لجنة التحقيق الدولية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان تتحملان مسؤولية تحديد مرتكبي الهجمات
دعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم الأمم المتحدة إلى الإعلان عن المراكز الطبية التي تم استهدافها وكانت مشمولة ضمن الآلية الإنسانية لتجنب النزاع، وحمَّلت كلاً من لجنة التحقيق الدولية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان مسؤولية تحديد مرتكبي الهجمات.
وذكر التقرير الذي جاء في 16 صفحة أنَّ النظام السوري وحلفاءه عمدوا إلى استهداف المراكز الطبية وكوادرها بهدف إيقاع أكبر قدر ممكن من الإرهاب والألم للمجتمع عبر استهداف مفاصل أساسية لا غنى عنها للحياة الطبيعية، وطبقاً للتقرير فإن ما شجَّع النظامين السوري والروسي على الاستمرار في قصف المشافي هو ردة الفعل الهزيلة من قبل المجتمع الدولي على مثل هذه الأفعال الإجرامية التي تُشكِّل جرائم حرب وقعت وبصورة متكررة.
وأشار التقرير إلى الجهود الاستثنائية التي بذلها الحراك الشعبي في سوريا ولاحقاً المنظمات الإغاثية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري لحماية المراكز الطبية؛ كاستخدام أقبية المباني، ووضع سواتر رملية، واستخدام أنظمة الإنذار المبكر، وصولاً إلى استخدام المغارات داخل الجبال، إلا أن النظام السوري وحليفه الروسي استمرَّا في ملاحقة وتحديد أماكن تلك المراكز عن طريق مخبرين محليين أو طائرات الاستطلاع، وبحسب التقرير فقد استهدفت تلك المراكز الطبية عبر صواريخ موجهة، وكثير من المراكز الطبية قد تم قصفها غيرَ مرة ، إضافة إلى قصف سيارات الإسعاف والطرق التي من المتوقع أن تسلكها.
سلَّط التقرير الضوء على جدوى عمل الآلية الإنسانية لتجنب النزاع التابعة للأمم المتحدة، وتحَّدث عن تأثيرها على حماية المراكز الطبية، واستعرض أبرز الهجمات على المراكز الطبية التي كانت قد تمَّت مشاركة إحداثياتها مع الآلية الإنسانية لتجنب النزاع، وأشار التقرير إلى أن جميع الهجمات الموثقة فيه نفَّذتها قوات الحلف السوري الروسي ولم يوثِّق أية هجمات نفَّذتها قوات التحالف الدولي على مراكز طبية مدرجة ضمن الآلية.
ونوه التقرير إلى أنه لم يحدد عدد المراكز الطبية التي شاركت إحداثياتها ضمن الآلية بسبب عدم وجود أي موقع إلكتروني خاص بالآلية يمكن الاعتماد عليه في هذه الإحصائيات، لكنه رصد منظمات طبية عدة كانت قد شاركت إحداثيات المراكز الطبية التي تدعمها وتعرّضت هذه المراكز للعديد من الهجمات وأشار التقرير إلى أن جميع المعلومات المتعلقة بإحصائيات المراكز الطبية ضمن الآلية تم الحصول عليها من خلال تصريحات لمسؤولين في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.
وذكر التقرير أن الآلية الإنسانية لتجنب النزاع طُبقت في مناطق أخرى شهدت نزاعات مسلحة كما حدث في أفغانستان واليمن ومالي، وحقَّقت نجاحات مهمة، وتم تحييد آلاف المراكز الطبية عن الهجمات والقصف، لكن في سوريا؛ كانت روسيا والنظام السوري فوق القانون وانتهكا على نحو مستمر قواعد عدة في القانون العرفي وقرارات لمجلس الأمن الدولي، وتصرفت الأنظمة السوري والروسي والإيراني كأنظمة مارقة ولم يتمكن أحد من إيقاف انتهاكاتها العلنية والفاضحة في سوريا وانتصرت فعلياً على القانون الدولي.
