أولاً: مقدمة ومنهجية:
إنَّ عمليات القصف وبالتالي القتل والتدمير الممنهج التي يقوم بها النظام الحاكم يبدو أنها تهدف بشكل رئيس إلى إفشال إنشاء أي نموذج يُقدِّم بديلاً عن النظام الحاكم، كما تؤدي إلى نزوح السكان من مناطق تُسيطر عليها المعارضة إلى مناطق سيطرته التي تحظى عملياً بأمان نسبي.
إذا كان مجلس الأمن عاجزاً عن إلزام أطراف النزاع بتطبيق القرار رقم 2139 الصادر عنه بتاريخ 22/ شباط/ 2014، والقاضي بوضع حد “للاستخدام العشوائي عديم التميِّيز للأسلحة في المناطق المأهولة، بما في ذلك القصف المدفعي والجوي، مثل استخدام “البراميل المتفجرة”، فلا أقلَّ من أن يقوم مجلس الأمن بالحدِّ الأدنى من الضغط على قوات النظام السوري بشكل رئيس لإيقاف الاعتداء على مراكز التَّجمعات الحيوية، كالمدارس والمشافي، والأسواق، والمخابز، واﻷماكن الدينية.
شهدت مدينة الأستانة عاصمة كازاخستان على مدار يومين (3 – 4/ أيار/ 2017) الجولة الرابعة من المفاوضات بين ممثلين عن روسيا وتركيا وإيران كدولٍ راعيةٍ لاتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار، واتفقت الدول الثلاث على إقامة أربع مناطق لخفض التَّصعيد على أن يدخل الاتفاق حيِّز التَّنفيذ في 6/ أيار/ 2017، حدَّد الاتفاق 4 مناطق رئيسة لخفض التصعيد في محافظة إدلب وما حولها (أجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية)، وشمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، وأجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، على أن يتم رسم حدودها بدقة من قبل لجنة مُختصة في وقت لاحق. يشمل الاتفاق وقف الأعمال القتالية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وعودة الأهالي النازحين إلى تلك المناطق، ومنذ دخول هذا الاتفاق حيِّزَ التنفيذ شهدت هذه المناطق خصوصاً تراجعاً ملحوظاً وجيداً نسبياً في معدَّل القتل، مقارنة مع الأشهر السابقة منذ آذار 2011 حتى الآن.
لكن على الرغم من كل ذلك فإن الخروقات لم تتوقف، وبشكل رئيس من قبل النظام السوري، الذي يبدو أنه المتضرر الأكبر من استمرار وقف إطلاق النار، وخاصة جرائم القتل خارج نطاق القانون، والأفظع من ذلك عمليات الموت بسبب التعذيب، وهذا يؤكد وبقوة أن هناك وقفاً لإطلاق النار فوق الطاولة نوعاً ما، أما الجرائم التي لا يُمكن للمجتمع الدولي -تحديداً للضامنين الروسي والتركي والإيراني- أن يلحظَها فهي مازالت مستمرة لم يتغير فيها شيء.
سجلنا في حزيران المنصرم انخفاضاً في حصيلة اعتداءات قوات النظام السوري على المراكز الحيوية المدنية مقارنة بالأشهر السابقة لاتفاق خفض التصعيد، في حين لم نسجل في هذا الشهر أي حادثة اعتداء على يد القوات الروسية للمرة الأولى منذ تدخلها في سوريا في 30/ أيلول/ 2015، كما استمرت قوات التَّحالف الدولي في حملتها الشرسة على المناطق الشرقية من سوريا والتي غدت أشدَّ كثافة وتدميراً للمراكز الحيوية المدنية منذ شباط 2017، فجاءت في المرتبة الثانية بعد قوات النظام السوري في ارتكابها حوادث الاعتداء على المراكز الحيوية المدنية في حزيران.