قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ ما لا يقل عن 1006 مدنياً بينهم ثلاثة من الكوادر الإعلامية و12 من الكوادر الطبية والدفاع المدني قد تمَّ توثيق مقتلهم في النصف الأول من عام 2020 على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، إضافة إلى تسجيل 30 مجزرة و71 ضحية قتلت بسبب التعذيب في المدة ذاتها.
وذكر التقرير الذي جاء في 28 صفحة أنَّ جريمة القتل اتخذت نمطاً واسعاً ومنهجياً من قبل قوات النظام السوري والميليشيات المقاتلة معه بشكل أساسي، وأن عملية توثيق الضحايا الذين يقتلون في سوريا ازدادت تعقيداً بعد دخول أطراف عدة في النِّزاع السوري، وأوضح التقرير أنَّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ عام 2011 قامت ببناء برامج إلكترونية معقدة من أجل أرشفة وتصنيف بيانات الضحايا، ليصبح بالإمكان توزيع الضحايا بحسب الجنس والمكان الذي قتلت فيه الضحية، والمحافظة التي تنتمي إليها، والجهة التي قامت بعملية القتل، وعقد مقارنات بين هذه الجهات، والتَّعرف على المحافظات التي خسرت النسبة الأعظم من أبنائها. كما وزَّع التقرير حصيلة الضحايا تبعاً للمكان الذي قتلوا فيه وليس تبعاً للمحافظة التي ينتمون إليها.
ويرصد التَّقرير حصيلة الضحايا الذين تمَّ توثيق مقتلهم على يد أطراف النِّزاع والقوى المسيطرة في سوريا في حزيران والنصف الأول من عام 2020، ويُسلِّط التقرير الضوء بشكل خاص على الضحايا من الأطفال والنساء، والضحايا الذين قضوا بسبب التعذيب، والكوادر الإعلامية والطبية وكوادر الدفاع المدني، كما يُركِّز على المجازر، التي ارتكبتها أطراف النزاع طيلة الشهر المنصرم.
وبحسب التقرير فإنَّ الإحصائيات التي وردت فيه لحصيلة الضحايا الذين قتلوا تشمل عمليات القتل خارج نطاق القانون من قبل القوى المسيطرة، والتي وقعت كانتهاك لكل من القانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني، ولا تشمل حالات الوفيات الطبيعية أو بسبب خلافات بين أفراد المجتمع.
وتضمَّن التقرير توزيعاً لحصيلة الضحايا تبعاً للجهات الفاعلة، مُشيراً إلى أنه في حال الهجمات المشتركة، التي تعذَّر معها إسناد مسؤولية هجمات بعينها إلى جهة محددة، كما حصل في الهجمات الجوية التي تُنفذها الطائرات الحربية السورية أو الروسية، أو الهجمات السورية الإيرانية أو قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية وقوات التَّحالف الدولي، تتم الإشارة في تلك الحالة إلى أنَّ هذا الهجوم هو مسؤولية مشتركة من حلف إلى أن يتم ترجيح مسؤولية أحد الجهتين عن الهجوم، أو يتم إثبات أنَّ الهجوم فعلاً كان مشتركاً عبر تنسيق الجهتين معاً فيما بينهما. وفي الحالات التي لم يتسنى إسناد عملية القتل فيها لأحد الطرفين المتصارعين؛ نظراً لقرب المنطقة من خطوط الاشتباكات أو استخدام أسلحة متشابهة أو لأسباب أخرى يتم تصنيف الحادثة ضمن جهات أخرى ريثما يتم التوصل إلى أدلة كافية لإسناد الانتهاك إلى أحد الطرفين.
اعتمدَ التَّقرير على عمليات المراقبة المستمرة للحوادث والأخبار وعلى شبكة علاقات واسعة مع عشرات المصادر المتنوِّعة، إضافة إلى تحليل عدد كبير من الصور والمقاطع المصورة.
