النظام السوري أسوأ نظام في العالم في استخدام الذخائر العنقودية؛ ما تسبب في إعاقة آلاف السوريين
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنها وثَّقت قرابة 457 هجوماً للنظامين السوري والروسي باستخدام الذخائر العنقودية، 24 منها وقعت بعد اتفاق سوتشي – أيلول 2018، وأكَّد التقرير أنَّ النظام السوري أسوأ نظام في العالم في استخدام الذخائر العنقودية.
ذكر التَّقرير الذي جاء في 15 صفحة أنَّ النظام السوري استخدم مختلف أنواع الأسلحة التي كانت بحوزة مؤسسة الجيش السوري ضدَّ الأفراد والأحياء والمناطق التي عبَّرت عن رغبتها في الانتقال بنظام الحكم في سوريا من حكم العائلة نحو نظام تعددي مُنتخب بصورة ديمقراطية، وكانت الذخائر العنقودية من أبرز أصناف الأسلحة التي استخدمت على نحوٍ كثيف ومكرَّر، ولم يحظَ هذا الاستخدام بالقدر اللازم من الإدانة والاهتمام، على الرغم من الكمِّ الهائل الذي خلَّفته الذخائر العنقودية من ضحايا في سوريا.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“إنَّ استخدام النظام السوري وحليفه الروسي للذخائر العنقودية ينتهك بشكل صارخ قواعد عدة في القانون الدولي الإنساني، فطبيعة هذه الذخائر لا تميِّز بين مدني ومقاتل، فكيف إذا كان استخدام النظام السوري موجَّه أساساً نحو مناطق سكنيَّة ومدنيَّة، يتوجب على اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة العمل بشكل فعال لمساعدة آلاف السوريين ضحايا استخدام الذخائر العنقودية طبياً ونفسياً، والأهم إيجاد آلية لمنع استخدامها مجدداً”.
تضمَّن التقرير إشارة إلى قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي تضمُّ تقارير توثِّق هجمات بذخائر عنقودية شنَّها الحلف السوري الروسي، وتتضمَّن تفاصيل الحوادث التي تم توثيقها، مثل توقيت الهجوم ومكانه، وحصيلة الضحايا من قتلى ومصابين، وأنماط الذخائر المستخدمة وتواصل مع شهود عيان، ومع ناجين من الحوادث، ومجموعة ضخمة من الصُّور والفيديوهات، وغير ذلك من الأدلة:
وسلِّط التَّقرير الضوء على واقع استخدام الذَّخائر العنقودية في منطقة إدلب لخفض التَّصعيد -التي تضمُّ محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية- من قبَلِ قوات الحلف السوري الروسي منذ اتفاق سوتشي في 17/ أيلول/ 2018، ومدى تأثير ذلك على حياة السكان في تلك المناطق، كما تضمَّن التقرير حصيلة استخدام الذخائر العنقودية من قبل قوات الحلف السوري الروسي منذ أوَّل استخدام موثَّق لها في تموز/ 2012 حتى 10/ نيسان/ 2019.
واستعرَض التقرير ثلاث شهادات تمَّ الحصول عليها عبر حديث مباشر مع الشهود وليست مأخوذة من مصادر مفتوحة وجرى التمييز قدر الإمكان بين هجمات النِّظام الروسي والنظام السوري وفي الهجمات التي لم يتم تحديدَ هوية مُنفِّذها تم إسناد المسؤولية إلى الحلف السوري الروسي.
وتناولَ التقرير طبيعة الذخائر العنقودية، التي تمثل أسلحة مجوَّفة مُصممة لتنفجر في الهواء وتنثر أعداداً كبيرة من الذَّخائر الصغيرة المتفجرة على مساحة واسعة وتكمن خطورتها في الآثار المترتبة عليها، التي تتجاوز حقبة الحروب والنزاعات، فإضافة إلى الضحايا الذين يقتلون بفعل انفجار الذخائر العنقودية وقت الهجوم فإنَّ هناك قرابة 10 – 40 % من هذه الذخائر يبقى ولا ينفجر، وتتحوَّل إلى ما يُشبه الألغام الأرضية، التي تؤدي إلى قتل أو تشويه المدنيين، حيث تخترق مئات الشظايا جسم المصاب، وقد تؤدي إلى بتر أعضاء في الجسم، وتمزيق الخلايا والشرايين.
