بواسطة : Thomas Lohnes / AFP
فضل عبد الغني
نصت كل من اتفاقيات جنيف لعام 1949 ، واتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 ، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 2006 على مبدأ الولاية القضائية العالمية ، ويمكِّن هذا المبدأ هيئات الادعاء المحلية من ملاحقة المتورطين في الجرائم الفظيعة مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ، الإرهاب، التعذيب، حتى وإن لم يتم ارتكابها على أراضي الدولة، وإن لم يكن مرتكبها أو الضحايا من مواطني الدولة، إلا أنه قد جرى في السنوات الثلاث الأخيرة عمليات تهويل ومبالغة ضخمة جداً للدور المحصور الذي بإمكان الولاية القضائية العالمية أن تلعبه، إن تطبيق هذا المبدأ يعني أن القضاء الوطني في الدولة التي ارتكب فيها الانتهاك قد فشل، والقضاء الجنائي الدولي ممثلاً بالمحكمة الجنائية الدولية، أو تأسيس محكمة دولية خاصة قد فشل أيضاً.
إن المهمة التي بإمكان الولاية القضائية العالمية أن تلعبها ضيقة ومحاطة بالعديد من التعقيدات والصعوبات النابعة من طبيعة هذا المبدأ نفسه، ومن رغبة دول العالم في التفاعل معه ثانياً. نعم، بكل تأكيد، إنه أحد أدوات تحقيق المحاسبة، لكنها أداة بسيطة في ماهيتها، لعدة أسباب لعل أبرزها أن قوانين أغلب الدول تشترط وجود مرتكب الجريمة ضمن إقليم الدولة، ولا أعتقد أن أحداً من الصف الأول أو الثاني من مرتكبي الانتهاكات في النظام السوري سوف يسافر إلى أحد الدول التي يمارس قضاؤها مبدأ الولاية القضائية، لهذا نجد أن جميع القضايا التي رفعت كانت ضد أشخاص منخفضي الرتبة وغالبيتهم ليسوا من صناع القرار، وقد يكون ترتيبهم في الصف التاسع أو العاشر إذا افترضنا أن هناك عشرة صفوف، ومن ناحية أخرى هناك إشكاليات قانونية عديدة في إجراء محاكمات غيابية، وأخيراً لن تقوم الدول الحليفة للنظام السوري مثل روسيا، إيران، الصين، فنزويلا، لبنان بتسليم المجرمين إلى الادعاء العام الألماني أو الفرنسي أو السويدي حتى في حال صدور مذكرات حكم بحقهم ومطالبة الادعاء العام بتسليمهم، هذا لا يعني مطلقاً أن لا يتم العمل على إصدار مذكرات اعتقال بحق كبار المتورطين في صفوف النظام السوري وفي صفوف بقية الجهات، لكن مذكرات الحكم لن تؤدي غالباً إلى اعتقالهم ومحاكمتهم.
نشرت على الموقع الإلكتروني لمركز حرمون للدراسات المعاصرة كجزء من نقاش مفتوح تحت عنوان “العدالة الانتقالية: المسار والدلالات.. نقاش مفتوح مع خبراء ومختصين“.