باريس- أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريرها الشهري الخاص الذي يرصد حالة حقوق الإنسان في سوريا، واستعرضت فيه حصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في شباط 2021، مشيرة إلى انتهاكات مستمرة وعملية سياسية مشلولة.
استعرَض التَّقرير -الذي جاء في 30 صفحة- حصيلة أبرز الانتهاكات التي وثقها في شباط، من حصيلة الضحايا المدنيين، الذين قتلوا على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة، إضافة إلى حصيلة حالات الاعتقال/ الاحتجاز والاختفاء القسري، ويُسلِّط الضوء على عمليات الاعتداء على الأعيان المدنيَّة، التي تمكن من توثيقها.
اعتمدَ التَّقرير على عمليات المراقبة المستمرة للحوادث والأخبار وعلى شبكة علاقات واسعة مع عشرات المصادر المتنوِّعة، إضافة إلى تحليل عدد كبير من الصور والمقاطع المصورة.
سجَّل التقرير في شباط مقتل 138 مدنياً، بينهم 23 طفلاً و11 سيدة (أنثى بالغة)، النسبة الأكبر منهم على يد جهات أخرى. كما سجل مقتل 14 شخصاً بسبب التعذيب. إضافة إلى ما لا يقل عن 3 مجازر.
ووفقاً للتقرير فإن ما لا يقل عن 171 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز بينها 11 طفلاً و7 سيدة (أنثى بالغة) قد تم تسجيلها في شباط على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، كانت النسبة الأكبر منها على يد قوات سوريا الديمقراطية في محافظات الحسكة فدير الزور.
طبقاً للتقرير فإن شباط قد شهدَ ما لا يقل عن 9 حوادث اعتداء على مراكز حيويَّة مدنيَّة، واحدة منها على يد قوات النظام السوري واثنتان على يد قوات سوريا الديمقراطية، بينما كانت 6 منها جراء انفجارات لم يتمكن التقرير من تحديد مرتكبيها وكان معظمها في محافظة حلب. وكان من بين هذه الهجمات 1 حادثة اعتداء على منشآت طبية، و1 على مكان عبادة، و4 على أسواق.
جاء في التقرير أن قوات النظام السوري وحلفاءه واصلت في شباط عمليات القصف المدفعي والصاروخي على مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الغربي وريف حلب الشرقي القريبة من خطوط التماس. كما شهدت مناطق سيطرة قوات الجيش الوطني في منطقة عفرين وريف حلب الشرقي، قصفاً صاروخياً ومدفعياً من جهة قوات سوريا الديمقراطية. وشهدت بادية ريف دير الزور الجنوبي، في شباط، معارك بوتيرة متقطعة شنَّها النظام السوري مدعوماً بطيران حربي روسي ضد عناصر تابعة لتنظيم داعش. فيما شهدت المناطق الخارجة عن سيطرة قوات النظام السوري في شمال وشرق سوريا استمراراً لعمليات التفجير، تركَّزت في منطقة عفرين في ريف حلب، ومدينة رأس العين بريف الحسكة الشمالي الغربي، ومدينة تل أبيض بريف الرقة الشمالي.
ووفقاً للتقرير فقد تواصلت عمليات الاغتيال في عموم سوريا، وفي محافظات حلب وإدلب ودرعا ودير الزور على وجه الخصوص. كما أن الألغام ما زالت تحصد أرواح المدنيين في عموم أنحاء سوريا، وبشكل خاص في ريف حلب وحماة والرقة.