واعتبر التقرير النظام السوري المسؤول الرئيس عن وفيات المواطنين السوريين بسبب جائحة كوفيد – 19، مُشيراً إلى أنه وحليفه الروسي متَّهمان بشكل أساسي بقصف معظم المراكز الطبية في سوريا وتدميرها، وبقتل المئات من الكوادر الطبية وإخفاء العشرات منهم قسرياً، موضحاً أنَّ قرابة 3327 من الكوادر الطبية لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري لدى النظام السوري بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وأوضح التقرير أنه لا يشتمل على حالات الوفيات بما فيها التي تتسبَّب بها جائحة كوفيد-19، حيث يوثِّق عمليات القتل خارج نطاق القانون بشكل أساسي. مُشيراً إلى أنَّ وزارة الصحة في النظام السوري أعلنت عن وفاة 9 حالات في سوريا بسبب فيروس كورونا المستجد، واصفاً هذه الإحصائية بغير الدقيقة؛ نظراً لعدم وجود أية شفافية في مختلف الوزارات الحكومية، ونظراً لإشراف الأجهزة الأمنية على ما يصدر من هذه الوزارات، وهذا هو حال الأنظمة التوتاليتارية بحسب التقرير.
طبقاً للتقرير فقد ترافقت بداية عام 2020 مع عملية عسكرية عنيفة قادها النظام السوري وحليفاه الروسي والإيراني ضدَّ المناطق الخارجة عن سيطرته في إدلب وما حولها، وتعرَّضت المدن والأحياء السكنية في تلك المناطق لعمليات قصف واسعة وعشوائية تسبَّبت في مقتل العشرات وتشريد سكان مدن بأكملها، وشهدَ الشهران الأول والثاني من العام بحسب التقرير ارتفاعاً ملحوظاً في حصيلة الضحايا.
ووفقاً للتقرير فقد شهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة انخفاضاً في حصيلة الضحايا مقارنة مع الأشهر الثلاثة الأولى، وعزا التقرير ذلك إلى دخول اتفاق وقف إطلاق النار الروسي التركي حيِّزَ التَّنفيذ من ناحية، وإلى اجتياح فيروس كورونا المستجد دول العالم -ومن بينها سوريا- من ناحية ثانية، مشيراً إلى أنَّ هذه الجائحة على ما يبدو قد أثَّرت على إمكانات جيش النظام السوري والميليشيات الإيرانية الموالية له؛ الأمر الذي ساهم في تراجع عمليات القصف ضدَّ المدنيين.
سجَّل التقرير مقتل 1006 مدنياً في النصف الأول من العام الجاري 2020، بينهم 218 طفلاً و113 سيدة (أنثى بالغة)، قتل منهم النظام السوري بحسب التقرير 298 مدنياً بينهم 64 طفلاً، و24 سيدة. فيما قتلت القوات الروسية 205 مدنياً بينهم 62 طفلاً، و48 سيدة. وقتل تنظيم داعش 7 مدنياً بينهم 1 طفلاً، فيما قتلت هيئة تحرير الشام 17 مدنياً بينهم 1 سيدة. وسجَّل التقرير مقتل 9 مدنياً، بينهم 2 طفلاً، و1 سيدة على يد المعارضة المسلحة والجيش الوطني، فيما وثَّق مقتل 34 مدنياً بينهم 8 طفلاً، و1 سيدة على يد قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية. كما قُتِل وفقاً للتقرير 436 مدنياً بينهم 81 طفلاً، و38 سيدة على يد جهات أخرى.
ووفقاً للتقرير فإنَّ فريق توثيق الضحايا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد وثَّق في حزيران مقتل 96 مدنياً بينهم 11 طفلاً و10 سيدة (أنثى بالغة)، منهم 26 مدنياً بينهم 5 طفلاً، و1 سيدة قتلوا على يد قوات النظام السوري. فيما قتلت القوات الروسية 4 مدنياً بينهم 1 سيدة. وقتلت هيئة تحرير الشام 5 مدنياً بينهم 1 سيدة. وبحسب التقرير فقد قتلت قوات سوريا الديمقراطية في حزيران 4 مدنياً بينهم 1 طفلاً. كما سجَّل التقرير مقتل 57 مدنياً، بينهم 5 طفلاً، و7 سيدة على يد جهات أخرى.
