حملات اعتقال/احتجاز موسعة لقوات النظام السوري تستهدف العائدين وذوي المعارضين، وقوات سوريا الديمقراطية تواصل اختطاف الأطفال بهدف التجنيد
بيان صحفي (لتحميل التقرير كاملاً في الأسفل):
باريس- قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ ما لا يقل عن 228 حالة اعتقال تعسفي/احتجاز قد تم توثيقها في تشرين الثاني بينهم 18 طفلاً و2 سيدة، مشيرة إلى حملات اعتقال/احتجاز موسعة لقوات النظام السوري استهدفت العائدين وذوي المعارضين، وقوات سوريا الديمقراطية تواصل اختطاف الأطفال بهدف التجنيد
أوضحَ التَّقرير -الذي جاء في 33 صفحة- أنَّ معظم حوادث الاعتقال في سوريا تتمُّ من دون مذكرة قضائية لدى مرور الضحية من نقطة تفتيش أو في أثناء عمليات المداهمة، وغالباً ما تكون قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات الأربعة الرئيسة هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيداً عن السلطة القضائية، ويتعرَّض المعتقل للتَّعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرَم من التواصل مع عائلته أو محاميه. كما تُنكر السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التَّعسفي ويتحوَّل معظم المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
يعرض التقرير حصيلة عمليات الاعتقال التَّعسفي/ الاحتجاز التي سجلها في تشرين الثاني على يد أطراف النِّزاع والقوى المسيطرة في سوريا، ويستعرض أبرز الحالات الفردية وحوادث الاعتقال التَّعسفي والاحتجاز، التي وثقها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان في المدة ذاتها، وتوزُّع حالات وحوادث الاعتقال تبعاً لمكان وقوع الحادثة. ولا يشتمل على حالات الخطف التي لم يتمكن من تحديد الجهة التي تقف وراءها.
كما سجَّل التقرير عمليات الاعتقال التعسفي التي تحولت إلى اختفاء قسري، واعتمد في منهجية التوثيق على مرور 20 يوم على حادثة اعتقال الفرد وعدم تمكن عائلته من الحصول على معلومات من السلطات الرسمية حول اعتقاله أو تحديد مكانه، ورفض السلطات التي اعتقلته الاعتراف باحتجازه.
جاء في التقرير أن قوات النظام السوري لم تتوقف عن ملاحقة واستهداف المدنيين في مناطق سيطرتها على خلفية معارضتهم السياسية وآرائهم المكفولة بالدستور السوري والقانون الدولي؛ الأمر الذي يُثبت مجدداً حقيقة أنه لا يمكن لأي مواطن سوري أن يشعر بالأمان من الاعتقالات؛ لأنها تتم دون أي ارتكاز للقانون أو قضاء مستقل، وتقوم بها الأجهزة الأمنية بعيداً عن القضاء وغالباً ما يتحول المعتقل إلى مختفٍ قسرياً وبالتالي فإن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري لا يمكن أن تشكِّل ملاذاً آمناً للمقيمين فيها، وهي من باب أولى ليست ملاذاً آمناً لإعادة اللاجئين أو النازحين، وأكَّد التقرير على أنه لن يكون هناك أي استقرار أو أمان في ظلِّ بقاء الأجهزة الأمنية ذاتها، التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية منذ عام 2011 وما زالت مستمرة حتى الآن. وقال إن من خلفيات الاعتقال/ الاحتجاز التي سجلها في تشرين الثاني، استمرار قوات النظام السوري بملاحقة واعتقال الأشخاص الذين أجروا تسوية لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي سبق لها أن وقَّعت اتفاقات تسوية مع النظام السوري، وتركَّزت هذه الاعتقالات في محافظات دمشق وريف دمشق ودرعا. وسجل عمليات اعتقال استهدفت مدنيين على خلفة انتقادهم لتدهور الأوضاع المعيشية وتركزت في مدينة حلب. كما رصد عمليات اعتقال أخرى بحق مدنيين من أبناء محافظة درعا، لدى مراجعتهم مبنى الهجرة والجوازات في مدينة درعا لاستخراج وثائق تتعلق بالسفر خارج البلاد. ووفقاً للتقرير فقد استهدفت قوات النظام السوري بعمليات اعتقال مدنيين في بلدتي ببيلا ويلدا جنوب محافظة ريف دمشق، وذلك على خلفية تقديمهم شكوى للمجلس البلدي ينتقدون فيها الوضع الخدمي في محافظة ريف دمشق، وتم اقتيادهم إلى جهة مجهولة. وسجل أيضاً عمليات اعتقال قامت بها قوات النظام السوري استهدفت مدنيين بينهم نساء في مدينة دوما بمحافظة ريف دمشق، وذلك بعد مشاجرة حصلت في مشفى حمدان في مدينة دوما على خلفية انتقادهم سوء معاملة الكادر الطبي في المشفى.
