fbpx
الرئيسيةالبياناتالذكرى الأربعون لمجزرة حماة.. بين ضرورة الإنصاف وواقع التجاهل الدولي

الذكرى الأربعون لمجزرة حماة.. بين ضرورة الإنصاف وواقع التجاهل الدولي

مشاركة

الإشتراك

أحدث المقالات

الشبكة السورية لحقوق الإنسان
فضل عبد الغني

 
شهد شهر شباط/2022 ذكرى مرور أربعين عاماً على ارتكاب حافظ الأسد ونظامهِ العسكري مجزرة مروعة في مدينة حماة عام 1982 والتي امتدت على مدى شهرٍ كاملٍ؛ هذه المجزرة لم تشهد رغم بشاعتها الاهتمام المطلوب إعلامياً، حقوقيا، سياسيا، لا على المستوى الشعبي ولا على المستوى الدولي، والسبب الأساسي عدم وجود أصوات أو كتابات سورية، إعلامية أو سياسية أو حقوقية عن المجزرة بعد ارتكابها، ويعود ذلك لحالة الرعب والإرهاب التي كان يعيشها المجتمع السوري، والقمع الرهيب لحرية الرأي والتعبير، وإعدام السياسة التي مارسها حافظ الأسد منذ استيلائه على السلطة في سوريا عام 1970، وتصفيتهِ لشركائه في الانقلاب من أعضاء اللجنة العسكرية، ثم وضع دستور 1973، والذي أسس من خلاله لنظام الدولة/ الحزب، وأعطى لنفسه صلاحيات هائلة؛ حيث تمركزت حوله كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، كما مدد من صلاحيات حزبه، وحولهُ لطريقٍ لبلوغِ السلطة والارتقاء بين سلالمها.
 
إن هذا الواقع المرير الذي بناه حافظ الأسد هو ما استمر بشار الأسد في تطبيقه على أنفاس السوريين إلى اليوم؛ ومجزرة حماة التي يحيي السوريون ذكراها الأربعين، تتزامن مع الذكرى الحادية عشر لانطلاق الثورة السورية آذار/2011، مما جعل الشعب السوري على يقين جازم بأن مجازر هذا النظام ليست وليدة أحداث الربيعِ العربي وارتباكهِ أمامها، ولكن هو نزوحٌ بنيويٌ للعنفِ المفرطِ داخل تركيبة هذا النظام الدموي؛ فبشار لم يرث منصب الرئاسة بقدر ما ورث نظاماً دموياً مُطبعاً مع العنفِ؛ وكيف لا؟ وأرقام مجزرة حماة جاثمة على قلوب الأسديين لتُظهرَ مدى لا محدودية الطابع الإجرامي الذي يتصفُ به نظام “أسرة الأسد”.
 
وعلى مدى جميع السنوات تعامل نظام الأسد مع مجزرة حماة، على أنها “أحداث” وصدامات مع جماعة الإخوان المسلمين، فلم تقم أيا من الحكومات المتعاقبة بتسجيل الضحايا الذين قتلوا، ولا المفقودين، ولم يفتح أي تحقيق داخلي، وهذه الممارسات تشابه تماما ما قام به الأسد الابن مع ضحايا ثورة 2011.
إن جميع ما سبق ساهم في ضياع الحقيقة، وبيانات الضحايا، وقد عملت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في السنوات الماضية على محاولة تسجيل بيانات الضحايا، لكن مازالت هناك فوارق كبيرة حتى الآن بين ما تم توثيقه والإحصائيات المتداولة شعبيا، حيثُ تمكنت من توثيق قرابة 7984 مدنياً تم قتلهم، لكن التقديرات تشير إلى مقتل ما بين 30 إلى 40 ألف مدنياً، أما المختفون فلم تتمكن سوى من الحصول على بيانات لقرابة 3762 مختفياً قسرياً، في حين التقديرات تشير إلى أن هناك قرابة 17 ألف مختفٍ قسري، وأن ترهيب نظام الأسد للسوريين والحمويين منعهم من الحديث عن المجزرة وضحاياها، كما أن عدم وجود إمكانية للعمل عليها سوى بعد عام 2011، من أبرز العوامل الإضافية التي جعلت المهمة غاية في الصعوبة.
 
