استمرار عمليات الاعتقال تزيد من خطورة الأوضاع في مراكز الاحتجاز وتهدد حياة آلاف المعتقلين مع انتشار جائحة كوفيد-19
بيان صحفي:
(لتحميل التقرير كاملاً في الأسفل)
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ ما لا يقل عن 157 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز تم توثيقها في تموز 2020، مشيرة إلى أنَّ استمرار عمليات الاعتقال تزيد من خطورة الأوضاع في مراكز الاحتجاز وتهدد حياة آلاف المعتقلين مع انتشار جائحة كوفيد-19.
شكَّل الاعتقال التعسفي ومن ثم الاختفاء القسري انتهاكاً واسعاً منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي نحو الديمقراطية في آذار/ 2011، وبحسب التقرير فقد طالت هذه الانتهاكات مئات آلاف السوريين، ومارستها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، والميليشيات التابعة له على نحو مدروس ومخطط، وأحياناً بشكل عشوائي واسع بهدف إثارة الإرهاب والرعب لدى أكبر قطاع ممكن من الشَّعب السوري وبعد قرابة ثمانية أشهر من الحراك الشعبي بدأت تظهر أطراف أخرى على الساحة السورية تقوم بعمليات خطف واعتقال.
أشار التقرير إلى أنَّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان قامت منذ عام 2011 ببناء برامج إلكترونية معقدة من أجل أرشفة وتصنيف بيانات المعتقلين ليصبح بالإمكان توزيع حالات الاعتقال بحسب جنس المعتقل، والمكان الذي اعتقل فيه، والمحافظة التي ينتمي إليها، والجهة التي قامت بعملية الاعتقال، وعقد مقارنات بين هذه الجهات، والتَّعرف على المحافظات التي اعتقل واختفى النسبة الأعظم من أبنائها.
وأوضحَ التَّقرير أنَّ معظم حوادث الاعتقال في سوريا تتمُّ من دون مذكرة قضائية لدى مرور الضحية من نقطة تفتيش أو في أثناء عمليات المداهمة، وغالباً ما تكون قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات الأربعة الرئيسة هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيداً عن السلطة القضائية، ويتعرَّض المعتقل للتَّعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرَم من التواصل مع عائلته أو محاميه. كما تُنكر السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التَّعسفي ويتحوَّل معظم المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
وذكر التقرير أن فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان يلتزم بمعايير دقيقة لتحديد حادثة الاعتقال التَّعسفي، ولا تشمل حصيلة المحتجزين على خلفيات جنائية وتشمل حالات الاعتقال على خلفية النِّزاع المسلح الداخلي، وبشكل رئيس بسبب النشاط المعارض لسلطة الأمر الواقع، وكذلك حالات الاعتقال لقمع حرية الرأي والتعبير. مُستنداً بذلك إلى أحكام القوانين الدوليَّة ومجموعة المبادئ المتعلقة بالاعتقال التعسُّفي والاختفاء القسري، واعتمد التقرير على مقاطعة المعلومات من مصادر مُتعددة مثل: ذوي الضحايا وأعضاء الشبكة السورية لحقوق الإنسان في المحافظات السورية، ونشطاء محليين متعاونين، ومعتقلين سابقين، إضافة إلى اعتماده على التَّواصل مع عائلات المعتقلين والمختفين، والمقرَّبين منهم، والنَّاجين من الاعتقال؛ بهدف جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات والمعطيات، في ظلِّ عمل ضمن تحديات فوق اعتيادية وغاية في التَّعقيد.
يعرض التقرير حصيلة عمليات الاعتقال التَّعسفي/ الاحتجاز التي سجلها في تموز 2020 على يد أطراف النِّزاع والقوى المسيطرة في سوريا، ويستعرض أبرز الحالات الفردية وحوادث الاعتقال التَّعسفي والاحتجاز، التي وثقها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان في المدة ذاتها، وتوزُّع حالات وحوادث الاعتقال تبعاً لمكان وقوع الحادثة. ولا يشتمل على حالات الخطف التي لم يتمكن من تحديد الجهة التي تقف وراءها.
كما سجَّل عمليات الاعتقال التعسفي التي تحولت إلى اختفاء قسري، واعتمد في منهجية التوثيق على مرور 20 يوم على حادثة اعتقال الفرد وعدم تمكن عائلته من الحصول على معلومات من السلطات الرسمية حول اعتقاله أو تحديد مكانه، ورفض السلطات التي اعتقلته الاعتراف باحتجازه.
ووفقاً للتقرير فإنَّ المعتقلين على خلفية المشاركة في الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في سوريا، وضمن أي نشاط كان سياسي، حقوقي، إعلامي، إغاثي، ومن يشابههم، فإن الأفرع الأمنية توجِّه إلى الغالبية العظمى من هؤلاء وتنتزع منهم تهماً متعددة تحت الإكراه والترهيب والتعذيب ويتم تدوين ذلك ضمن ضبوط، وتحال هذه الضبوط الأمنية إلى النيابة العامة، ومن ثم يتم تحويل الغالبية منهم إما إلى محكمة الإرهاب أو محكمة الميدان العسكرية. ولا تتحقق في هذه المحاكم أدنى شروط المحاكم العادلة، وهي أقرب إلى فرع عسكري أمني.
