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان لإعداد تقرير خاص ومفصَّل يُسلط الضوء على كارثة الاعتقال والاختفاء القسري بأبعادها النفسية والاجتماعية والاقتصادية كافة ودعم منظمات حقوق الإنسان المحلية.
وأوصى الفريق الخاص المعني بالاختفاء القسري بزيادة عدد العاملين في قضية المختفين قسرياً في مكتب الفريق الخاص المعني بحالات الاختفاء القسري في سوريا؛ نظراً لكثافة وحجم حالات المختفين قسرياً.