ومما لفت انتباهي بشكل خاص خلال البحث الطويل عن كتابات عن مجزرة حماة/82 الصمت المريب الذي تفاعلَ به المجتمع الدولي سواء كان دولاً أو منظمات حكومية مع ما حصلَ في حماة عام 1982، وفي هذا الصدد لا يمكنُ إلا أن أستهجنَ عدم وجود أي وثيقة أممية توثق المجزرة وتطالب بكشف مصير عشرات آلاف من الضحايا ومحاسبة مرتكبيها، فخلال البحث لم أجد أي وثيقة بين سجلات الأمم المتحدة تشيرُ للكارثة الإنسانية التي وقعت في حماة عام 1982، والتي امتدت لقرابة شهر كامل، وكنت قد لاحظت أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي قد أصدر قرارا طلب فيه من هيئة حقوق الإنسان (وهو ما تحول لاحقاً لمجلس حقوق الإنسان) تعيين مقرر خاص لتقديم تقرير عن الإعدام التعسفي في العالم، وفي أيار من العام التالي 1983 أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي قرارين بناءً على التقرير المطلوب، لكنه وللأسف الشديد كان خاليا من ذكر أي شيء عن مجزرة حماة 1982، على الرغم من وجودِ آلاف حالات الإعدام التعسفي التي وقعت، كما أن المقرر لم يرسل لجنة للتحقيق إلى حماة.
 
إن هذا الفشل في إصدارِ إدانة على الجريمة البشعة امتد لمرحلة مجلس حقوق الإنسان، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، فلم يقم أي أمين عام للأمم المتحدة، ولا أي مفوض لحقوق الإنسان بإصدار ولو مجرد إشارة إلى تلك المجزرة المروعة، فضلاً عن المطالبة بكشف مصير عشرات آلاف السوريين المختفين قسرياً، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
 
وكأحد أبناء المدينة، أعتقد أن هناك معاناة مضاعفة، وأليمة لأهالي مدينة حماة من مجزرة/82 وعلى أصعدة متعددة، ابتداء من السلطة الأسدية والانتهاكات الفظيعة التي مارستها، ثم تحميل قسم كبير من المجتمع السوري لأبناء المدينة بشكل عام المسؤولية عنها، ووصمها وعوائل كاملة من أبنائها بالتشدد الديني، وهي الرواية الأسدية، إضافة إلى ضعف التغطية الإعلامية العربية والدولية، إن لم نقل تشويهها للحقيقة على مدى سنوات (اختلفت بعض التغطية الإعلامية العربية قليلا لصالح الضحايا بعد الربيع العربي)، وكذلك تخاذل المجتمع الدولي ومجلس الأمن، وانعدامٍ شبهِ كاملٍ لردة الفعل السياسية من قبل الدول الديمقراطية، وعدمِ التدخلِ من أجلِ إيقافها أو التخفيفِ من وحشيتها على الرغم من استمرارها شهرا كاملا، مما يعني استحالة إنكار عدم المعرفة بها.
 
تأسيسا على كل ما سبق، أعتقد أنه من الواجب شعبيا ودوليا، استدراك جوانب من هذه الخطايا الكارثية، وتوعية المجتمع السوري بشكل أكبر عن حقيقة ما جرى، دون تشويه، وكذلك دون مبالغة وتهويل، كما يتوجب على الأمم المتحدة إدانة هذه المجزرة والمطالبة بمحاسبة من كان السبب، وفي مقدمتهم رفعت الأسد الذي عاد إلى بشار الأسد في تجسيد صارخ للإفلات من العقاب.
 
وأخيرا، لا بد من عمل منهجي ومدروس لتوثيق أحداث المجزرة، بما في ذلك مسؤولية الطليعة المقاتلة في الإخوان المسلمين، وبناء قاعدة بيانات للانتهاكات وبشكل خاص للضحايا الذين قتلوا، والمفقودين، وفضح كل الأفراد المتورطين بمجرزة حماة/82، والذين كافأ النظام السوري كثيرا منهم عبر ترقيتهم في مناصب وزارية وعسكرية، بعد كل ذلك نأمل أن تسامحنا حماة، يوما ما.

نشرت المقالة الأصلية على موقع تلفزيون سوريا.

 

المواد ذات الصلة

الشبكة السورية لحقوق الإنسان تشارك بيانات آلاف المختفين قسرياً مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان

اللغات متاح بالـ English عربي   لاهاي – الشبكة السورية لحقوق الإنسان: شاركت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بياناتٍ لآلاف المفقودين والمختفين...

دعوة: الآثار المدمرة لخفض المساعدات الإنسانية في سوريا: التحديات واستراتيجيات لتخفيف الكارثة

حدث جانبي على هامش مؤتمر بروكسل الثامن لدعم مستقبل سوريا والمنطقة اللغات متاح بالـ English عربي   الشبكة السورية لحقوق الإنسان...

الذكرى السنوية السابعة لهجوم النظام السوري الكيميائي على مدينة خان شيخون والسادسة على مدينة دوما...

الشبكة السورية لحقوق الإنسان تجدد مطالبتها الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية برفع دعوى ضد النظام...

في اليوم الدولي للتوعية بخطر الألغام: ما زلنا نكشف عن مناطق جديدة لانتشار الألغام الأرضية...

توثيق مقتل 3471 مدنياً بينهم 919 طفلاً بسبب الألغام المضادة للأفراد في سوريا منذ عام 2011 حتى...