اللغات
متاح بالـ
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم، الذي تناول أبرز حالات الاعتقال التَّعسفي والاختفاء القسري في سوريا، إنَّ ما لا يقل عن 95056 شخصاً لا يزالون قيد الاختفاء القسري على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار/ 2011 حتى آب/ 2018.
واحتوى التقرير 39 لوحة تمَّ رسمها لأشخاص بارزين في الحراك الشعبي نحو الديمقراطية تعرَّضوا للاعتقال أو الاختفاء القسري من قبل مختلف أطراف النزاع، ومعظمهم أُخفيَ من قبل النظام السوري، وهذه اللوحات سوف يتم عرضها في معارض تجوب عدة دول في العالم.
ولجأ التقرير إلى جانب الفنِّ لتجسيد قضية المعتقلين والمختفين قسرياً والتَّذكير بمعاناتهم، وذلك في اختلاف نوعي عمَّا
قامت به الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ ثمانية سنوات من إصدار تقارير ودراسات ورسومات بيانية.
قال فضل عبد الغني رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“نحاول أن نُسلِّط الضوء وأن نُحيَي قضية المعتقلين دائماً، ونسعى لأن يصل عدد اللوحات إلى 100 لوحة، هذه مجرد خطوة أولى، ونهدف إلى حشد تأييد جماهيري وسياسي ونقل اللوحات إلى عدد من دول العالم وإشراك حكومات تلك الدول في تحمُّل مسؤولياتها وكسب صوتها لكي يظلَّ ملف المعتقلين حاضراً، ولإحراز تقدم في مجال الكشف عن مصيرهم والإفراج عنهم”
وذكر التقرير أنَّ النِّظام السوري كان أوَّل أطراف النّزاع ممارسة للاعتقال التعسفي بشكل ممنهج ضدَّ مختلف أطياف الشَّعب السوري، حيث اتبع أساليب مافيوية، ونفَّذ معظم حوادث الاعتقال من دون مذكرة قضائية لدى مرور الضحية من نقطة تفتيش أو أثناء عمليات المداهمة، وبحسب التَّقرير فإنَّ المعتقل يتعرَّض للتّعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرَم من التواصل مع عائلته أو محاميه. كما تُنكر السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التَّعسفي ويتحوَّل معظم المعتقلين وبنسبة تفوق الـ 85 % إلى حالات اختفاء قسري، وهذا التَّصرف وفقاً للتَّقرير هو أمر مقصود ومُخطط له بشكل مركزي من قبل النظام السوري.
وجاء في التقرير أنَّ النظام السوري لجأ إلى استخدام التَّعذيب داخل مراكز الاحتجاز منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي، وتمت عمليات التَّعذيب بشكل مدروس ومُعمَّم على مراكز الاحتجاز كافة في سوريا مُشيراً إلى أن الجرائم المرتكبة ضدَّ المعتقلين اندرجت ضمن سلسلة متواصلة الشدة، يُعتبر التَّعذيب الوحشي فيها أخطر جريمة خاصة عندما تُمارس بهدف إلحاق أذى خطير بالجسم أو إحداث آلام شديدة بدوافع متعددة، إما بغرض انتزاع المعلومات أو الانتقام أو بثِّ الخوف في صفوف بقية المعتقلين.
وأكَّد التقرير أنَّ النِّظام السوري يُنكر وقوع عمليات التعذيب أو وفيات داخل مراكز احتجازه، على الرغم من إصداره مؤخراً مئات من شهادات الوفاة لمختفين قسرياً قد كانوا محتجزين لديه، وتُشير شهادات الوفاة إلى أنهم ماتوا بسبب أزمات قلبية أو توقف تنفس مفاجئ، من دون أن تُقدَّم للأهل أية معلومات إضافية حول ظروف وفاة المختفي، ومن دون الحصول أيضاً على التقرير الطبي، أو تسليم جثمانه أو حتى إخبار الأهل بمكان الدفن.