وتطرق التقرير إلى الاستراتيجية التي اتبعها النظام السوري لشرعنة جريمة التعذيب فعلى الرغم من أن الدستور السوري الحالي الصادر عام 2012 بموجب المرسوم رقم 94، يحظر الاعتقال التعسفي والتعذيب بحسب المادة 53 منه، كما أن قانون العقوبات العام وفقاً للمادة 391 ينصُّ على الحبس من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات على كل من استخدام الشدة في أثناء التحقيق في الجرائم، ويحظر التعذيب في أثناء التحقيق وفقاً للمادة 391، إلا أن هناك نصوصاً قانونية تعارض بشكل صريح المواد الدستورية آنفة الذكر، والمادة 391، وتعطي حصانة شبه مطلقة للأجهزة الأمنية وتُشرعن الإفلات من العقاب كا لمرسوم التشريعي رقم /14/ لعام 1969 و المادة / 74 / من قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة وقواعد خدمة العاملين فيها الصادر بالمرسوم التشريعي رقم / 549 /لعام 1969 و المرسوم التشريعي رقم 69 الصادر عام 2008 والمرسوم رقم 55 لعام 2011.
واعتبر التقرير أن سوريا تحت حكم النظام السوري الحالي تُعاني من مشكلتين: الأولى على صعيد النصوص القانونية نفسها، الثانية: على صعيد تطبيق القانون مُشيراً إلى أن النصوص القانونية التي تُشكل تكريساً للإفلات من العقاب، وعدم قيام النظام السوري بأي تحقيق أو محاسبة لعنصر أمن واحد مهما كان منخفض الرتبة على خلفية عمليات التعذيب، ساهم كل ذلك في ارتفاع وتيرة التعذيب، وتفنن الأجهزة الأمنية بالتنسيق مع بعض الأطباء في المشافي العسكرية في ابتكار أساليب تعذيب جديدة أكثر وحشية وعنفاً.
وذكر التقرير أن بقية أطراف النزاع أنشأت محاكم لمحاكمة المعتقلين لديها وفق إجراءات شبيهة إلى حدٍّ ما بالمحاكم التابعة للنظام السوري، فاتبعت التنظيمات الإسلامية المتشددة المحاكم الشرعية المكونة من رجال دين أو أمنيين وأصدرت الأحكام وفق أيديولوجيتها المتطرفة، أما المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة فأنشأت المحاكم وفق القوانين السورية وأجرت تعديلات عليها، وأسَّست قوات سوريا الديمقراطية محاكم الشعب وأنشأت قوانين خاصة بها وقوانين مستمدة من القوانين السورية، وأكد التقرير أن هذه المحاكم اتبعت سياسة المحاكم الاستثنائية عبر اتخاذ إجراءات موجزة لمحاكمة الخاضعين لها، بعيداً عن معايير المحاكم العادلة، واعتمدت بشكل رئيس على اجتهاد القضاة والذين كان معظمهم غير مؤهلين أو غير قانونيين.
وأشار التقرير إلى أن النظام السوري أصدر ما يقارب 17 مرسوماً للعفو كان آخرها في آذار 2020، اتَّسمت بكونها متشابهة في كثير منها وركَّزت على الإفراج عن مرتكبي الجرائم والجنايات والمخالفات، وشملت أعداداً قليلة جداً من المعتقلين المحالين إلى المحاكم الاستثنائية كمحكمة قضايا الإرهاب، ومحاكم الميدان العسكرية، واستثنت الحصيلةَ الأكبر من المعتقلين الذين لم يخضعوا لأية محاكمة على مدى سنوات من اعتقالهم وتحولوا إلى مختفين قسرياً.
وبحسب التقرير فإنَّ المحتجزين لدى قوات النظام السوري يتعرضون لأساليب تعذيب غاية في الوحشية والسادية، ويحتجزون ضمن ظروف صحية شبه معدومة، وتفتقر لأدنى شروط السلامة الصحية، وقال التقرير إنَّ هذا تكتيك متبَّع من قبل النظام السوري على نحو مقصود وواسع، بهدف تعذيب المعتقلين وجعلهم يصابون بشتى أنواع الأمراض، ثم يُهمل علاجهم بعدها على نحو مقصود أيضاً، وبالتالي يتألم المعتقل ويتعذب إلى أن يموت. وحذّر التقرير من ازدياد خطورة الوضع مع انتشار جائحة كوفيد – 19، مُشيراً إلى أنَّه في ظلِّ ظروف الاعتقال الوحشية في مراكز الاحتجاز، المواتية والمؤهلة لانتشار فيروس كورونا المستجد، فإنَّ ذلك يُهدِّد حياة قرابة 130 ألف شخص لا يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري لدى النظام السوري بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وثَّق التقرير في تموز ما لا يقل عن 157 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز بينها 13 طفلاً و2 سيدة (أنثى بالغة)، تحول 92 منهم إلى مختفين قسرياً. كانت 69 حالة اعتقال على يد قوات النظام السوري بينهم 2 طفلاً و2 سيدة، تحول 41 منهم إلى مختفين قسرياً. و61 على يد قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية، بينهم 11 طفلاً، تحول 35 منهم إلى مختفين قسرياً. فيما سجَّل التقرير 18 حالة على يد المعارضة المسلحة والجيش الوطني، تحول 11 منهم إلى مختفين قسرياً. و9 حالات على يد هيئة تحرير الشام تحول 5 منهم إلى مختفين قسرياً.
