لا يمكن الثقة بروسيا في أية عملية سياسية أو إعادة إعمار بعد أن ارتكبت مئات جرائم الحرب، ولم تعتذر وتعوض الضحايا
اللغات
متاح بالـ
بيان صحفي:
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بمناسبة الذكرى السنوية الرابعة للتدخل العسكري الروسي في سوريا إنه لا يمكن الثقة بروسيا في أية عملية سياسية أو إعادة إعمار بعد أن ارتكبت مئات جرائم الحرب، ولم تعتذر وتعوِّض الضحايا.
وذكر التقرير الذي جاء في 40 صفحة مجموعة من المغالطات والأكاذيب التي تسوِّق لها وزارة الدفاع الروسية مُشيراً إلى أن روسيا لا تعترف بأي من عمليات قصف المشافي أو مراكز الدفاع المدني أو استهداف الأحياء السكنية، أو إنشاء مسارات سياسية تهدف إلى إعادة الشرعية وتمكين نظام العائلة في سوريا للحكم إلى عشرات السنين بعد أن ارتكب عشرات آلاف الجرائم، بل تبث دائماً عبر بياناتها ووسائل إعلامها أنها تقوم بقتل الإرهابيين ومساعدة الشعب السوري، وأنها لا تتمسك أبداً بعائلة الأسد وأنَّ قواتها ملتزمة تماماً بالقانون الدولي.
وحلَّل التقرير بيانات وزارة الدفاع الروسية، التي تعلن فيها بشكل متكرر عن عملياتها ونتائج غاراتها الجوية مشيراً إلى أن هذه التقارير تعلن عن قتل آلاف المسلحين الإرهابيين، دون ذكر للمناطق والأحياء بشكل محدَّد، ودون ذكر وتسمية التنظيم الإرهابي ومواقع سيطرته.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لا يمكننا الوثوق بأية عملية تسوية سياسية برعاية أو إشراف روسيا التي دعمت النظام السوري منذ الأيام الأولى في عملياته الوحشية والجرائم ضدَّ الإنسانية التي ارتكبها عبر 13 فيتو، وكان الفيتو الأول في 4/ تشرين الأول/ 2011 أي قبل ظهور أي تنظيم عسكري مجتمعي أو متطرف، وكذلك عبر الدعم بالسلاح والخبراء، وأخيراً عبر التدخل العسكري المباشر والقصف والقتل جنباً إلى جنب مع قوات النظام السوري، روسيا متورطة بارتكاب جرائم حرب ولا بدَّ لها من الاعتذار عن تلك الجرائم، ثم ترميم ما دمَّرته وتعويض الضحايا، والتوقف عن دعم حكم عائلة واحدة لسوريا، ثم يمكن الحديث عن انتقال سياسي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء واستقرار سوريا والمجتمع”.
وأشار التقرير إلى بيان أصدرته وزارة الدفاع الروسية ادَّعت فيه عودة قرابة 650 ألف سوري من دول اللجوء إلى سوريا، وعودة ما يقارب 1.3 مليون شخص من المشردين داخلياً إلى منازلهم، لكنها لا تذكر أنَّ العمليات الروسية الوحشية الأخيرة على شمال غرب سوريا قد شردَّت أكثر من 630 ألف شخص، أما عملياتها العسكرية ضمن كامل مسار أستانا فهي مسؤولة بشكل مباشر عن تشريد مناطق الغوطة الشرقية وجنوب سوريا ومؤخراً مناطق في شمال غرب سوريا، وقدَّر التقرير حصيلة المشردين بسبب الهجمات الروسية ونقض اتفاقات خفض التصعيد بما لا يقل عن 3.3 مليون مشرد داخلياً.
وبحسب التقرير فقد أعلنت القوات الروسية مراراً عن نيتها الانسحاب من سوريا، لكن على الأرض كان هناك مزيد من الانتشار العسكري والهيمنة تدريجياً على مقدرات الدولة السورية، ذلك في ظلِّ وجود السلطات الحاكمة الحالية في سوريا، التي لا تكترث سوى لبقاء حكم العائلة في سوريا ولو كلف ذلك تدمير الدولة السورية وقتل وتشريد ملايين السوريين.
