الميليشيات المحلية المرتبطة بقوات النظام السوري نفذت العديد من عمليات الاحتجاز
اللغات
متاح بالـ
بيان صحفي (لتحميل التقرير كاملاً في الأسفل):
لاهاي – قالت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ ما لا يقل عن 196 حالة احتجاز تعسفي بينهم 9 أطفال، قد تمَّ توثيقها في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وأشارت إلى أنَّ الميليشيات المحلية المرتبطة بقوات النظام السوري نفذت العديد من عمليات الاحتجاز.
التقرير، الذي جاء في 19 صفحة، أوضح أنَّ الاعتقالات التعسفية المستمرة أدت إلى زيادة كبيرة في حالات الاختفاء القسري، ما جعل سوريا واحدة من أسوأ الدول على مستوى العالم في إخفاء مواطنيها. وأضاف التقرير أنَّ النظام السوري يسيطر بشكل مطلق على السلطتين التشريعية والقضائية، مما أتاح له إصدار قوانين ومراسيم تنتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، إضافة إلى انتهاكها مبادئ الدستور السوري لعام 2012. كما أشار التقرير إلى أنَّ النظام قام بشرعنة جريمة التعذيب، رغم أنَّ الدستور وقانون العقوبات يحظران التعذيب والاعتقال التعسفي، إلا أنَّ بعض النصوص القانونية تتعارض مع ذلك، مثل القانون رقم /16/ لعام 2022، الذي يشرعن الإفلات من العقاب.
واستعرض التقرير حصيلة عمليات الاعتقال التعسفي وعمليات الإفراج من مراكز الاحتجاز، موضحاً أنَّ الحالات الموثَّقة لا تشمل عمليات الخطف التي لم يُحدد الجهة المسؤولة عنها، ولا الأشخاص المحتجزين بسبب جرائم جنائية كالمخدرات والقتل، حيث ركز التقرير على الحالات ذات الطابع السياسي أو المرتبطة بالنزاع المسلَّح. كما أشار إلى القوانين والمراسيم التي أصدرتها أطراف النزاع المتعلقة بقضايا الاعتقال والاختفاء القسري خلال الفترة المذكورة، معتمداً على منهج وصفي وتحليلي.
وفقاً للتقرير، تم توثيق 173 حالة اختفاء قسري من بين 196 حالة احتجاز تعسفي. حيث كانت 84 حالة منها على يد قوات النظام السوري، بينهم 4 أطفال. كما وثّق التقرير 36 حالة اعتقال على يد فصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني، و39 حالة على يد قوات سوريا الديمقراطية، بينهم 3 أطفال، إضافة إلى 37 حالة على يد هيئة تحرير الشام بينهم 2 طفل.
أظهر التحليل الجغرافي للبيانات أنَّ محافظة حلب سجلت العدد الأعلى من حالات الاعتقال التعسفي، تليها محافظةُ ٌإدلب ثم دير الزور ثم محافظتي دمشق وريف دمشق، تليها محافظة حماة، ثم حمص، ثم درعا. وأبرز التقرير مقارنة بين حصيلة الاعتقالات وعمليات الإفراج، حيث أشار إلى أنَّ عمليات الإفراج تمثَّل % 30وسطياً من حالات الاعتقال المسجلة، مما يعني أنَّ عمليات الاحتجاز تفوق عمليات الإفراج بشكل كبير، خاصة لدى النظام السوري، ما يعزز الاستنتاج بأنَّ الاعتقال التعسفي هو نهج مستمر لدى جميع أطراف النزاع، وخاصةً في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري.
أشار التقرير إلى رصد عمليات اعتقال/احتجاز استهدفت مدنيين في محافظات ريف دمشق ودمشق ودرعا، بذريعة التخلف عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية والاحتياطية. تمت معظم هذه الاعتقالات خلال حملات دهم جماعية أو عند نقاط التفتيش، كما شملت أشخاصاً سبق أن أجروا تسويات لأوضاعهم الأمنية. كما سجل التقرير عمليات اعتقال/ احتجاز قامت بها عناصر قوات النظام السوري وعناصر تنتمي لميليشيات/ قوات غير رسمية تتبع لقوات النظام السوري، بحقِّ مواطنين من بينهم عدد من العاملين على حافلات نقل الركاب بعد الاعتداء عليهم بالضرب والإهانة اللفظية.
