ما لا يقل عن 56 عضوا في مجلس الشعب الحالي متورطون في ارتكاب انتهاكات فظيعة تشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب
بيان صحفي:
(لتحميل التقرير كاملاً في الأسفل)
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إن انتخابات مجلس الشعب قبل التوصل لاتفاق سياسي لا تعتبر شرعية وتنسف عملية السلام، مشيرة إلى أن ما لا يقل عن 56 عضواً في مجلس الشعب الحالي متورطون في ارتكاب انتهاكات فظيعة تشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وذكر التقرير الذي جاء في 30 صفحة أن النظام السوري قد أجرى في 19/ تموز/ 2020 انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث، واعتبر التقرير أن نتائج الانتخابات كانت دائماً محسومة النتيجة مسبقاً لصالح حزب واحد، وهذا الحزب لم يرشِّح لأمانته العامة سوى شخص واحد من عائلة الأسد فقط، مؤكداً أن انتخابات مجلس الشعب التي جرت مؤخراً هي انتخابات غير شرعية؛ وذلك استناداً إلى مجموعة عوامل أساسية استعرضها التقرير بشكل موسع.
طبقاً للتقرير فإن حافظ الأسد حظر العمل الحزبي المعارض لحكمه وقمع الأحزاب والتيارات السياسية وقام فعلياً بإنهاء التعددية الحزبية، وتم تشكيل كتلة صورية من عدة أحزاب، لإعطاء صورة شكلية، كان عمودها الفقري والمتحكم الفعلي بها هو حزب البعث العربي الاشتراكي، وأطلق عليها اسم” الجبهة الوطنية التقدمية”، وقد قامت عائلة الأسد بشرعنة تلك السيطرة عبر نصٍّ دستوري منذ دستور/ 1973 وذلك في المادة الثامنة منه وأشار التقرير إلى أن دستور شباط/ 2012 قام بتغيير هذه المادة نصيَّاً فقط، أما تطبيقها على أرض الواقع فلم يختلف في شيء.
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من أن حزب البعث يدَّعي أن لديه ملايين من الأعضاء، إلا أنَّه لم يرشح أياً منهم لرئاسة الجمهورية منذ عام 1971 بل بقي الحكم محصوراً في عائلة الأسد على مدى خمسين عاماً، موضحاً أنَّ عملية نقل السلطة من حافظ الأسد إلى ابنه بشار شكلت كارثة على المستوى الحقوقي والقانوني والقضائي، حيث تم تعديل المادة 83 من دستور عام 1973 لتوافق عمر بشار الأسد، ويُظهر ذلك مدى هيمنة عائلة الأسد على الدولة ومؤسساتها وعلى مجلس الشعب وذلك عبر الأجهزة الأمنية ومؤسسة الجيش.
وأكَّد التقرير أن حزب البعث يُهيمن منذ عام 1973 على قرابة ثلثي مقاعد مجلس الشعب، حيث يستخدم موظفي الحكومة وطلاب الجامعات، ومتطوعي الهلال الأحمر، وسائر الجمعيات الخيرية التي أنشأها، وكافة المستفيدين من خدماتها، في عمليات التصويت والانتخاب لصالحه، منوهاً إلى أنه في عام 2016 أدرك النظام السوري أن المحافظات السورية باتت تضم أقلَّ من ثلث سكانها على اعتبار أن أزيد من نصف الشعب السوري بات ما بين نازح ولاجئ فقام بإصدار القانون رقم 8 لعام 2016، الذي يتيح للعسكريين ورجال الأمن المشاركة في عملية التصويت، على الرغم من أنَّ المادة 134 من قانون الخدمة العسكرية لعام 2003 ما زالت سارية المفعول ولم يصدر ما يلغيها، وبالتأكيد فإنه بموجبها سيصوت هؤلاء لصالح حزب البعث. وأكد التقرير أن الثلث المتبقي من المقاعد فغالباً ما يتم انتقاء معظم أصحابها من قبل الأجهزة الأمنية استناداً إلى الخدمات التي قدموها لصالح النظام الحاكم مهما كانت تتعارض مع المجتمع السوري.