قال التقرير إنَّ حصيلة الإصابات بفيروس كوفيد-19 شهدت انخفاضاً ملموساً في عموم مناطق سوريا؛ وفق الإحصائيات الصادرة عن الجهات المختصة، وأشار إلى أن الأرقام المعلن عنها -بشكل خاص من قبل النظام السوري- ليست دقيقة وأنّ أعداد الوفيات أكبر بكثير نتيجة ضعف الإمكانات الطبية، وأضافَ أنّ وزارة الصحة التابعة للنظام السوري أعلنت عن 1540 حالة إصابة، و106 حالات وفاة في شباط. فيما سجَّلت الإصابات وحالات الوفاة بالفيروس في شباط في شمال غرب سوريا، وفقَ ما أعلنه نظام الإنذار المبكر EWARN 178 حالة إصابة، و19 حالة وفاة. أما في شمال شرق سوريا، فقد أعلنت هيئة الصحة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عن تسجيل 132 إصابة و25 حالة وفاة في شباط.
تحدث التقرير عن تردي الأوضاع المعيشية، وأشار إلى أنَّ معاناة المواطنين السوريين استمرت بالتفاقم في شهر شباط جراء تداعيات الانهيار الاقتصادي، وباتت مظاهر الفقر والجوع الأكثر شيوعاً في ظلِّ عجز شريحة كبيرة من المجتمع عن تأمين أبسط أنواع الأغذية. وأضافَ أنه رصد استمرار قوات النظام السوري وميليشياته في نهب ممتلكات المدنيين والممتلكات العامة، والاستيلاء على مراكز حيوية مدنية وتحويلها إلى مقرات عسكرية في المناطق التي سيطر عليها في منطقة إدلب في شمال غرب سوريا.
ونوَّه التقرير إلى أن المخيمات في شمال وشرق سوريا لا تزال تعاني من تردي الأوضاع الإنسانية، التي تزداد سوءاً في الظروف المناخية القاسية، موضحاً أنه مع انخفاض درجات الحرارة يُعاني الأطفال وكبار السن من نزلات البرد الشديدة. وسجل التقرير في شباط مقتل 8 مدنياً بينهم سيدتان في مخيم الهول على يد مسلحين مجهولين يُعتقد أنهم يتبعون لخلايا تنظيم داعش.
وطبقاً للتقرير ما زال قاطنوا مخيم الركبان الواقع شرق حمص قرب الحدود السورية – الأردنية، الأطفال منهم وذوي الاحتياجات الخاصة على وجه الخصوص يعانون من انتشار الأمراض وبشكل خاص النزلات الصدرية في ظلِّ حصار مطبق، وغياب وجود مراكز طبية.
توسّع التقرير في الحديث عن جائحة كوفيد-19، مشيراً إلى تعامل النظام السوري باستخفاف وإهمال شديدين مع هذه الجائحة منذ بداية تفشي الوباء عالمياً، وذكر التقرير أن كافة المناطق التي شهدت عمليات قصف وتدمير وتشريد قسري تعاني من تحديات إضافية، وبشكل خاص إدلب وما حولها، وفي مقدمة هذه التحديات وجود قرابة 3 مليون نازح، وعدم تمكنهم من العودة إلى ديارهم؛ ما مما يجعلهم عرضة أكثر من غيرهم للإصابة في الفيروس. وأشار التقرير إلى أن منطقة الجزيرة السورية تعاني من أوضاع مشابهة وقد استخدام روسيا للفيتو بإغلاق معبر اليعربية ما تسبب في حرمان المنطقة من تلقي المساعدات الأممية بشكل مباشر، وأصبحت حصراً عبر النظام السوري.
ذكر التقرير أنَّ الأدلة التي جمعها تُشير إلى أنَّ الهجمات وُجّهت ضدَّ المدنيين وأعيان مدنية، وقد ارتكبت قوات الحلف السوري الروسي جرائم متنوعة من القتل خارج نطاق القانون، إلى الاعتقال والتَّعذيب والإخفاء القسري، كما تسبَّبت هجماتها وعمليات القصف العشوائي في تدمير المنشآت والأبنية، وهناك أسباب معقولة تحمل على الاعتقاد بأنَّه تم ارتكاب جريمة الحرب المتمثلة في الهجوم على المدنيين في كثير من الحالات.