أوضح التقرير أنَّ قوات النظام السوري نفذت عمليات اعتقال/احتجاز استهدفت عدداً من المدنيين لم تستثنِ الأطفال منهم أثناء محاولتهم التوجه إلى الحدود السورية اللبنانية للعبور إلى لبنان بطرق غير رسمية، وتركزت هذه الاعتقالات في محافظة حمص.
وأضاف التقرير أنَّ النظام السوري ما زال مستمراً في انتهاك قرار محكمة العدل الدولية الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، والذي صدر بناءً على طلب كندا وهولندا في إطار تطبيق اتفاقية مناهضة التعذيب. تستمر انتهاكات النظام عبر عمليات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري.
من جهة أخرى، وثَّق التقرير استمرار قوات سوريا الديمقراطية في سياسة الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري، حيث نفذت حملات دهم جماعية استهدفت مدنيين بذريعة محاربة خلايا تنظيم داعش. بعض هذه العمليات تمت بدعم من مروحيات التحالف الدولي. كما تم رصد اعتقالات طالت مدنيين بتهمة التعامل مع الجيش الوطني، وأخرى استهدفت مدنيين بهدف اقتيادهم إلى معسكرات التدريب والتجنيد التابعة لقوات سوريا الديمقراطية. أشار التقرير أيضاً إلى استمرار خطف الأطفال من قبل قوات سوريا الديمقراطية، حيث يتم تجنيدهم قسرياً في معسكراتها، مع منع عائلاتهم من التواصل معهم أو معرفة مصيرهم.
بحسب التقرير، شهد شهر تشرين الثاني/نوفمبر عمليات احتجاز قامت بها هيئة تحرير الشام استهدفت مدنيين، وتركزت هذه العمليات في محافظة إدلب وبعض مناطق ريف حلب الخاضعة لسيطرتها. شملت الاعتقالات نشطاء إعلاميين وسياسيين ووجهاء محليين، وكان معظمها بسبب انتقادهم لسياسات الهيئة في إدارة المناطق التي تسيطر عليها. تمت عمليات الاحتجاز بطريقة تعسفية، عبر مداهمات واقتحام المنازل، حيث تم تكسير الأبواب وخلعها، أو من خلال خطف الأشخاص من الطرقات أو نقاط التفتيش المؤقتة. سجل التقرير أنَّ معظم هذه العمليات جاءت ضمن حملات دهم جماعية، أو عند نقاط التفتيش التابعة للهيئة في محافظة إدلب، حيث استهدفت أشخاصاً على خلفية مشاركتهم في المظاهرات المناهضة للهيئة. كما وثَّق التقرير اعتقالات استهدفت أشخاصاً على خلفية انتمائهم لحزب التحرير الإسلامي المعارض للهيئة، وتركزت هذه الاعتقالات في محافظة إدلب.
من جهة أخرى، قامت فصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني بتنفيذ عمليات اعتقال تعسفي وخطف لم تستثنِ النساء، حيث تركزت هذه العمليات بشكل جماعي واستهدفت قادمين من مناطق سيطرة النظام السوري أو قوات سوريا الديمقراطية. رصد التقرير حالات اعتقال ذات طابع عرقي، تركزت في مناطق سيطرة الجيش الوطني في محافظة حلب، وغالباً ما تمت هذه الاعتقالات دون إذن قضائي، ودون مشاركة جهاز الشرطة المخوَّل قانونياً بتنفيذ عمليات الاعتقال. أشار التقرير إلى اعتقالات استهدفت مدنيين بذريعة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، خاصة في قرى تابعة لمدينة عفرين في محافظة حلب. كما سجل التقرير عمليات اعتقال استهدفت نازحين عادوا إلى منازلهم في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني، وتركزت في مدينة عفرين.
الإفراجات:
على صعيد الإفراجات، وثَّق التقرير إفراج النظام السوري عن 13 شخصاً، بينهم 4 أطفال. حالة واحدة فقط كانت مرتبطة بقانون العفو 7/2022 الصادر عن النظام السوري، فيما تم الإفراج عن 4 أشخاص آخرين من مراكز الاحتجاز في محافظة دمشق بعد انتهاء مدة حكمهم التعسفي. هؤلاء الأشخاص كانوا قد قضوا قرابة ثلاثة أعوام في مراكز الاحتجاز، ولم يرتبط الإفراج عنهم بأي مراسيم عفو سابقة. بالإضافة إلى ذلك، سجل التقرير الإفراج عن 8 أشخاص بينهم 4 أطفال، بعد أيام قليلة من اعتقالهم دون أن يتم تقديمهم للمحاكمة. معظم المفرج عنهم كانوا من أبناء محافظتي دمشق ودرعا، وقد أمضى معظمهم مدة احتجازهم في الأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري.