وذكر التقرير أن عدم ثقة المجتمع السوري بانتخابات مجلس الشعب تعود أيضاً إلى عدم وجود عقد اجتماعي لا سيما بعد الانقسامات الشاقولية الحادة التي أصابت المجتمع بعد الحراك الشعبي نحو الديمقراطية، وفي ظلِّ بقاء السلطة الحاكمة الحالية لا يمكن بناء عقد اجتماعي لأنها أكبر أسباب تفسخ هذا العقد وخلق مختلف أسباب الانقسام المجتمعي.
وركز التقرير أن هذه الانتخابات لا تعني الشعب السوري وهي غير ملزمة له إلا بحكم سيطرة الأجهزة الأمنية وقوة السلاح، لأنها انتخابات غير شرعية، وذلك كونها تخالف بشكل صارخ قرارات المجتمع الدولي -متمثلاً بمجلس الأمن الدولي- الخاصة بسوريا، وتُشكِّل هذه الانتخابات خرقاً فظيعاً لكل من بيان جنيف 1 والذي تم تضمينه في قرار مجلس الأمن رقم 2118، إضافة إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254 لا سيما المادة 4 منه، وأكد التقرير أن هذه القرارات تنصُّ بشكل واضح على طريقة حلِّ النزاع المسلح الداخلي عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من قبل كل من النظام والمعارضة، تضع دستوراً جديداً، ثم بناء على هذا الدستور يتم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، منوهاً إلى أن تنفيذ قرارات مجلس الأمن يسمو على تطبيق القوانين المحلية والدول ملزمة بتطبيقه.
وأكَّد التقرير أن فشل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في تحقيق انتقال سياسي ضمن هذه الفترة الزمنية لا يعني بحال من الأحوال أنه يحق للنظام السوري منفرداً إجراء انتخابات برلمانية، وإلا فما هي جدوى وجوده ضمن محادثات اللجنة الدستورية، مشيراً إلى أن هذا يثبت أن النظام السوري مخادع وغير جدي في الانخراط في أية عملية سياسية تضمن انتقال البلاد نحو الديمقراطية والاستقرار، ويشجعه في عدم الانصياع الدعم الروسي اللا محدود في مجلس الأمن وعسكرياً وسياسياً، والدعم الإيراني المادي والعسكري وعدم بذل بقية دول العالم وفي مقدمتها الدول الديمقراطية/ الحضارية جهوداً أكبر لإجبار النظام السوري وحلفائه على الانصياع لقرارات مجلس الأمن وجدولها الزمني.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“يتصرف النظام السوري بالدولة السورية وكأنها مزرعة خاصة على نحو أسوأ بكثير من العصور الوسطى المظلمة، وقد أثبت للمؤيدين أنه بإمكانه أن يفعل ما يحلو له وينجو من العقاب، بل ويستمر في حكم سوريا ونهب ثرواتها، خرق مئات المرات كافة قرارات مجلس الأمن الدولي، بما فيها عدم استخدام الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة، والإخفاء القسري، وخرق قرارات عملية السلام لأنه لا يؤمن سوى بالحل الصفري الذي يؤدي إلى بقائه في الحكم بشكل مطلق الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والقضائية على نحو يفوق ما كان يفعله يفوق ما تفعله الأنظمة التوتاليتارية”
واستعرض التقرير خلفية موجزة عن قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي تحتوي على بيانات أفراد يعتقد أنهم متورطون في ارتكاب انتهاكات في سوريا وتحتوي قاعدة البيانات بحسب التقرير ما لا يقل عن 14737 شخص يعتقد أنهم متورطون في ارتكاب نمط أو أكثر من الانتهاكات، الغالبية العظمى من هؤلاء الأشخاص يعملون ضمن مسؤولية النظام السوري وحلفائه.
وأشار التقرير إلى أنه تمت مقاطعة بيانات الأشخاص الذين نجحوا في انتخابات مجلس الشعب مع قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان للأشخاص المتورطين في ارتكاب انتهاكات، وتبيَّن أنَّ 56 من بين 250 من أعضاء مجلس الشعب متورطون في ارتكاب انتهاكات بشكل مباشر بحق الشعب السوري قد تصل إلى مستوى الجرائم ضدَّ الإنسانية واستعرض التقرير بيانات عن 24 منهم، إضافة إلى تصريحات لـ 8 أعضاء آخرين داعمين للنظام السوري ولشخص بشار الأسد.