لم تسهم روسيا طبقاً للتقرير في تقديم أي دعم مادي ملموس لترميم المنشآت والمباني التي قصفتها، كما أنها لم تستقبل أعداداً من اللاجئين السوريين، أو تعلن عن رغبتها في المشاركة في عمليات إعادة التوطين، بمن فيهم الموالون للنظام السوري، الذين لم يلجؤوا إليها أصلاً، بل إلى تركيا ولبنان وأوروبا، كما لم تقم الحكومة الروسية بعرض رغبتها في المساهمة في تخفيف معاناتهم واستضافة أعداد منهم على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ونوَّه التقرير إلى الهجوم الإعلامي على الشبكة السورية لحقوق الإنسان الذي تم عبر صحفيين مأجورين وموالين لروسيا قاموا بنشر تقارير ضد الشبكة في مواقع صفراء وسوداء لا يكاد يعرفها أحد، ثم عمد التكتيك الروسي إلى الاقتباس من تلك التقارير واستضافة الصحفيين التابعين لروسيا في مواقع روسية أوسع انتشاراً.
وأوضح التقرير استراتيجية القوات الروسية في عامها الرابع، التي تركزت على آخر مناطق خفض التصعيد الواقعة شمال غرب سوريا، مُشيراً إلى رصده انخفاضاً في وتيرة انتهاكات القوات الروسية في العام الرابع مقارنة بالأعوام السابقة، وأوضح التقرير أسباب انخفاض وتيرة الانتهاكات، حيث أشار إلى تقلص مساحة المناطق المستهدفة بالقصف والقتل مقارنة بالأعوام السابقة، بعد أن سيطر النظام السوري بمساندة القوات الروسية على معظم المناطق، كما أكد التقرير أن القوات الروسية عمدت في الأشهر الثلاثة الأخيرة إلى تخفيف وتيرة غاراتها الجوية -التي يمكننا إسناد مسؤوليتها عنها بشكل أقوى- في مقابل تعزيز وجودها على الأرض واعتمادها على الهجمات الأرضية، وهذا يُشكِّل بالنسبة إلى باحثي الشبكة السورية لحقوق الإنسان صعوبة بالغة في تحديد جنسية منفِّذ الهجمات، وبالتالي إسناد مسؤولية هجمات معينة إلى القوات الروسية.
وأشار التقرير إلى أنَّ انخفاض وتيرة العمليات القتالية الروسية كان على حساب ازدياد النفوذ الإيراني في المنطقة، وبدا وكأن القوات الروسية قد تراجعت عن تنفيذ بعض الهجمات في مقابل إطلاق العنان للميليشيات الإيرانية فيما يبدو أن الهدف من وراء ذلك أن تظهر القوات الروسية بمظهر الملتزم باتفاق سوتشي، واحترامها لنقاط المراقبة التركية.
وفي هذا السياق ذكر التقرير أن القوات الروسية قد حافظت على نمط ثابت طوال السنوات الأربع في كراهيتها للمراكز الطبية ومراكز الدفاع المدني بشكل خاص وملاحقتها عبر عمليات استخباراتية وقصفها وتدميرها.
ووفقاً للتقرير فإنَّ روسيا دعمت إنشاء مسار أستانا لهدف واضح وهو بسط السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري الواحدة تلوَ الأخرى، ولم تحترم أي اتفاق أو هدنة، ومنذ المراحل الأولى لاتفاق أستانا بدا واضحاً نية روسيا السيطرة على مناطق خفض التصعيد كافة، لكنها كانت ترغب أن يتم ذلك ضمن مسار سياسي بعيداً عن مسار جنيف بحيث تضمن عدم ممانعة أو معارضة بقية دول العالم والمجتمع الدولي، كما هو الحال لو بقيت المفاوضات ومسارات الأزمة السورية ضمن جنيف واستعرض التقرير مسارات انهيار اتفاقات خفض التصعيد في كل من الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي والمنطقة الجنوبية.