واستعرض التَّقرير توزُّع حالات الاعتقال التعسفي في تموز بحسب المحافظات، حيث كان أكثرها في محافظة دير الزور ثم حلب، فريف دمشق.
اعتبر التقرير أن قضية المعتقلين والمختفين قسراً من أهم القضايا الحقوقية، التي لم يحدث فيها أيُّ تقدم يُذكَر على الرغم من تضمينها في قرارات عدة لمجلس الأمن الدولي وقرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي خطة السيد كوفي عنان، وفي بيان وقف الأعمال العدائية في شباط 2016 وفي قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في كانون الأول 2015 في البند رقم 12، الذي نصَّ على ضرورة الإفراج عن جميع المعتقلين وخصوصاً النساء والأطفال بشكل فوري، ومع ذلك لم يطرأ أيُّ تقدم في ملف المعتقلين في جميع المفاوضات التي رعتها الأطراف الدولية بما يخص النزاع في سوريا، كما لم تتمكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة كافة مراكز الاحتجاز بشكل دوري وهذا بحسب التقرير يُشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.
أكَّد التقرير أنَّ النظام السوري لم يفي بأيٍّ من التزاماته في أيٍّ من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، وبشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسية، كما أنَّه أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، فقد استمرَّ في توقيف مئات آلاف المعتقلين دونَ مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تُهم، وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية، وتحوَّل 65.08 % من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرياً ولم يتم إبلاغ عائلاتهم بأماكن وجودهم، وفي حال سؤال العائلة تُنكر الأفرع الأمنية والسلطات وجود أبنائها، وربما يتعرَّض من يقوم بالسؤال لخطر الاعتقال.
وأشار التقرير إلى أن الأطراف الأخرى (قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام والمعارضة المسلحة/الجيش الوطني) جميعها ملزمة بتطبيق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد ارتكبت انتهاكات واسعة عبر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عنه رقم 2042 الصادر بتاريخ 14/ نيسان/ 2012، و2043 الصادر بتاريخ 21/ نيسان/ 2012، و2139 الصادر بتاريخ 22/ شباط/ 2014، والقاضي بوضع حدٍّ للاختفاء القسري.
وقدم توصيات إلى كل من مجلس حقوق الإنسان، ولجنة التحقيق الدولية المستقلة (COI)، والآلية الدولية المحايدة المستقلة (IIIM).
كما طالب أطراف النزاع والقوى المسيطرة كافة بالتوقف فوراً عن عمليات الاعتقال التَّعسفي والإخفاء القسري، والكشف عن مصير جميع المعتقلين/ المحتجزين والمختفين قسرياً، والسماح لأهلهم بزيارتهم فوراً، وتسليم جثث المعتقلين الذين قتلوا بسبب التعذيب إلى ذويهم. كما طالبها بالإفراج دون أي شرط عن جميع المعتقلين، الذين تم احتجازهم لمجرد ممارسة حقوقهم السياسية والمدنية، ونشر سجل يتضمن بيانات المحتجزين مع أسباب الاحتجاز وأماكنها والأحكام الصادرة.
وأكَّد التقرير على ضرورة تشكيل الأمم المتحدة والأطراف الضامنة لمحادثات أستانا لجنة خاصة حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري، والتَّقدم في عملية الكشف عن مصير 98 ألف مختفٍ في سوريا، 85 % منهم لدى النظام السوري والبدء الفوري بالضَّغط على الأطراف جميعاً من أجل الكشف الفوري عن سجلات المعتقلين لديها، وفق جدول زمني، وفي تلك الأثناء لا بُدَّ منَ التَّصريح عن أماكن احتجازهم والسَّماح للمنظمات الإنسانية واللجنة الدولية للصَّليب الأحمر بزيارتهم مباشرة.
وشدَّد التقرير على ضرورة إطلاق سراح الأطفال والنِّساء والتَّوقف عن اتخاذ الأُسَر والأصدقاء رهائنَ حرب، وطالب مسؤول ملف المعتقلين في مكتب المبعوث الأممي أن يُدرج قضية المعتقلين في اجتماعات جنيف المقبلة، فهي تهمُّ السوريين أكثر من قضايا بعيدة يمكن التَّباحث فيها لاحقاً بشكل تشاركي بين الأطراف بعد التوافق السياسي، كالدستور.