وذكر التقرير أنَّ من بين الضحايا 9 من الكوادر الطبية قتلوا في النصف الأول من عام 2020، 4 منهم قتلوا على يد القوات الروسية، فيما قتل 1 من الكوادر الطبية على يد كل من قوات النظام السوري وهيئة تحرير الشام، وقتل 3 آخرون على يد جهات أخرى.
وأضاف التقرير أنَّ 3 من الكوادر الإعلامية قد قتلوا في النصف الأول من العام، 2 منهم على يد قوات النظام السوري، و1 على يد القوات الروسية.
وطبقاً للتقرير فإنَّ 3 من كوادر الدفاع المدني قد قتلوا في النصف الأول من العام الجاري 2020، جميعهم على يد قوات النظام السوري.
ووفقَ التقرير فقد وثَّق فريق العمل في الشبكة السورية لحقوق الإنسان في النصف الأول من عام 2020 مقتل 71 شخصاً بسبب التعذيب، 63 منهم على يد قوات النظام السوري، و1 على هيئة تحرير الشام و3 على يد قوات سوريا الديمقراطية، و4 على يد جهات أخرى. وبحسب التقرير فقد تم توثيق مقتل 14 شخصاً بسبب التعذيب في حزيران جميعهم على يد قوات النظام السوري.
وجاء في التَّقرير أنَّ النصف الأول من العام الجاري 2020 قد شهِدَ توثيق 30 مجزرة، واعتمد التقرير في توصيف لفظ مجزرة على أنه الهجوم الذي تسبَّب في مقتل ما لا يقل عن خمسة أشخاص مسالمين دفعة واحدة، ووفق هذا التعريف فقد سجَّل التقرير في النصف الأول من العام 9 مجازر على يد قوات النظام السوري، و11 على يد القوات الروسية، و1 على يد قوات سوريا الديمقراطية، و9 على يد جهات أخرى. وأضاف التقرير أنَّ مجزرتان اثنتان قد تم توثيقهما في حزيران على يد جهات أخرى.
عقدَ التقرير مقارنات عدة بين حصيلة الضحايا الذين وثق مقتلهم على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في النصف الأول من هذا العام 2020، وما يقابلها من حصيلة الضحايا الذين وثق مقتلهم في النصف الأول من العام المنصرم 2019، وذلك بالاستناد إلى قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وأوضحت رسوم بيانية استعرضها التقرير انخفاضاً في حصيلة الضحايا الإجمالية، وانخفاضاً متفاوتاً في حصيلة الضحايا المسجلة على يد كل طرف من أطراف النزاع والقوى المسيطرة، في عام 2020 عما كان عليه الحال في عام 2019، وعزا التقرير ذلك إلى عوامل عدة من أبرزها، أنَّ أيار وحزيران والأسبوع الأخير من نيسان 2019 قد شهدت حملة عسكرية لقوات الحلف السوري الروسي على منطقة إدلب شمال غرب سوريا، فيما خضعت المنطقة ذاتها لاتفاقات وقف إطلاق نار منذ مطلع هذا العام 2020، إضافة إلى انخفاض في حصيلة الضحايا الذين قتلوا من قبل تنظيم داعش ومن قبل قوات التحالف الدولي؛ نظراً لهزيمة تنظيم داعش وانحسار سيطرته عن مناطق شاسعة.
بحسب التقرير فإن الأدلة التي جمعها تشير إلى أنَّ الهجمات وُجّهت ضدَّ المدنيين وأعيان مدنية، وقد ارتكبت قوات الحلف السوري الروسي جرائم متنوعة من القتل خارج نطاق القانون، إلى الاعتقال والتَّعذيب والإخفاء القسري، كما تسبَّبت هجماتها وعمليات القصف العشوائي في تدمير المنشآت والأبنية، مشيراً إلى أن هناك أسباباً معقولة تحمل على الاعتقاد بأنَّه تم ارتكاب جريمة الحرب المتمثلة في الهجوم على المدنيين في كثير من الحالات.
أكَّد التقرير أنَّ الحكومة السورية خرقت القانون الدولي الإنساني والقانون العرفي، وقرارات مجلس الأمن الدولي كافة، وبشكل خاص القرار رقم 2139، والقرار رقم 2042، والقرار رقم 2254 وكل ذلك دون أية محاسبة.