وأكد التقرير أن القوات الروسية استمرت بدعم النظام الحاكم في سوريا سياسياً عبر 13 فيتو في مجلس الأمن الدولي، وحقوقياً عبر التصويت دائماً ضد كافة قرارات مجلس حقوق الإنسان، وضدَّ تمديد عمل لجنة التحقيق الدولية في سوريا، وضدَّ إنشاء آلية التحقيق المحايدة المستقلة، وضدَّ عمل لجنة نزع الأسلحة الكيميائية، وكذلك عبر إمداد النظام السوري بالسلاح والمعدات الحربية.
وجاء في التقرير أن النظام الروسي اعتبر سوريا ساحة تدريب حي وفعلي لتجريب الأسلحة التي تصنعها الشركات الروسية بدلاً من تجريبها في مناطق خالية ضمن روسيا، ولم يخجل النظام الروسي من تكرار الإعلان عن تجريب أسلحة على الأراضي السورية.
وثَّق التقرير مقتل 6686 مدنياً، بينهم 1928 طفلاً و908 سيدة (أنثى بالغة) على يد القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015 حتى 30/ أيلول/ 2019، وأوردَ توزعاً لحصيلة الضحايا على الأعوام حيث شهدَ العامان الأول والثاني للتَّدخل الحصيلة الأكبر من الضحايا، كما أشار التَّقرير إلى توزع حصيلة الضحايا بحسب المحافظات، حيث شهدت محافظة حلب الحصيلة الأكبر من الضحايا تلتها إدلب فدير الزور.
كما وثق التَّقرير ما لا يقل عن 335 مجزرة ارتكبتها القوات الروسية، وما لا يقل عن 1083 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية بينها 201 على مدارس، و190 على منشآت طبية، ذلك منذ تدخلها العسكري في سوريا حتى 30/ أيلول/ 2019.
وطبقاً للتقرير فقد قتلت القوات الروسية 107 من الكوادر الطبية وكوادر الدفاع المدني، إضافة إلى 21 من الكوادر الإعلامية.
كما أورد التقرير إحصائية عن استخدام القوات الروسية للذخائر العنقودية، وقد بلغت ما لا يقل عن 236 هجوماً، إضافة إلى 125 هجوماً بأسلحة حارقة نفَّذتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا.
وجاء في التقرير أنَّ حجم العنف المتصاعد، الذي مارسته القوات الروسية كان له الأثر الأكبر في حركة النُّزوح والتَّشريد القسري، وساهمت هجماتها بالتوازي مع الهجمات التي شنَّها الحلف السوري الإيراني في تشريد قرابة 3.3 مليون نسمة.
وفي المدة بين 30/ أيلول/ 2018 و30/ أيلول/ 2019 سجَّل التقرير مقتل 447 مدنياً، بينهم 79 طفلاً، و51 سيدة (أنثى بالغة) و15 من الكوادر الطبية، و2 من الكوادر الإعلامية على يد قوات الروسية، إضافة إلى ارتكابها ما لا يقل عن 14 مجزرة، وما لا يقل عن 129 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية.
أكَّد التقرير أنَّ النظام الروسي متورط في دعم النظام السوري الذي ارتكب جرائم ضدَّ الإنسانية بحق الشعب السوري، عبر تزويده بالسلاح والخبرات العسكرية والحصانة من المحاسبة عبر حق النقض الفيتو، وكذلك عبر التدخل العسكري المباشر إلى جانبه، وإنَّ دعم نظام متورط بجرائم ضدَّ الإنسانية يُشكِّل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي ويجعل النظام الروسي عرضة للمحاسبة.
كما أكد التقرير أن القوات الروسية خرقت بشكل لا يقبل التَّشكيك قرارَي مجلس الأمن رقم 2139 و2254 القاضيَين بوقف الهجمات العشوائية، وأيضاً انتهكت عبر جريمة القتل العمد المادة الثامنة من قانون روما الأساسي؛ ما يُشكل جرائم حرب، مُشيراً إلى أنَّ القصف قد استهدف أفراداً مدنيين عزل، وبالتالي فإنَّ القوات الروسية انتهكت أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يحمي الحق في الحياة.