وأشار التقرير إلى أنَّ هذه المخلفات التي لا تزال منتشرة على نحوٍ كثيف في سوريا تُشكِّل عائقاً كبيراً أمام عمليات عودة النَّازحين وتحرُّك عمال الإغاثة والدفاع المدني وآلياتهم، وتُشكِّل خطراً على عملية إعادة الإعمار والتنمية.
سجَّل التقرير ما لا يقل عن 457 هجوماً بذخائر عنقودية منذ أول استخدام موثَّق لها في تموز/ 2012 حتى 10/ نيسان/ 2019، النظام السوري نفَّذ 216 منها، فيما نفَّذت القوات الروسية 233، ووقعت 8 هجمات على يد قوات روسية/ سورية دون أن يحدد التقرير المسؤول عنها بدقة، وبحسب التقرير فقد تسبَّبت تلك الهجمات في مقتل 955 مدنياً بينهم 345 طفلاً و205 سيدة (أنثى بالغة) إثرَ هجمات بذخائر عنقودية شنَّها الحلف السوري الروسي. كما تسبَّبت في إصابة قرابة 4200 مدني، عدد كبير منهم تعرَّض لبتر في الأطراف ويحتاجون أطرافاً صناعية وسلسلة من عمليات إعادة التَّأهيل والدَّعم.
كما ذكر التقرير أنَّ ما لا يقل عن 357 مدنياً بينهم 107 طفلاً و31 سيدة (أنثى بالغة) قتلوا إثر انفجار ذخائر فرعية تعود إلى هجمات سابقة بذخائر عنقودية.
وقدم التقرير لمحة عن واقع استخدام الذخائر العنقودية في ظلِّ اتفاق سوتشي الذي نجح بشكل مرحلي في وقف الهجمات بالذخائر العنقودية، حيث لم يتم تسجيل أي هجوم باستخدامها منذ دخول الاتفاق حيِّز التنفيذ في 17/ أيلول/ 2018 حتى شباط/ 2019 مُشيراً إلى تغيُّر في السياسة التي اتَّبعها النظام السوري عقبَ انتهاء القمة الثلاثية الرابعة التي جمعت رؤساء دول تركيا وإيران وروسيا في مدينة سوتشي في 14/ شباط/ 2019، حيث تصاعدت عمليات القتل والقصف التي استهدفت قرى وبلدات بعيدة عن خط التماس وقد شمل التَّصعيد الذي اتبعه النظام السوري تصاعداً في شنِّ هجمات بذخائر عنقودية.
وسجَّل التقرير ما لا يقل عن 24 هجوماً بذخائر عنقودية منذ 17/ أيلول/ 2018 حتى 10/ نيسان/ 2019، 23 منها على يد قوات النظام السوري، وهجوم واحد شنَّته القوات الروسية، وقد تسبَّبت هذه الهجمات في مقتل ما لا يقل عن 34 مدنياً بينهم 8 طفلاً و6 سيدة (أنثى بالغة)، وإصابة ما لا يقل عن 137 مدنياً وأوضحَ التقرير أنَّ ما لا يقل عن 7 مدنيين بينهم 4 أطفال قد قتلوا في المدة ذاتها إثرَ انفجار ذخائر فرعية تعود إلى هجمات سابقة بذخائر عنقودية.