وبحسب التقرير فقد دفع اليأس التام من حماية القانون الدولي والمجتمع الدولي للمراكز الطبية في سوريا، بعض المنظمات لمحاولة اختبار التنسيق والعمل مع الآلية الإنسانية لتجنب النزاع التابعة للأمم المتحدة؛ علَّها تنجح في تحييد بعض المراكز الطبية أو على الأقل تفضح بشكل واضح مرتكبي عمليات القصف التي تُشكِّل جرائم حرب، حيث جرى مشاركة مايقارب من 20 – 50 % من مجمل المراكز الطبية، وتمَّت مشاركة المراكز الطبية ذات المواقع الواضحة والتي بإمكان النظام السوري والروسي تحديد أماكنها بسهولة عبر طائرات الاستطلاع أو المخبرين المحليين.
وأكد التقرير أنه لا يمكن التحديد بدقة فيما إذا ساهمت مشاركة إحداثيات تلك المراكز الطبية مع القوات الروسية في تسهيل عملية قصفها؛ ذلك لأن سِجل النظام الروسي الإجرامي في سوريا يُشيرُ إلى أنَّه لن يتورَّع عن استخدام تلك الإحداثيات والاستفادة منها في قصف تلك المراكز الطبية بل ومشاركتها مع النظام السوري.
ورأى التقرير أنه لا يوجد أية فائدة في مشاركة الآلية الإنسانية لتجنب النزاع سوى مزيد من تسهيل احتمالية المخاطرة في معرفة النظامين الروسي والسوري بإحداثيات تلك المراكز الطبية، خاصة أن تلك البيانات يقوم مكتب الشؤون الإنسانية في تركيا بمشاركتها مع مكتب الشؤون الإنسانية في دمشق، الذي ربما يتعرَّض لضغوط وابتزاز من النظام السوري المعروف بمحاولاته المستمرة لنهب أموال الإغاثة وتسخيرها لصالحه مشيراً إلى أنه يجب على الآلية الإنسانية لتجنب النزاع وعقبَ قصف كل مركز طبي مُسجل لديها أن تُعلن عن ذلك على الأقل، وربما أن تحدد لاحقاً بدقة من هو المسؤول عن تلك الهجمات، أو أن تزوِّدَ لجنة التحقيق الدولية المستقلة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالبيانات والأدلة التي لديها من أجل تحديد وفضح الجهة التي قامت بقصف تلك المراكز الطبية.
سجَّل التقرير 17 حادثة اعتداء على منشآت مدرجة ضمن الآلية الإنسانية لتجنب النزاع نفَّذتها قوات الحلف السوري الروسي منذ أيلول/ 2014 حتى 12/ تموز/ 2019، استهدفت هذه الحوادث تسع منشآت طبية، وقد وقعت معظم الهجمات في عامي 2018 و2019، كما أشار التقرير إلى أنه من بين 17 حادثة اعتداء وقعت تسع حوادث في غضون الحملة العسكرية الأخيرة على منطقة إدلب لخفض التصعيد بين 26/ نيسان و 12/ تموز/ 2019.
أكَّد التقرير أنَّ النظام السوري والروسي مستمران في قصف المراكز الطبية بسلاح الجو، الذي لا يمتلكه أحد سواهما في تلك المنطقة، وإنَّ قصف المراكز الطبية على نحوٍ مقصود يُشكِّل جريمة حرب، وأشار إلى أن الآلية الإنسانية لتجنُّب النزاع لم تُساهم في حماية المراكز الطبية في النزاع السوري، بل ربما وفَّرت إمكانية لوصول النظام الروسي أو السوري إلى البيانات التي قامت المنظمات الطبية السورية بتزويدها بها.
وجاء في التقرير أنَّ الآلية الإنسانية لتجنب النزاع لم تطلب من المفوضية السامية لحقوق الإنسان ولجنة التحقيق الدولية على نحو علني القيام بتحقيقات عن المراكز الطبية المشاركة في الآلية، التي تم قصفها لأن عدم فضح مرتكبي جريمة قصف المراكز والكوادر الطبية قد ساهم بشكل كبير في التجرؤ على تكرارها على نحو صارخ.