وأكَّد التقرير أنَّ الحكومة السورية خرقت القانون الدولي الإنساني والقانون العرفي، وقرارات مجلس الأمن الدولي، بشكل خاص القرار رقم 2139، والقرار رقم 2042 المتعلِّق بالإفراج عن المعتقلين، والقرار رقم 2254 وكل ذلك دون أية محاسبة.
وبحسب التقرير فإنَّ عمليات القصف العشوائي غير المتناسب التي نفَّذتها قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية تعتبر خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، وإن جرائم القتل العشوائي ترقى إلى جرائم حرب.
طالب التَّقرير مجلس الأمن باتخاذ إجراءات إضافية بعد صدور القرار رقم 2254 وشدَّد على ضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي بعد أن ثبت تورطه في ارتكاب جرائم حرب.
وأوصى التقرير مجلس الأمن بإصدار قرار خاص بحظر استخدام الذخائر العنقودية والألغام في سوريا على غرار حظر استخدام الأسلحة الكيميائية وأن يتضمَّن نقاطاً لكيفية نزع مخلفات تلك الأسلحة الخطيرة.
كما طالب كل وكالات الأمم المتحدة المختصَّة ببذل مزيد من الجهود على صعيد المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية في المناطق، التي توقَّفت فيها المعارك، وفي مخيمات المشردين داخلياً ومتابعة الدول، التي تعهدت بالتَّبرعات اللازمة.
دعا التَّقرير إلى تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، خاصة بعد أن تم استنفاذ الخطوات السياسية عبر جميع الاتفاقات وبيانات وقف الأعمال العدائية واتفاقات أستانا، مؤكداً على ضرورة اللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية، الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأوصى التقرير كلاً من لجنة التحقيق الدولية المستقلة (COI) بفتح تحقيقات في الحوادث الواردة فيه وما سبقه من تقارير وأكَّد على استعداد الشبكة السورية لحقوق الإنسان للتَّعاون والتزويد بمزيد من الأدلة والتَّفاصيل. ودعا إلى التركيز على قضية الألغام والذخائر العنقودية ضمن التقرير القادم.
طالب التقرير المبعوث الأممي إلى سوريا بإدانة مرتكبي الجرائم والمجازر والمتسببين الأساسيين في تدمير اتفاقات خفض التَّصعيد وإعادة تسلسل عملية السلام إلى شكلها الطبيعي بعد محاولات روسيا تشويهها وتقديم اللجنة الدستورية على هيئة الحكم الانتقالي.
كما أكَّد التقرير على ضرورة توقُّف النظام السوري عن عمليات القصف العشوائي واستهداف المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والأسواق واستخدام الذخائر المحرمة والبراميل المتفجرة، والامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي والقانون العرفي الإنساني.
كما أكَّد أنَّ على الدُّول الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية الضَّغط عليها لوقف تجاوزاتها كافة في جميع المناطق والبلدات التي تُسيطر عليها. وأضاف أن على قوات سوريا الديمقراطية التَّوقف الفوري عن تجنيد الأطفال ومحاسبة الضباط المتورطين في ذلك، والتَّعهد بإعادة جميع الأطفال، الذين تمَّ اعتقالهم بهدف عمليات التَّجنيد فوراً.
وأوصى التقرير المعارضة المسلحة والجيش الوطني بضمان حماية المدنيين في جميع المناطق، وضرورة التميِّيز بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية والامتناع عن أية هجمات عشوائية.
وأخيراً شدَّد التقرير على ضرورة قيام المنظمات الإنسانية بوضع خطط تنفيذية عاجلة بهدف تأمين مراكز إيواء كريمة للمشردين داخلياً. وتزويد المنشآت والآليات المشمولة بالرعاية كالمنشآت الطبية والمدارس وسيارات الإسعاف بعلامات فارقة يمكن تمييزها من مسافات بعيدة.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية.