روسيا طرف في النزاع السوري وتستخدم الفيتو مع ارتكابها والنظام السوري لجريمة التشريد القسري التي تشكل جريمة ضد الإنسانية
اللغات
متاح بالـ
بيان صحفي:
باريس – قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم تحت عنوان “المساعدات الأممية عبر الحدود يجب أن تستمر في الدخول حتى في حال استخدام روسيا الفيتو في وجهها”، إنَّ روسيا طرف في النزاع السوري وتستخدم الفيتو مع ارتكابها والنظام السوري جريمة التشريد القسري التي تشكل جريمة ضد الإنسانية، مشيرةً إلى أنَّ ملايين السوريين المشردين داخلياً في شمال غرب سوريا بحاجة ماسة إلى المساعدات الأممية العابرة للحدود.
وقال التقرير -الذي جاء في 13 صفحة- إنَّ اقتراب تجديد قرار إدخال المساعدات الأممية العابرة للحدود في سوريا يعدُّ موسماً روسيَّاً لابتزاز الأمم المتحدة والدول المانحة، مشيراً إلى أنَّ روسيا والنظام السوري يعتبران ملايين السوريين المشردين قسرياً بمثابة رهائن، على الرغم من أنهما المتسبب الأساسي في تدمير منازلهم وتهديدهم وتشريدهم قسرياً.
وبحسب ما أورده التقرير فإنَّ الغالبية العظمى من النازحين على الرغم من الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهونها لم يرجعوا إلى المناطق التي سيطر عليها النظام السوري وحلفاؤه؛ خوفاً من ممارسات الأجهزة الأمنية الوحشية.
ولفت التقرير إلى أنه في مقابل ممارسات روسيا والنظام السوري، تأتي البيانات من الأمم المتحدة ومن منظمات دولية ومحلية بأنَّ أوضاع المشردين داخلياً في شمال غرب سوريا تتدهور من سيئ إلى أسوأ، ويقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أعداد النازحين في هذه المنطقة بقرابة 4.1 مليون مواطن سوري يعتمدون على المساعدات لتلبية احتياجاتهم الأساسية، يتلقى قرابة 2.4 مليون منهم المساعدات من خلال آلية تسليم عبر الحدود شهرياً. وفي سياق متصل ذكَّر التقرير بأنَّ المشردين داخلياً هم أضعف فئات المجتمع، لأنهم فقدوا منازلهم، وفرص العمل نادرة للغاية، لهذا فالغالبية العظمى ترتكز حياتهم على المساعدات الأممية، وفي حال تراجعها أو توقفها، فسوف نكون أمام مجاعة فظيعة، وبذلك فإن الحاجة إلى المساعدات الأممية في شمال غرب سوريا تفوق عتبة الضرورة، وتصل إلى مستوى الحاجة المصيرية التي تهدد النمو والحياة للمشردين وبشكلٍ خاص النساء الحوامل والمرضعات والأطفال حديثي الولادة.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“على الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا عدم الخضوع للابتزاز الروسي في مجلس الأمن، والتأكيد على أنَّ إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود، الحيادية والضرورية، والموافق عليها من طرفي الحدود، ليس بحاجة لإذنٍ من مجلس الأمن، وروسيا طرف في النزاع السوري وتستخدم الفيتو ضمن سياق جريمة التشريد القسري التي تسببت والنظام السوري بارتكابها على نحوٍ بلغ مستوى جرائم ضد الإنسانية”.
قال التقرير إنَّ مجلس الأمن أصدر عشرة قرارات متعلقة بقضية المساعدات الأممية الإنسانية في سوريا كان أولها القرار 2139 (22/ شباط/ 2014) الذي طالب بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية في سوريا عبر خطوط النزاع. وتبعه القرار 2165 في تموز/ 2014، الذي أتاح إدخال المساعدات الأممية عبر الحدود دون إذن النظام السوري، وتمَّ تمديده على مدار خمس سنواتٍ لاحقة دون تعديل على بنوده.
ووفقاً للتقرير فقد تصاعد الابتزاز الروسي منذ بداية عام 2020، وبدأ فشل مجلس الأمن في تمرير مشروع قرار تمديد تقديم المساعدات عبر الحدود عبر أربعة منافذ حدودية، بسبب الفيتو الروسي الصيني، وتبنى المجلس القرار 2504 الذي سمح بدخول المساعدات إلى شمال غرب سوريا عبر معبرَين حدوديَّين فقط، في حين حرمت منطقة شمال شرق سوريا من دخول المساعدات عبر معبر اليعربية واقتصرت على المساعدات القادمة من دمشق؛ ما انعكس بشكلٍ سلبي على المقيمين في هذه المنطقة. ثم نجحت مجدداً في التضييق على إدخال المساعدات عندما اقتصر القرار 2533 في تموز/ 2020 على دخولها عبر معبر واحد.