أكد التقرير أنَّ الحوادث الواردة فيه تُمثِّل خرقاً لقرارات مجلس الأمن رقم 2139 و2254 و 2286 مُشيراً إلى أنَّ معظم الهجمات قد استهدفت أفراداً مدنيين عُزَّل، وبالتالي فإنَّ القوات المعتدية انتهكت أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان إضافة إلى أنها ارتكبت في ظلِّ نزاع مسلح غير دولي فهي ترقى إلى جريمة حرب كما أن معظم حوادث القصف الواردة في التَّقرير قد استهدفت أفراداً مدنيين عُزَّل، وبالتالي فإنَّ القوات المعتدية انتهكت أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يحمي الحقَّ في الحياة. إضافة إلى أنها ارتكبت في ظل نزاع مسلح غير دولي فهي ترقى إلى جريمة حرب، وقد توفرت فيها الأركان كافة.
طالب التقرير مجلس الأمن باتخاذ إجراءات إضافية بعد صدور القرارين رقم 2139 و2254 وبضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي بعد أن ثبت تورطه في ارتكاب جرائم حرب.
وحثَّ مجلس الأمن على إعادة تقييم درجة خطورة انتهاكات حقوق الإنسان ودرجة تهديدها للأمن والسلام الإقليميَين والدوليَين، واللجوء إلى الفصل السابع لحماية المنشآت والعاملين في الحقل الإنساني في سوريا.
كما أوصى بضرورة التَّوقف عن اعتبار الحكومة السورية طرفاً رسمياً “بعد أن ارتكبت جرائم ضدَّ الإنسانية” فيما يتعلق بالجانب الإغاثي، والتَّوقف عن إمدادها بالقسم الأكبر من المساعدات المالية والمعنوية، التي غالباً لا تصل إلى مُستحقيها بل إلى الموالين للحكومة السورية.
دعا التقرير إلى التَّحضير لتدخل سياسي واقتصادي وعسكري لحماية المدنيين في سوريا وحماية المراكز الطبية عبر تحالف خارج مجلس الأمن، ذلك بعد فشله المتكرر في سوريا واستمرار النظام السوري وحلفائه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدَّ الإنسانية كما دعا إلى اللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يزال مجلس الأمن يُعرقل حماية المدنيين في سوريا.
أوصى التقرير الآلية الإنسانية لتجنب النزاع بضرورة إنشاء موقع إلكتروني يحتوي قاعدة بيانات كاملة عن المراكز المسجلة لدى الآلية كافة، مع الإشارة إلى المراكز التي تم استهدافها، ولو بدون تحديد المسؤول عن القصف؛ لأن هذا سيساعد المحققين في أجهزة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمنظمات المحلية المختصة والمعنية في مقاطعة المعلومات مع قاعدة البيانات الموجودة لديها وتتمكَّن من تحديد المسؤولين عن القصف.
طالب التقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بتحديد مرتكبي الانتهاكات بشكل واضح وبشكل خاص عند ارتكاب هجمات من قبل القوات الروسية، مشيراً إلى وجود قصور كبير في تحديد مسؤولية القوات الروسية بشكل مباشر في التقارير الأخيرة.
كما أوصى التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان بإصدار تقارير وبيانات تدين بشكل واضح استهداف المراكز الطبية التي حصلت مؤخراً وتحدد مرتكب الجريمة، وأن لا تسير على خطى مجلس الأمن الدولي المسيس تماماً وأن تطلب من الآلية الإنسانية لتجنب النزاع كافة البيانات التي تمتلكها عن المراكز الطبية المشمولة ضمنها.
طالب التقرير النظام السوري بالتَّوقف عن قصف المشافي والأعيان المشمولة بالرعاية والمناطق المدنية واحترام القانون العرفي الإنساني وتحمُّل التَّبعات القانونية والمادية كافة، وتعويض الضحايا وذويهم من مقدرات الدولة السورية.
كما طالب النظام الروسي بفتح تحقيقات في الحوادث الواردة في التقرير، وإطلاع المجتمع السوري على نتائجها، ومحاسبة المتورطين وتعويض جميع المراكز والمنشآت المتضررة وإعادة بنائها وتجهيزها من جديد، وتعويض أُسر الضحايا والجرحى كافة، الذين قتلهم النظام الروسي الحالي والتَّوقف التام عن قصف المشافي والأعيان المشمولة بالرعاية والمناطق المدنية واحترام القانون العرفي الإنساني.