شملت توصيات التقرير مطالبة مجلس الأمن باتخاذ إجراءات إضافية بعد القرار رقم 2154 وضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين.
وحثَّ التقرير المجتمع الدولي على العمل على تشكيل تحالف دولي حضاري خارج نطاق مجلس الأمن يهدف إلى حماية المدنيين في سوريا من الهجمات الروسية وهجمات النظام السوري تجنباً للفيتو.
وطالب التقرير بتوسيع العقوبات الاقتصادية السياسية والاقتصادية ضد النظام الروسي بسبب ارتكابه جرائم حرب في سوريا، وبسبب استمراره في خرق العقوبات المفروضة على النظام السوري، ومساعدته في خرق قرارات مجلس الأمن بما فيها المتعلقة بعدم تكرار استخدام الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة.
دعا التقرير إلى تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، خاصة بعد أن تم استنفاذ الخطوات السياسية عبر اتفاقية الجامعة العربية ثم خطة السيد كوفي عنان، وما جاء بعدها من بيانات لوقف الأعمال العدائية واتفاقات أستانأ، وبالتالي لا بدَّ بعد تلك المدة من اللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية، الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يزال مجلس الأمن يعرقل حماية المدنيين في سوريا.
كما طالب التقرير النظام الروسي بالتوقف عن ارتكاب جميع أنماط جرائم الحرب في سوريا. وإعادة إعمار ما دمّرته آلة الحرب الروسية وتعويض الضحايا مادياً ومعنوياً، والاعتذار منهم بشكل علني. وطالبه بالتَّوقف عن دعم جرائم الحرب والجرائم ضدَّ الإنسانية التي لا يزال النظام السوري يرتكبها منذ ثماني سنوات، واعتبره متورطاً بشكل مباشر في تلك الجرائم.
وأشار التقرير إلى أن لجنة التحقيق الدولية المستقلة COI لم تحدد في أي من تقاريرها الصادرة منذ عام 2017 مسؤولية للقوات الروسية بشكل واضح، فيما عدا حادثتين فقط، لا بدَّ للجنة التحقيق الدولية من تحديد المجرمين بشكل واضح كما كانت تفعل في تقاريرها الأولى.
أوصى التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن تُقدِّم تقريراً إلى مجلس حقوق الإنسان وغيره من هيئات الأمم المتحدة عن الحوادث الواردة في التقرير، باعتبارها نفِّذت من قبل قوات نعتقد أنها روسية بالتَّنسيق مع القوات الحكومية. وتسمية مرتكبي الانتهاكات ولا سيما القوات الروسية بشكل واضح بعد أن قصفت تلك القوات عشرات المراكز الطبية ومراكز الدفاع المدني وعدم الخشية من فضح تلك الممارسات.
طالب التقرير النظام الروسي بالتوقف عن دعم النظام السوري الحالي والاعتذار للشعب السوري عن كافة الانتهاكات التي مارستها القوات الروسية ودعم عملية انتقال سياسي حقيقي بعيداً عن العائلة الحاكمة وأجهزة الأمن المتوحشة فهذا هو السبيل الوحيد للوصول إلى الأمن والاستقرار وإعادة البناء. وفتح تحقيقات في الحوادث الواردة في التَّقرير، وإطلاع المجتمع السوري على نتائجها، ومحاسبة المتورطين وتعويض المراكز والمنشآت المتضرِّرة كافة، وإعادة بنائها وتجهيزها من جديد، وتعويض أُسر الضحايا والجرحى كافة، الذين قتلهم النظام الروسي الحالي.
وحث التقرير الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي على تطبيق عقوبات اقتصادية على روسيا نظراً لما ارتكبته من جرائم حرب في سوريا وعلى دعم الضحايا المشردين مؤخراً في شمال غرب سوريا، وبشكل أساسي توفير المياه الصالحة للشرب والاستخدام فهناك أكثر من 1.6 مليون سوري هم في حاجة عاجلة للمساعدة بعد أن شنَّت القوات الروسية وقوات النظام السوري هجمات عنيفة على تلك المناطق منذ نيسان الماضي حتى الآن.