اللغات
متاح بالـ
موجز عن الدراسة:
نشرت “قلمون: المجلة السورية للعلوم الإنسانية” المحكمة في العدد الحادي والعشرين منها دراسة للأستاذ فضل عبد الغني المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان بعنوان “هل يجب أن يوجد مقاييس مختلفة لكيفية فرض الأمم المتحدة العقوبات إن كان المقصود فرض الالتزام بحقوق الإنسان أو المحافظة على الأمن والسلام؟”، تناول فيها إشكالية المعايير التي يتوجب على الأمم المتحدة اتباعها في أثناء تطبيق العقوبات بمختلف أشكالها، وذلك لتحقيق أهداف نبيلة كإلزام الدول بتطبيق حقوق الإنسان، وصيانة الأمن والسلم الدوليين، واختبرت الدراسة النزاع السوري المستمر منذ عام 2011 حتى الآن كدراسة حالة واقعية. وخلصت الدراسة إلى أن العقوبات تمثل أداة ردع ومحاسبة، ولكنها وحدها لا تعمل بشكل فعال، وبحاجة إلى أدوات أخرى تعمل بالتزامن معها.
ناقشت الدراسة -التي جاءت في 10 صفحات- الإطار القانوني لسلطات مجلس الأمن في العقوبات وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ولفتت إلى أن العقوبات بمختلف صورها وأنواعها تعتبر شكلاً من أشكال المحاسبة السياسية والقانونية والحقوقية، التي تسعى إلى تحقيق أهداف متنوعة، وقد لجأت إليها الدول منفردة أو على شكل تحالف دول عدة منذ قديم العصور، ولكن مع ظهور ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 تمَّ تأطير العقوبات ضمن قالب قانوني، حيث تستمد العقوبات غير العسكرية شرعيتها من المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، والعقوبات العسكرية من المادة 42، وذلك إذا قرر مجلس الأمن بموجب المادة 39 أن هناك تهديداً أو خرقاً للسلام أو عملاً من أعمال العدوان، وإذا كان الهدف من فرض العقوبات هو الحفاظ على السلام والأمن الدوليين أو استعادتهما. وأكدت الدراسة أن إقرار العقوبات هو بالدرجة الأولى قرار سياسي يتم في إطار قانوني، وبالتالي يتداخل المفهومان إلى حدٍّ بعيد. وأوضحت أن العقوبات تلعب دوراً مزدوجاً فهي تقوم بمحاولة وقائية بالدرجة الأولى، بمعنى أنه لا يفترض بمجلس الأمن الانتظار حتى وقوع التهديد كي يتدخل بل بإمكانه أن يتحرك قبل وقوع الانتهاك، كما تلعب دوراً في محاولة تصحيح الأوضاع بعد وقوع الانتهاك. وقالت الدراسة بأنه يتوجب على مجلس الأمن عند فرض العقوبات أن يُنشئَ لجان العقوبات من أجل متابعة ورصد أداء العقوبات.
وطبقاً للدراسة فإنه إلى جانب مجلس الأمن، منحَ ميثاقُ مجلس الأمن الجمعيةَ العامة للأمم المتحدة سلطة مناقشة شؤون الأمم المتحدة كافة وإصدار توصيات بشأنها، كما أن لديها صلاحيات متعددة في مجال حفظ الأمن والسلم الدوليين، لكن لا يحق للجمعية العامة أن تتناول أي نزاع مطروح أمام مجلس الأمن، وعند شلل المجلس يحق للجمعية العامة تأمين البديل عنه، وأشارت الدراسة إلى مثال عن هذه الحالة نتج عنه في عام 1950 القرار الشهير “الاتحاد من أجل السلام”.
قالت الدراسة إن الأمم المتحدة قد لجأت في سياستها إلى تطبيق العقوبات بشكل أكبر وأوسع بكثير من التدخل العسكري، وذلك انطلاقاً من تصور أن العقوبات أقل عنفاً وتكلفة مادية وبشرية، وفي الوقت ذاته تُمثِّل علاجاً قوياً وحاسماً في بعض الأحيان، وتتجسد أبرز أشكال تلك العقوبات في واحدة من الأنواع التالية: عقوبات اقتصادية أو سياسية أو قضائية. وتناولت الدراسة العقوبات الاقتصادية بشيء من التفصيل والتحليل، على اعتبار أنها تُعدُّ الشكلَ الأبرز والأهم والأكثر تأثيراً من بين بقية الأصناف غير العسكرية الأخرى.
وفقاً للدراسة فإن ميثاق الأمم المتحدة لم يُحدِّد تعريفاً للحالات التي تُعتبر تهديداً للسِّلم والأمن الدوليين، والتي ينبغي على مجلس الأمن التحرك لحلها، ورأت الدراسة أن واضعي الميثاق قد تعمَّدوا ترك هذه الثغرة لكي يقرر مجلس الأمن وحده وبناءً على المصالح السياسية للدول دائمة العضوية فقط، وبعيداً عن الاعتبارات القانونية، يُقرر متى تكون الحالة تهديداً للأمن والسلم الدوليين ومتى لا تكون، فعلى سبيل المثال هل ما يحصل في سوريا من قتل النظام السوري قرابة 200 ألف مدني، وتشريد قرابة 13 مليون ما بين نازح ولاجئ، واستخدام النظام الحاكم للأسلحة الكيميائية مرات عديدة في خرق لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، هل يُعتبر جميع ما سبق تهديداً للسلم والأمن الدوليين أم لا؟ يبدو أنَّ العقوبات تستهدف حفظ وحماية السلام، بشكل قد يتفق أو لا يتفق مع القانون، فهي لا تستهدف حفظ القانون وحمايته.
وأكدت الدراسة أنَّ مجلس الأمن بشكل عام مُلزَم بمراعاة قانون حقوق الإنسان لدى تصميم العقوبات في زمن السلم، وبمراعاة القانون الدولي الإنساني لدى تصميم العقوبات في زمن النزاع المسلح، ويُفترض أن يُمارس سلطاته بما يتَّفق مع أهداف ميثاق الأمم المتحدة، التي تشمل تعزيز حقوق الإنسان، وقواعد القانون الدولي.
تحدثت الدراسة عن تغير معايير العقوبات لدى الأمم المتحدة مع مرور الزمن، وقالت إن أبرز ما قامت به الأمم المتحدة في هذا المجال هو الانتقال من فرض العقوبات الشاملة إلى طور العقوبات الذكية، وقالت يعتمد نهج العقوبات الذكية في تصميمها على تحليل كل حالة على حدة استناداً إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وطبيعة الانتهاك الحاصل ودرجته، وتؤكد على تحسين إجراءات الاستثناءات الإنسانية ضمن نظام العقوبات، وعلى استهداف الدوائر الفاعلة، والأشخاص المؤثرة، ومنتجات محددة، والأنشطة الحيوية، والمؤسسات، التي تنتهك حقوق الإنسان والمعايير الدولية ضمن السلطة الحاكمة، وأخيراً التناسب في التوازن بين المكسب والمعاناة، وبالتالي فهي تولي اهتماماً أكبر للعواقب الإنسانية، وتشمل العقوبات الذكية بشكل أساسي، بحسب ما أوردته الدراسة: حظر السفر والطيران، حظر توريد الأسلحة والسلع الكمالية، الحظر التجاري، تجميد أصول الأموال الخاصة بأعضاء النظام الحاكم وبعض مؤسسات الدولة المتورطة.
وأردفت الدراسة أن بإمكان العقوبات الذكية أن تحقق الأهداف ذاتها التي تسعى إليها العقوبات الشاملة، مع التقليل من آثار العقوبات السلبية إلى الحد الأدنى، وبشكل خاص بحق الفئات الهشة في المجتمع كالنساء والأطفال وكبار السن، ويصعب على الأنظمة الشمولية عملية التحشيد الإعلامي والسياسي ضدَّ العقوبات المطبقة عليها، وتجبرها على إعادة التفكير في جدوى الاستمرار في انتهاك القانون الدولي مقابل الخسائر التي تتكبدها، وكل هذا يجعل نظام العقوبات الصادر عن الأمم المتحدة أقل عرضة للاتهامات وأكثر مصداقية وفعالية، ويُعيد إليها الاعتبار.
أخيراً أكدت الدراسة أن العقوبات وحدها لا تكفي في تحقيق الأمن والسلم الدوليين ومعاقبة منتهكي حقوق الإنسان، فعلى الرغم من أن العقوبات حقَّقت نجاحات في مجال تحقيق السلم والأمن الدوليين وفي مجال احترام حقوق الإنسان الأساسية، وهي دون شك أداة فاعلة وداعمة لتحقيق الأمن والسلم وحقوق الإنسان، وإن العقوبات الذكية تُراعي إلى حدٍّ جيد مبادئ القانون الدولي، وهي خطوة ضرورية في الاتجاه الصحيح، إلا أن هناك معايير إضافية تجعلها وحدها لا تكفي، ولا بدَّ من أخذ هذه المعايير بنظر الاعتبار، ومن أبرز تلك المعايير التي تحدثت الورقة عنها، أنَّ العقوبات الأممية أداة في يد مجلس الأمن الدولي الذي يحكمه التَّوافق السياسي الاقتصادي لمصالح الدول الخمس دائمة العضوية بعيداً إلى حد كبير عن مصالح الشعوب والدول المتضررة من انتهاكات حقوق الإنسان والنزاعات.
أوصت الورقة بعدم اللجوء مطلقاً إلى نهج العقوبات الشاملة، واستخدام نهج العقوبات الذكية بحق الدول الشمولية العدوانية، وقالت إنه يجب اعتبار كل دولة حالة فردية، وبالتالي إعداد دراسة لكل حالة على حِدة، والاستمرار في مراقبة إنجاز الأهداف المعلنة للحالة، ومتابعة مدى نجاحها في تحقيق تقدم على مستوى الأمن والسلم الدوليين وحقوق الإنسان، ويجب أن يشمل نظام العقوبات الذكية تحديداً دقيقاً ومُسبقاً ومبرَراً للكيانات والأشخاص التي سوف يستهدفها.
كما أوصت الدراسة بإنشاء آلية مُسبقة للتعامل مع الآثار الإنسانية التي سوف تنتج لا محالة عن العقوبات مهما كانت دقتها، وقالت إن على الأمم المتحدة أن تساعد البلدان المتضررة من استهداف الدولة المنتهكة.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية …
نشرت الدراسة في العدد الحادي والعشرين من “قلمون: المجلة السورية للعلوم الإنسانية”