وفقاً للتقرير، أفرجت قوات سوريا الديمقراطية عن 8 أشخاص من مراكز الاحتجاز التابعة لها، تراوحت مدة احتجازهم عدة أيام حتى خمس أعوام، وكان معظمهم من أبناء محافظتي دير الزور وحلب.
كما وثَّق التقرير إفراج هيئة تحرير الشام عن 11 شخصاً بينهم 2 طفل من مراكز الاحتجاز التابعة لها في محافظة إدلب، حيث تراوحت مدة احتجازهم بين عدة أيام إلى ثلاثة أشهر، دون توجيه تهم واضحة لهم.
من جهة أخرى، أفرجت فصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني عن 4 أشخاص، من مراكز الاحتجاز التابعة لها. تراوحت مدة احتجازهم عدة أيام دون تقديمهم لمحاكمات أو توجيه تهم واضحة لهم. وأشار التقرير إلى أنَّ الإفراج عن معظمهم جاء بعد ابتزاز ذويهم مالياً مقابل إطلاق سراحهم.
أفاد التقرير بأنَّ الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان أصبحت مصدراً موثوقاً للعديد من هيئات الأمم المتحدة، حيث استندت إليها عدة قرارات دولية، من بينها مشروع قرار حالة حقوق الإنسان في سورياA/C.3/78/L.43 ، الذي تم التصويت عليه في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023. وقد أدان القرار استمرار النظام السوري في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة، وأكد أنَّ عدد المعتقلين تعسفياً بلغ أكثر من 135,000، مشيراً إلى مسؤولية النظام عن الاختفاء القسري المنهجي، والذي يصنف كجريمة ضد الإنسانية.
أوضح التقرير أنَّ قضية المعتقلين والمختفين قسراً لم تشهد أي تقدم يُذكر رغم إدراجها في العديد من قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، مثل خطة كوفي عنان وبيان وقف الأعمال العدائية في شباط/فبراير 2016، وقرار مجلس الأمن رقم (2254 (في كانون الأول/ديسمبر 2015.
أكد التقرير أنَّ النظام السوري لم يلتزم بأي من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنَّه خرق عدة مواد في الدستور السوري. فقد استمر في توقيف مئات الآلاف من المعتقلين دون مذكرات اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تهم لهم، مع حرمانهم من توكيل محامين أو تلقي زيارات عائلية. وحوَّل % 68 من هؤلاء المعتقلين إلى مختفين قسرياً دون إبلاغ عائلاتهم بمكان احتجازهم.
وأشار التقرير إلى أنَّ النظام السوري لا يزال مستمراً في عمليات التعذيب والاحتجاز التعسفي، ولم يُظهر أي تجاوب مع قرار التدابير المؤقتة الصادر عن محكمة العدل الدولية في تشرين الثاني/نوفمبر 2023. كما أضاف التقرير أنَّ النظام لا يزال يحتجز 136,614شخصاً تحت ظروف الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري، ما يؤكد استمرار انتهاكه لاتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها سوريا في عام 2004.
أشار التقرير أيضاً إلى أنَّ قوات سوريا الديمقراطية، وهيئة تحرير الشام، وفصائل المعارضة المسلحة/الجيش الوطني كلها ملزمة بتطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان، ورغم ذلك ارتكبت انتهاكات واسعة عبر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري.
اختتم التقرير بتوجيه توصيات إلى مجلس الأمن الدولي بضرورة متابعة تنفيذ قراراته السابقة 2042)، 2043، 2139)، كما طالب بتشكيل لجنة أممية حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري في سوريا، والعمل على الكشف عن مصير 112,000 مختفٍ، 85 % منهم لدى النظام السوري. كما أكد التقرير على أهمية الضغط الدولي للكشف عن سجلات المعتقلين، والسماح للمنظمات الإنسانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة أماكن الاحتجاز. كذلك، شدد التقرير على ضرورة إطلاق سراح الأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة، والتوقف عن استخدام المعتقلين كرهائن حرب.