ونوَّه التقرير إلى أنَّ النظام السوري انتهك الدستور السوري لعام 2012 لا سيما الفقرة الثانية من المادة 53، إضافة إلى انتهاكه المادة 391 من قانون العقوبات السوري.
وعلى الرغم من سنِّ هذه القوانين التي تمنع التَّعذيب وتعاقب مُرتكبيه، إلا أنَّ التقرير أكَّد أنَّ العمل لا يزال مستمراً حتى الآن بالمادة 16 من القانون 14 لعام 1969، التي بموجبها تُعطى حصانة لرجال الأمن في حال ارتكابهم جرائم، إذ لا تجوز ملاحقتهم إلا بموافقة القائد المسؤول عنهم .ومن خلال هذه الحصانة حتى اليوم وعبر تاريخ المحاكم السورية لم يصدر أي حكم بالإدانة لأي عنصر أمن على ممارسته التعذيب ما يُشكل طبقاً للتقرير انتهاكاً صارخاً لكل القوانين الدولية والوطنية ولاتفاقية مناهضة التَّعذيب التي وقَّعت عليها الحكومة السورية.
أكَّد التقرير أنَّ النظام السوري لم يفي بأيٍّ من التزاماته في أيٍّ من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، بشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما أنَّه أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه مُشيراً إلى أنَّ النظام السوري استهدف باستراتيجية الإخفاء القسري كل من له علاقة بالحراك الشعبي المناهض لحكم العائلة، حيث انتشرت هذه الظاهرة في المناطق التي تميَّزت بذلك، وهذا يدلُّ على سياسة ونهج مُتَّسق ومدروس، بما في ذلك الكشف الذي حصلَ مؤخراً عن مصير مختفين قسرياً، فقد تمَّ على نحو مخطَّط بشكل دقيق، وإنَّ تناغم عمل مؤسسات الدولة بما يخدم المشاركة في الفعل الإجرامي أمر واضح الدلالة من خلال اعتقال أشخاص داعمين للحراك الشعبي، ثم إخفائهم قسرياً، ثم إصدار شهادات وفاة لا تحمل معلومات عن سبب الوفاة ولا مكانها.
وجاء في التَّقرير أن الاختفاء القسري محظور بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي (القاعدة رقم 98 والقاعدة رقم 117) وأيضاً بموجب القانون الجنائي الدولي (المادة 7-1.ط).
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بعقد اجتماع طارئ لمناقشة هذا الشأن الخطير الذي يُهدد مصير قرابة 82 ألف شخص، ويُرهب المجتمع السوري بأكمله، كما طالبه بإيجاد طرق وآليات لمنع النظام السوري من التلاعب بالأحياء والأموات.
وأكَّد التقرير على أهمية أن يتَّخذ مجلس الأمن خطوات لإيقاف عمليات التعذيب والموت بسبب التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، وإنقاذ من تبقى من المعتقلين في أسرع وقت وشدَّد على ضرورة اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لحماية المعتقلين من الموت داخل مراكز الاحتجاز.
كما حثَّ التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان على إصدار بيان إدانة وتوضيح لهذا الخرق الفاضح لأبسط معايير الكرامة الإنسانية وعلى إعداد تقرير موسَّع حول هذه الظاهرة البربرية وإدانتها.
وطالب التقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بالبدء في التَّحقيق في ظاهرة الاعتقال والإخفاء القسري؛ مشيراً إلى استعداد الشبكة السورية لحقوق الانسان للتَّزويد بجميع التفاصيل والمعلومات الإضافية.
كما طالب النظام السوري باالتَّوقف عن إرهاب المجتمع السوري عبر عمليات الإخفاء القسري والتعذيب والموت بسبب التعذيب والتلاعب بالسِّجلات المدنية وتسخيرها لخدمة أهداف العائلة الحاكمة وتحمُّل التَّبعات القانونية والمادية كافة، وتعويض الضحايا وذويهم من مقدرات الدولة السورية.