ثم أدخلت أخيراً مفهوم المساعدات عبر خطوط التماس، والمقصود بها القادمة من مناطق النظام السوري نحو الشمال السوري، ورأى التقرير أنَّ ذلك كان تمهيداً لإغلاق المعبر الحدودي الوحيد المتبقي. وقد نص القرار 2585 في تموز/ 2021 على تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا مدة 6 أشهر فقط، قابلة للتمديد التلقائي ستة أشهر أخرى، وعلى مرور المساعدات عبر خطوط التماس.
جاء في التقرير أنَّ دخول المساعدات الأممية عبر الحدود عملاً مشروعاً ولا يحتاج إلى إذن من مجلس الأمن، وأضاف أنه لا توجد قاعدة في القانون الدولي تنصُّ على أنَّ إدخال منظمة الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة مساعدات عبر الحدود يعتبر أمراً غير قانوني، لكنَّ مجلس الأمن قد احتكر هذه المهمة الإنسانية، وأدخلها ضمن صلاحياته، عندما أصدر القرار 2165، الذي كان في ظاهره داعماً للمساعدات الأممية وفي باطنه توسيعاً لصلاحيات المجلس بشكل تعسفي، وتحكماً في قضايا خارج اختصاصه، وبذلك أصبحت المساعدات الإنسانية تخضع للابتزاز والبازار السياسي بصرف النظر عن حاجة ملايين السوريين، وربما غير السوريين في دول أخرى. وفي السياق ذاته أكد التقرير على أنه يتوجب على جميع القانونيين حول العالم التصدي لهيمنة مجلس الأمن على التحكم بإدخال المساعدات العابرة للحدود.
وفقاً للتقرير فقد تضمن قرار مجلس الأمن 2585 بندين جديدين لم تشملهما القرارات التسعة التي سبقته، الأول إدخال المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس من دمشق، والثاني: تحسين أساليب إيصال المساعدات الإنسانية داخل سوريا ومشاريع الإنعاش المبكر. وقد أشرنا عقب صدور القرار إلى أنَّ هذه البنود تُعدُّ تنازلاً من الدول الديمقراطية لمصلحة روسيا، وتمهيد روسي ضمن سعيها الحثيث نحو إنهاء دخول المساعدات الأممية عبر الحدود، مما يتيح للنظام السوري التحكم الكامل بجميع المساعدات الأممية في سوريا. وأوضح التقرير أن القوافل التي عبرت من مناطق سيطرة النظام السوري إلى شمال غرب سوريا على مدى قرابة عام ضمن إطار تطبيق القرار 2585، هي خمس قوافل، شملت 71 حافلة فقط، وتشكل قرابة 0.75% من إجمالي المساعدات العابرة للحدود، مؤكداً أن للنظام السوري تاريخ طويل ومثبت في نهب وتأخير وعرقلة إدخال المساعدات الأممية.
طبقاً للتقرير فقد حذرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في 26/ أيار/ 2022 من أنَّ عدم تمديد مجلس الأمن الدولي آلية تسليم المساعدات عبر الحدود، التي تنتهي في 10/ تموز من العام ذاته، سيكون بمثابة فشل من الدرجة الأولى.
أكد التقرير أنه استناداً إلى العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فإنَّ على الدول مسؤولية السعي لتوفير المساعدة لسكانها، لكنَّ النظام السوري حجب الموافقة عن المساعدات الأممية، كي تمر عن طريقه بهدف التحكم بها ونهب أكبر قدر ممكن منها.
وقال التقرير إنه لا يمكن لروسيا التذرع بمفهوم السيادة وموافقة النظام السوري، لأنه المتسبب الرئيس في تشريد ملايين النازحين، ولا يكترث بوصول المساعدات الأممية إليهم. كما أظهر التقرير عدم وجود حاجة لإذن من مجلس الأمن أو موافقة من النظام السوري من أجل استمرار الأمم المتحدة في إدخال المساعدات عبر الحدود لملايين من المواطنين السوريين الذين هم في أمسِّ الحاجة إليها.
أوصى التقرير مجلس الأمن برفع اليد عن التحكم بدخول المساعدات الأممية العابرة للحدود، فهي تدخل ضمن نطاق الجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الشؤون الإنسانية.
كما أوصى الجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات إضافية تجاه قرار يسمح بإدخال المساعدات عبر الحدود في حالة الضرورة والحجب التعسفي، لا سيما في ظلِّ شلل مجلس الأمن، واستخدام الفيتو بشكل يتعارض جوهرياً مع حقوق الإنسان، وتوسيع صلاحيات مجلس الأمن على حساب حقوق الإنسان بما فيها المساعدات الإنسانية.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية…