التقرير الرابع لمراقبة الالتزام يكشف عن انتهاك النظام السوري لقرار محكمة العدل الدولية ويدعوها إلى تقديم تقييم رسمي
لاهاي – أصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً جديداً بمناسبة مرور عام على صدور قرار محكمة العدل الدولية في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، والذي جاء استجابة لدعوى قضائية قدمتها كل من كندا وهولندا ضد النظام السوري. جاء التقرير تحت عنوان “عام على قرار محكمة العدل الدولية: النظام السوري قتل فيه ما لا يقل عن 84 شخصاً تحت التعذيب واعتقل 1161 مدنياً، بينهم 18 طفلاً و43 سيدة”، ويُعد هذا التقرير الرابع في سياق مراقبة مدى التزام النظام السوري بالقرار.
أوضح التقرير، الذي يتألف من 23 صفحة، أنَّ النظام السوري لم يتخذ أي خطوات جدية لوقف التعذيب أو اتخاذ إجراءات عملية للامتثال لمتطلبات قرار المحكمة الدولية، لافتاً إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في سوريا منذ صدور القرار، وذلك بسبب ممارسات النظام السوري المستمرة، بما في ذلك الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإخفاء القسري، بالإضافة إلى سياسات العفو التي استثنت المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وتعيين قيادات متورطة في جرائم ضد الإنسانية في مناصب حكومية رفيعة.
وفيما يخص الاعتقالات، ذكر التقرير أنَّه منذ صدور قرار محكمة العدل الدولية وحتى 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وثَّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 1161 حالة اعتقال تعسفي على الأقل، شملت 18 طفلاً و43 سيدة، داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري. وأوضح التقرير أنَّ من بين هؤلاء المعتقلين، تم الإفراج عن 138 شخصاً فقط، في حين أنَّ 1023 شخصاً لا يزالون في عداد المختفين قسرياً، مما يشكل نسبة تزيد عن 88 % من إجمالي المعتقلين. هذه النسبة المرتفعة تبرز الاستهداف المنهجي للمدنيين، والنشطاء العائدين، واللاجئين، حيث يتم تقييد حرية الرأي والتعبير، وتوسيع دائرة الاعتقالات التعسفية لتشمل قضايا متعلقة بقانون الجريمة المعلوماتية والخدمة العسكرية.
وبالنسبة إلى التعذيب، أورد التقرير توثيق وفاة ما لا يقل عن 84 شخصاً تحت التعذيب في مراكز احتجاز قوات النظام السوري منذ صدور قرار المحكمة، من بينهم 26 طفلاً، مما يعني أنَّ حوالي 31 % من الضحايا كانوا من الأطفال. تم تسليم جثامين 7 من الضحايا فقط إلى ذويهم، في حين لم تُسلَّم جثامين 91.67 % من الضحايا، مما يعكس استمرار سياسة الإخفاء القسري. شملت حالات الوفاة تحت التعذيب أيضاً 6 من اللاجئين الذين عادوا أو أُعيدوا قسراً إلى مناطق سيطرة النظام، وتوفوا نتيجة التعذيب أو الإهمال في تقديم الرعاية الصحية، وهو ما يمثل حوالي 7 % من إجمالي ضحايا التعذيب. تبرز هذه المعلومات استمرار التعذيب المنهجي، وتزايد استهداف الأطفال، إلى جانب سياسة الإخفاء القسري وعدم تسليم الجثامين لأسر الضحايا.
أفاد التقرير بأنَّ الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان حصلت مطلع عام 2024 على بيانات جديدة حول حالات وفاة لم يُعلن عنها سابقاً، كاشفاً أنَّ النظام السوري قام بإدراج بعض المختفين قسرياً في مراكز احتجازه ضمن سجلات الوفيات في السجل المدني. وخلال الفترة الممتدة من 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 حتى 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وثَّقت الشَّبكة ما لا يقل عن 43 حالة وفاة، من بينها 26 طفلاً، تم تسجيلهم كمتوفين في السجل المدني دون ذكر سبب الوفاة، ودون تسليم الجثامين لذويهم أو الإعلان عن وفاتهم في حينه. شملت هذه الحالات بعض الضحايا من أقارب معتقلين، إلى جانب نشطاء سياسيين وطلاب جامعيين.