ولم يُسجِّل التقرير توجيه قوات النظام السوري أو الروسي أي تحذير قبل أية هجمة من الهجمات بحسب اشتراطات القانون الدولي الإنساني، وهذا لم يحصل مطلقاً منذ بداية الحراك الشعبي، ويدلُّ بشكل صارخ على استهتار تام بحياة المدنيين في سوريا.
وبحسب التقرير فإن التنظيمات الإسلامية المتشددة انتهكت القانون الدولي الإنساني بقتلها المدنيين. كما شنَّت قوات الحلف “قوات التحالف الدولي، وقوات سوريا الديمقراطية” هجمات تعتبر بمثابة انتهاك للقانون الإنساني الدولي العرفي، متسببة في حدوث خسائر طالت أرواح المدنيين أو إلحاق إصابات بهم بصورة عرضية.
طالب التَّقرير مجلس الأمن باتخاذ إجراءات إضافية بعد صدور القرار رقم 2254، وشدَّد على ضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي بعد أن ثبت تورطه في ارتكاب جرائم حرب.
وطالب كل وكالات الأمم المتحدة المختصَّة ببذل مزيد من الجهود على صعيد المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية في المناطق التي توقَّفت فيها المعارك، وفي مخيمات المشردين داخلياً ومتابعة الدول، التي تعهدت بالتَّبرعات اللازمة.
ودعا التَّقرير إلى تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، خاصة بعد أن تم استنفاذ الخطوات السياسية عبر جميع الاتفاقات وبيانات وقف الأعمال العدائية واتفاقات أستانا، مؤكداً على ضرورة اللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية، الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأوصى التقرير كلاً من لجنة التَّحقيق الدولية المستقلة COI، والآلية الدولية المحايدة المستقلة IIIM، بفتح تحقيقات في الحوادث الواردة فيه وما سبقه من تقارير، وأكَّد على استعداد الشبكة السورية لحقوق الإنسان للتَّعاون والتزويد بمزيد من الأدلة والتَّفاصيل.
وطالب التقرير المبعوث الأممي إلى سوريا بإدانة مرتكبي الجرائم والمجازر والمتسببين الأساسيين في تدمير اتفاقات خفض التَّصعيد وإعادة تسلسل عملية السلام إلى شكلها الطبيعي بعد محاولات روسيا تشويهها وتقديم اللجنة الدستورية على هيئة الحكم الانتقالي.
وشدَّد التقرير على وجوب فتح النظام الروسي تحقيقات في الحوادث الواردة فيه، وإطلاع المجتمع السوري على نتائجها، ومحاسبة المتورطين، وطالب النظام الروسي باعتباره طرف ضامن في محادثات أستانا بالتَّوقف عن إفشال اتفاقات خفض التَّصعيد.
وأكَّد التقرير على ضرورة توقف النظام السوري عن عمليات القصف العشوائي واستهداف المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والأسواق وإيقاف عمليات التَّعذيب التي تسبَّبت في موت آلاف المواطنين السوريين داخل مراكز الاحتجاز والامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي والقانون العرفي الإنساني.
كما أكَّد أنَّ على الدُّول الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية الضَّغط عليها لوقف تجاوزاتها كافة في جميع المناطق والبلدات التي تُسيطر عليها، وإيقاف جميع أشكال الدعم بالسِّلاح وغيره، ما لم توقف قوات سوريا الديمقراطية جميع انتهاكاتها للقانون الدولي لحقوق الإنساني والقانون الدولي الإنساني.
وأوصى المعارضة المسلحة والجيش الوطني بضمان حماية المدنيين في جميع المناطق وفتح تحقيقات في الهجمات التي تسبَّبت في سقوط ضحايا مدنيين، وضرورة التميِّيز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية والامتناع عن أية هجمات عشوائية.
وأخيراً شدد التقرير على ضرورة قيام المنظمات الإنسانية بوضع خطط تنفيذية عاجلة بهدف تأمين مراكز إيواء كريمة للمشردين داخلياً.