وثق التقرير عمليات اعتقال استهدفت عدداً من المدنيين العائدين “اللاجئين والنازحين” بعد وصولوهم إلى مناطق عودتهم الخاضعة لسيطرة قوات النظام السوري وتركزت في دمشق واللاذقية وحمص. كما سجل عمليات اعتقال استهدفت عدداً من عائلات النشطاء والمعارضين وتركزت في محافظتي دمشق وريف دمشق. ورصد أيضاً على يد قوات النظام السوري عمليات اعتقال متفرقة على خلفية تلقي مدنيين حوالات مالية من أقربائهم خارج سوريا، إضافة إلى عمليات اعتقال قامت بها الأجهزة الأمنية بغرض الابتزاز المادي لعائلات المعتقلين/المحتجزين.
على صعيد الإفراجات، رصد التقرير إخلاء النظام السوري سبيل ما لا يقل عن 57 شخصاً من أبناء محافظة درعا، من مراكز الاحتجاز التابعة له في محافظة دمشق وذلك في سياق اتفاقات المصالحة التي يجريها النظام السوري في محافظة درعا. كما سجل إخلاء سبيل 11 شخصاً معظمهم من محافظتي ريف دمشق ودرعا، أفرج عنهم من مراكز الاحتجاز التابعة لها في محافظتي دمشق ودرعا، وذلك بعد انتهاء أحكامهم التعسفية، ولم يرتبط الإفراج عنهم بمرسوم العفو رقم 13 لعام 2021، وكانوا قد قضوا في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري مدة وسطية تتراوح ما بين عام واحد وخمسة أعوام ضمن ظروف احتجاز غاية في السوء من ناحية ممارسات التعذيب، وشبه انعدام في الرعاية الصحية والطبية، والاكتظاظ الشديد في مراكز الاحتجاز، وكانوا قد اعتقلوا دون توضيح الأسباب وبدون مذكرة اعتقال.
جاء في التقرير أن قوات سوريا الديمقراطية استمرت في سياسة الاحتجاز التَّعسفي والإخفاء القسري في تشرين الثاني، عبر حملات دهم واعتقال جماعية استهدفت بها مدنيين بذريعة محاربة خلايا تنظيم داعش، بعض هذه الحملات جرى بمساندة مروحيات تابعة لقوات التحالف الدولي، ورصد التقرير عمليات اعتقال استهدفت مدنيين من عائلة واحدة بينهم نساء، وتركزت هذه الاعتقالات في محافظتي الحسكة ودير الزور. كما سجل اعتقال مدرس بعد الاعتداء عليه بالضرب. ووثق التقرير اختطاف قوات سوريا الديمقراطية أطفالاً بهدف اقتيادهم إلى معسكرات التدريب والتجنيد التابعة لها وتجنيدهم قسرياً، ومنعت عائلاتهم من التواصل معهم، ولم تصرح عن مصيرهم.
أما عن هيئة تحرير الشام فقد سجل التقرير عمليات احتجاز قامت بها الهيئة بحق المدنيين، تركَّزت في محافظة إدلب وشملت نشطاء إعلاميين وسياسيين، ومعظم هذه العمليات حصلت على خلفية التعبير عن آرائهم التي تنتقد سياسة إدارة الهيئة لمناطق سيطرتها. تمَّت عمليات الاحتجاز بطريقة تعسفية على شكل مداهمات واقتحام وتكسير أبواب المنازل وخلعها، أو عمليات خطف من الطرقات أو عبر نقاط التفتيش المؤقتة، كما رصد التقرير عمليات اعتقال قامت بها عناصر هيئة تحرير الشام بحق مدنيين في مدينة كفر تخاريم بريف محافظة إدلب الغربي، وذلك بعد قيام مجهولين برمي قنبلة متفجرة على أحد مقرات الهيئة في المدينة، وسجل عمليات احتجاز نفذتها الهيئة ضدَّ عاملين في منظمة القلب الكبير الإنسانية على خلفية مقتل أحد كوادر المنظمة بطلق ناري من قبل مجهولين.
من جهتها وبحسب التقرير قامت المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني في تشرين الثاني بعمليات احتجاز تعسفي وخطف، معظمها حدث بشكل جماعي، استهدفت قادمين من مناطق سيطرة النظام السوري، إضافة إلى حالات احتجاز جرت على خلفية عرقية. وتركَّزت في مناطق سيطرتها في محافظة حلب، وحدث معظمها دون وجود إذن قضائي ودون مشاركة جهاز الشرطة وهو الجهة الإدارية المخولة بعمليات الاعتقال والتوقيف عبر القضاء، وبدون توجيه تهمٍ واضحة. كما سجل عمليات دهم واحتجاز شنَّتها عناصر في الجيش الوطني استهدفت مدنيين بتهمة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، وتركزت هذه العمليات في بعض القرى التابعة لمدينة عفرين بريف محافظة حلب.