كما أشار التقرير إلى أنَّ النظام السوري، ومنذ صدور قرار محكمة العدل الدولية، أصدر مرسومين للعفو العام: المرسوم الأول رقم 36 لعام 2023، والمرسوم الثاني رقم 27 لعام 2024، مع استثناء المعتقلين والمختفين قسرياً من كلا المرسومين. ورغم صدور المرسومين، استمرت الاعتقالات التعسفية، بما في ذلك اعتقال الأطفال والنساء داخل مراكز احتجاز النظام، بالإضافة إلى استمرار التعذيب داخل هذه المراكز. وبحسب البيانات التي سجلناها، لم تحقق مراسيم العفو أي تأثير يُذكر في خفض وتيرة الاعتقالات التعسفية؛ إذ بقيت هذه العمليات متزايدة بعد صدور كلا المرسومين. كذلك، استمرت حالات التعذيب، حيث سُجلت 53 حالة وفاة بسبب التعذيب خلال الفترة الأولى، و31 حالة في الفترة الثانية.
إلى جانب ذلك، بيَّن التقرير أنَّ النظام السوري، رغم استمراره في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان كالقتل خارج نطاق القانون، والتعذيب، والإخفاء القسري، قام بإجراء انتخابات مجلس الشعب في 15 تموز/يوليو 2024، وشارك فيها العديد من الشخصيات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان. وقد ضمت قائمة الفائزين قادة ميليشيات داعمة للنظام ومشاركة مباشرة في العمليات العسكرية والأمنية ضد المدنيين، ما اعتُبر دليلاً إضافياً على سياسة الإفلات من العقاب.
وتناول التقرير أيضاً النهج المتبع من قبل النظام السوري في إعادة تعيين الشخصيات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان في مناصب قيادية مدنية وأمنية وعسكرية، بهدف تعزيز سلطته ومكافأة الشخصيات التي شاركت في قمع الحراك الشعبي وضمان بقاء النظام. وفي 23 أيلول/سبتمبر 2024، أصدر بشار الأسد مرسوماً بتشكيل حكومة جديدة برئاسة محمد غازي الجلالي، شملت 28 وزيراً، من بينهم 15 مسؤولاً على الأقل فرضت عليهم عقوبات أوروبية وأمريكية بسبب تورطهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القمع العنيف للمدنيين وجرائم الحرب. وقد حافظ بعض الوزراء على مناصبهم، مثل وزير الداخلية محمد خالد الرحمون ووزير الدفاع علي محمود عباس، اللذين توليا مناصب قيادية منذ عام 2018، ولعبا دوراً محورياً في إدارة الانتهاكات ضد المدنيين.
واستنتج التقرير أنَّ النظام السوري ما يزال يرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، تشمل التعذيب الممنهج، القتل خارج إطار القانون، والإخفاء القسري، إذ وثّقت هذه الانتهاكات باستمرار في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام. وتشير الأدلة والشهادات إلى أنَّ هذه الممارسات أصبحت جزءاً أساسياً من سياسة النظام تجاه المعتقلين، بمن فيهم اللاجئون العائدون، حيث أضحت هذه الانتهاكات نمطاً ثابتاً في سياسات النظام منذ آذار/مارس 2011، دون ظهور أي مؤشرات على التغيير. كما يستمر النظام في تجاهل قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بحل النزاع السوري، إذ يجري انتخابات شكلية ويشكل حكومات جديدة، بينما تتواصل الانتهاكات بحقِّ المدنيين والمعارضين، في خرق واضح للقرارات الدولية التي تؤكد على ضرورة تحقيق تسوية سياسية شاملة بمشاركة جميع الأطراف السورية.
وأوصى التقرير محكمة العدل الدولية بضرورة تعزيز فعاليتها في القضية السورية، باعتبار أنَّ هذه القضية تمثل اختباراً لمصداقية المحكمة وسلطتها، داعياً المحكمة إلى إصدار قرار بإجراءات مؤقتة إضافية، وطلب إصدار قرار ملزم من مجلس الأمن يطالب بوقف التعذيب الممنهج في سوريا، ويدين انتهاك النظام لقرارات المحكمة. كما أوصى مجلس الأمن بفرض عقوبات على المسؤولين السوريين المتورطين في التعذيب والاعتقال التعسفي، وإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلى جانب توصيات أخرى متعددة.