ورأى التقرير أن الدعوة لإجراء انتخابات مجلس الشعب على الرغم من أنَّ سوريا تُعاني من تفشي فيروس كورونا المستجد على نحو كارثي تثبت أن النظام السوري الذي ارتكب على مدار السنوات السابقة انتهاكات بلغ بعضها مستوى الجرائم ضد الإنسانية لا يكترث مطلقاً بحياة المواطن السوري ولا بتفشي فيروس كورونا المستجد بين صفوف المجتمع، وكان دائماً همُّه الأوحد هو الحفاظ على الطبقة الحاكمة، كما أشار إلى تجمُّع المشاركين في الانتخابات من موظفين في الحكومة وأعضاء في الجيش والشرطة وعوائلهم وأعضاء في الجمعيات الخيرية التابعة للنظام السوري، دون أدنى مراعاة لأبسط قواعد التباعد الجسدي، وكان الغالبية العظمى منهم لا يرتدون الأقنعة الواقية.
ووصف التقرير مجلس الشعب في سوريا بمجلس حرب لصالح دعم النظام السوري، إذ لم يوجه مجلس الشعب أي نقد أو مساءلة للنظام السوري على مدى كل سنوات حكمه، وبشكل خاص بعد عام/ 2011 ولم تتم مساءلة وزير واحد أو عزله، بل على العكس فقد قام مجلس الشعب بتأييد الحكومات ورئيس الجمهورية في كافة القرارات والانتهاكات والجرائم التي مارسوها بحق المجتمع السوري.
وأشار التقرير إلى أن النظام السوري يحتاج إلى هذه الانتخابات ولو كانت وهمية، كي يظهر أنَّ هناك سلطة تشريعية تصدر عنها القوانين، وبأنه ليس عبارة عن حكم شمولي استبدادي.
وخَلُصَ التقرير إلى أنَّ هذه الانتخابات تُشكِّل ضربة ساحقة لعملية السلام، وتنتهك قرار مجلس الأمن الخاص بالعملية السياسية، وهي تعارض الإرادة الدولية متمثلة بمجلس الأمن الدولي. وهي بناء على كل ما أورده التقرير انتخابات غير شرعية وعديمة المصداقية، ولا تمثل الشعب والمجتمع السوري، بل هي مفروضة بقوة السلاح وسطوة الأجهزة الأمنية، وتهدف إلى تعزيز سيطرة عائلة الأسد على السلطة، والتمهيد نحو فوز بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية القادمة، وصولاً إلى الخطوة اللاحقة التي تهدف إلى إعلان النظام السوري انتهاء العملية السياسية ومشاركته بها بشكل مطلق.
طالب التقرير المبعوث الدولي إلى سوريا أن يكون أكثر صرامة مع النظام السوري تجاه خرقه الصارخ لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمسار العملية السياسية، وأن يُدين هذه الانتخابات بشكل مباشر كما طالب بإصدار موقف معلن لكل الشعب السوري عن عدم شرعية هذه الانتخابات ومدى انتهاكها لقرارات مجلس الأمن، مشيراً إلى أن عدم اتخاذ موقف رادع وواضح من قبل المبعوث الدولي سوف يُشجِّع النظام السوري على المضي قدماً نحو إنهاء ما تبقى من الحل السياسي.
وأوصى التقرير مجلس الأمن الدولي بإدانة خرق النظام السوري للقرارات الصادرة عنه، والمضي بإجراء انتخابات تنسف العملية السياسية وتعارض قرارات مجلس الأمن، والضغط على النظام السوري من أجل إنجاز مراحل الانتقال السياسي نحو التعددية والديمقراطية ضمن فترة زمنية لا تتجاوز الـ 18 شهراً.
وأخيراً شدد التقرير على ضرورة قيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بتوجيه رسائل واضحة من كافة دول العالم برفض هذه الانتخابات واعتبارها غير شرعية لأنها تخالف قرارات مجلس الأمن، ووضع أكبر قدر ممكن من المتورطين بارتكاب انتهاكات تُشكِّل جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب بحق الشعب السوري على لوائح العقوبات الأوروبية والكندية والأمريكية، والتركية، وكافة دول العالم واعتبار إجراء النظام السوري لهذه الانتخابات خطوة من جانب واحد تهدف إلى تدمير عملية السلام بالكامل.