طبقاً للتقرير فإنَّ استخدام الذخائر العنقودية من قبل قوات النظام السوري في منطقة إدلب قد لا يندرج ضمن إطار عمليات تقدم عسكري قريب الأجل، وإنما الهدف منه هو شلُّ حركة الحياة تماماً في المناطق التي تتعرض للقصف، إذ لن يكون بوسع المدنيين الذين يقطنون في المناطق التي تعرضت للهجمات العنقودية أن يعيشوا في أمان إلا بعد تحديد المناطق الملوَّثة بالمخلفات في منازلهم وأراضيهم الزراعية وأسواقهم وتطهيرها من الذخائر الصغيرة المميتة الناجمة عن القنابل العنقودية، وهذا بالطبع يُشكِّل عبئاً على المنظمات المحلية، التي تُعنى بمثل هده الخدمات ويتطلَّب ذلك تمويلاً وخبرة تخصصية في هذا المجال.
وذكر التقرير وقوع ما لا يقل عن 16 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية إثرَ هجمات بذخائر عنقودية منذ17 / أيلول/ 2018 حتى 10/ نيسان/ 2019 مُشيراً إلى أن ذلك ساهم في زيادة معاناة المدنيين والتضييق عليهم، ودفعتهم الهجمات المتكررة إلى النزوح من قراهم وبلداتهم.
وبحسب التقرير فقد اتَّسمت الآونة الأخيرة تحديداً منذ شباط/ 2019 باستخدام النظام السوري المكثَّف لذخائر عنقودية من نوعBM-30 SMERCH و BM-27 URGAN وغالباً ما قد تم استخدام هذه الأنماط تحديداً (9M55K – 9M27K – 9M27K1)، التي يتم إطلاقها من منصات ثابتة، وتمتاز هذه الذخائر بأنَّ شظاياها الفرعية التي يمكن أن تكون من نوعين هما9N235 – 9N210 قادرة على التشظي إلى مئات القطع المعدنية؛ ما يزيد من خطر استخدامها في مناطق مأهولة بالسكان وترتفع معها حصيلة الضحايا والمصابين ونوعية الإصابات.
أكَّد التقرير أنَّ استخدام قوات النظام السوري بقيادة الفريق بشار الأسد، وكذلك القوات الروسية لذخائر عنقودية يُعتبر انتهاكاً لكلٍّ من مبدأي التمييز والتناسب في القانون الدولي الإنساني، ويُعتبر بمثابة جريمة حرب مشيراً إلى أنَّ استخدام الذخائر العنقودية قد تم من قبل قوات النظام السوري، وضدَّ أهداف مدنيَّة، ولم توجَّه إلى غرض عسكري محدَّد، وتُشكِّل بالتالي جرائم حرب.
طالب التقرير مجلس الأمن بإصدار قرار خاص بحظر استخدام الذخائر العنقودية في سوريا على غرار حظر استخدام الأسلحة الكيميائية ويتضمَّن نقاط لكيفية نزع مخلفات تلك الأسلحة الخطيرة والتَّدخل المباشر والعاجل لحماية الشعب السوري من اعتداءات السلطة الحاكمة، التي تُشكِّل جرائم حرب.
وأوصى التقرير مجلس حقوق الإنسان ولجنة التَّحقيق الدولية COI بإصدار بيان يُدين استخدام الحلف السوري الروسي للذَّخائر العنقودية وإعداد دراسات واسعة حول المواقع التي استخدمت فيها قوات الحلف السوري الروسي القنابل العنقودية من أجل تحذير أهالي تلك المناطق والإسراع في عمليات إزالة المتفجرات التي لم تنفجر.
كما طالب الحكومة الروسية بالتَّوقف الفوري عن إنتاج الذخائر العنقودية واستخدامها في سوريا، والبدء بتدمير مخزونها والانضمام إلى معاهدة حظر استخدام الذخائر العنقودية. ونشر خرائط تفصيلية بالمواقع التي شنَّت فيها هجمات بالذخائر العنقودية، وتزويد الأمم المتحدة بها وإطلاع المجتمع السوري عليها، وهذا يُيسر عمليات إزالة المخلفات التي لم تنفجر بعد.
وأخيراً حثَّ المفوضية السامية لحقوق الإنسان على إدانة الاستخدام الواسع والمفرط للذخائر العنقودية ضدَّ المدنيين في منطقة إدلب، وتوجيه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي في هذا الخصوص.