سجَّل التقرير في تشرين الثاني ما لا يقل عن 228 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز بينها 18 طفلاً و2 سيدة على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، تحوَّل 200 منهم إلى مختفين قسرياً، النظام السوري اعتقل 133 بينهم 1 سيدة، في حين احتجزت قوات سوريا الديمقراطية 31 بينهم 17 طفلاً و1 سيدة. وذكر التقرير أن جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني احتجزت 49 مدنياً. أما هيئة تحرير الشام فقد احتجزت 15 مدنياً بينهم 1 طفلاً.
واستعرض التَّقرير توزُّع حالات الاعتقال التعسفي في تشرين الثاني بحسب المحافظات، حيث كان أكثرها في حلب تلتها ريف دمشق ثم دمشق تلتها إدلب.
ووفقاً للتقرير فإنَّ المعتقلين على خلفية المشاركة في الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في سوريا، وضمن أي نشاط كان سياسي، حقوقي، إعلامي، إغاثي، ومن يشابههم، فإن الأفرع الأمنية توجِّه إلى الغالبية العظمى من هؤلاء وتنتزع منهم تهماً متعددة تحت الإكراه والترهيب والتعذيب ويتم تدوين ذلك ضمن ضبوط، وتحال هذه الضبوط الأمنية إلى النيابة العامة، ومن ثم يتم تحويل الغالبية منهم إما إلى محكمة الإرهاب أو محكمة الميدان العسكرية. ولا تتحقق في هذه المحاكم أدنى شروط المحاكم العادلة، وهي أقرب إلى فرع عسكري أمني.
اعتبر التقرير أن قضية المعتقلين والمختفين قسراً من أهم القضايا الحقوقية، التي لم يحدث فيها أيُّ تقدم يُذكَر على الرغم من تضمينها في قرارات عدة لمجلس الأمن الدولي وقرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي خطة السيد كوفي عنان، وفي بيان وقف الأعمال العدائية في شباط 2016 وفي قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في كانون الأول 2015 في البند رقم 12، الذي نصَّ على ضرورة الإفراج عن جميع المعتقلين وخصوصاً النساء والأطفال بشكل فوري، ومع ذلك لم يطرأ أيُّ تقدم في ملف المعتقلين في جميع المفاوضات التي رعتها الأطراف الدولية بما يخص النزاع في سوريا، كما لم تتمكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة كافة مراكز الاحتجاز بشكل دوري وهذا بحسب التقرير يُشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.
أكَّد التقرير أنَّ النظام السوري لم يفِ بأيٍّ من التزاماته في أيٍّ من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، وبشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسية، كما أنَّه أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، فقد استمرَّ في توقيف مئات آلاف المعتقلين دونَ مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تُهم، وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية، وتحوَّل قرابة 65 % من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
وأشار التقرير إلى أن الأطراف الأخرى (قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام والمعارضة المسلحة/ الجيش الوطني) جميعها ملزمة بتطبيق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد ارتكبت انتهاكات واسعة عبر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عنه رقم 2042 الصادر بتاريخ 14/ نيسان/ 2012، و2043 الصادر بتاريخ 21/ نيسان/ 2012، و2139 الصادر بتاريخ 22/ شباط/ 2014، والقاضي بوضع حدٍّ للاختفاء القسري.
كما طالب أطراف النزاع والقوى المسيطرة كافة بالتوقف فوراً عن عمليات الاعتقال التَّعسفي والإخفاء القسري، والكشف عن مصير جميع المعتقلين/ المحتجزين والمختفين قسرياً، والسماح لأهلهم بزيارتهم فوراً، وتسليم جثث المعتقلين الذين قتلوا بسبب التعذيب إلى ذويهم.
وأكَّد التقرير على ضرورة تشكيل الأمم المتحدة والأطراف الضامنة لمحادثات أستانا لجنة خاصة حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري، والتَّقدم في عملية الكشف عن مصير 102 ألف مختفٍ في سوريا، 85 % منهم لدى النظام السوري والبدء الفوري بالضَّغط على الأطراف جميعاً من أجل الكشف الفوري عن سجلات المعتقلين لديها، وفق جدول زمني، وفي تلك الأثناء لا بُدَّ منَ التَّصريح عن أماكن احتجازهم والسَّماح للمنظمات الإنسانية واللجنة الدولية للصَّليب الأحمر بزيارتهم مباشرة.
وشدَّد التقرير على ضرورة إطلاق سراح الأطفال والنِّساء والتَّوقف عن اتخاذ الأُسَر والأصدقاء رهائنَ حرب.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية.