بعد فشل مجلس الأمن في حماية المدنيين لا بد من تحالف دولي خارج مجلس الأمن لحماية المشافي
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إن قوات الحلف السوري الروسي استهدفت 24 منشأة طبية في منطقة خفض التصعيد الرابعة في غضون أربعة أسابيع ودعت إلى تشكيل تحالف دولي خارج مجلس الأمن لحماية المشافي.
وبحسب التقرير الذي جاء في 22 صفحة فقد ساهم ضعف آليات الأمم المتحدة عن إلزام النظام السوري بوقف قصف المشافي والمنشآت المشمولة بالرعاية من جهة، وعجز مجلس الأمن عن التَّحرك بسبب الفيتو الروسي من جهة ثانية، وأخيراً عدم تشكل تحالف دولي مسؤول عن حماية المدنيين والمراكز الطبية والمدنية، ساهم كل ذلك في استمرار النظام السوري وحلفائه في خطته البربرية في البدء بقصف المراكز الطبية.
وذكر التقرير أن قوات الحلف السوري الروسي الإيراني هي المرتكب الأبرز لانتهاكات قصف المنشآت الطبية وبشكل رئيس بسبب استخدام سلاح الطيران؛ الأمر الذي تسبَّب في تدمير جزئي أو كلي للمراكز الطبية والمستشفيات الميدانية، والمعدات الطبية وبالتالي في إغلاق مرافق الرعاية الصحية بشكل مؤقت أو دائم.
وجاء في التقرير أنَّ منطقة إدلب لخفض التَّصعيد (المؤلفة من محافظة إدلب وأجزاء من محافظات حماة وحلب واللاذقية) شهدت تصعيداً عسكرياً متكرراً منذ دخول اتفاق سوتشي حيِّزَ التَّنفيذ في 17/ أيلول/ 2018، وتسبَّبت هذه الحملات العسكرية بحسب التقرير في مقتل ما لا يقل عن 701 مدنياً، بينهم 201 طفلاً، و131 سيدة (أنثى بالغة) على يد قوات الحلف السوري الروسي، وتشريد قرابة مليون مدني، نزح مئات الآلاف منهم غيرَ مرة.
ونوَّه التقرير إلى أنَّ منطقة إدلب شهدت منذ 26/ نيسان/ 2019 حملة عسكرية هي الأعنف منذ اتفاق سوتشي، وقد تسبَّبت هذه الحملة حتى 24/ أيار/ 2019 في مقتل ما لا يقل عن 265 مدنياً، بينهم 64 طفلاً، و50 سيدة وتشريد ما لا يقل عن 195 ألف نسمة، وذكر التقرير أنَّ هذا التَّصعيد شملَ ارتفاعاً في وتيرة عمليات الاعتداء على المراكز الحيوية المدنية وبشكل خاص المراكز الطبية؛ ما اضطرَّ إدارة معظم المراكز إلى تعليق عملها، وبشكل خاص بعد أن أوقف عدد كبير من الدول والمانحين تمويل المنظمات في الجزء الخاضع لسيطرة هيئة تحرير الشام المصنفة كجهة إرهابية.
أضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لا يمكن للإنسانية أن تقبل كل هذا الكم من الحقد والاعتداء على مراكز تُقدِّم خدمات طبية لجرحى أو مصابين، إن هذا الاستهداف المتواصل لم يعد يُشكِّل اعتداء على الشعب والمجتمع السوري وحده، إنه جرائم ضدَّ الإنسانية جمعاء، وسوف يُشجع مجرمين ودكتاتوريات على استنساخ تجربة النظام السوري في الاعتداء على الإنسانية على هذا النَّحو البشع، يجب التَّحرك العاجل من قبل تحالف دولي حضاري خارج مجلس الأمن لوقف الانتهاكات الصارخة والمتكررة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان”.
سلَّط التقرير الضوء على اعتداءات قوات الحلف السوري الروسي على المنشآت الطبية في منطقة إدلب التي وقعت في ظلِّ الحملة العسكرية الأخيرة على المنطقة منذ 26/ نيسان حتى 24/ أيار/ 2019.
وتشمل حصيلة حوادث الاعتداء التي وردت في التقرير عمليات القصف التي استهدفت منشآت طبية ولم يكن بالقرب منها مقرات أو معدات عسكرية وعمليات قصف المنشآت الطبية التي تم تعليق عملها خشية تعرُّضها للقصف؛ ونظراً لنزوح أهالي المنطقة مُشيراً إلى أنه قد تتعرض المنشأة الطبية الواحدة لأزيدَ من اعتداء واحد، وكل حادثة اعتداء توثَّق على أنها انتهاك.
تضمَّن التقرير سبع روايات، إضافة إلى تحليل المقاطع المصوَّرة والصور، التي أظهرت موقع الهجمات وحجم الدمار الكبير الذي لحق بالمراكز الحيوية الطبية إثرَ الاعتداءات التي تعرَّضت لها من قِبَلِ قوات الحلف السوري الروسي.
ووفقاً للتَّقرير فقد ارتكب النظام السوري على مدى ثماني سنوات جرائم وانتهاكات فظيعة بحق المدنيين السوريين، ولم يستجب لأي من مطالب لجنة التحقيق الدولية بشأن الجمهورية العربية السورية، ولا مطالب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ولا حتى قرارات مجلس الأمن، وكان يفترض بمجلس الأمن أن يتَّخذ تدابير جماعية ويتحرك بموجب المادتين 41 و42 من ميثاق الأمم المتحدة، لكنه فشل أيضاً بسبب الحصانة التي منحتها روسيا للنظام السوري، كما أنَّها لم تُحجم عن استخدام حق النقض في حالة النظام السوري، الذي ليس فقط لم يلتزم بمسؤولية حماية المدنيين، بل هو من ارتكب أفظع الانتهاكات بحقهم، وصلت مرتبة جرائم ضدَّ الإنسانية، وإبادة داخل مراكز الاحتجاز عبر عمليات التعذيب.
وبحسب التقرير فإنَّ ما يحصل في سوريا ليس مجزرة واحدة أو انتهاك واحد بل هو استمرار في عمليات القتل والتعذيب، والعنف الجنسي، والإخفاء القسري، واستخدام الأسلحة الكيميائية، والبراميل المتفجرة، وحصار المدنيين واقتبس التقرير ما ذكرته اللجنة الدولية المعنية بالتَّدخل وسيادة الدول في تقريرها المنشور في كانون الأول 2001، الذي جاء فيه: “إنْ تخلَّف مجلس الأمن عن الوفاء بمسؤوليته في أوضاع تهز الضمير وتستصرخ النجدة فسيكون من غير المعقول أن نتوقع من الدول المعنية أن تستبعد استخدام وسائل أخرى أو اتخاذ أشكال أخرى من التدابير للتصدي لخطورة وإلحاح هذه الأوضاع”
وثَّق التقرير ما لا يقل عن 39 حادثة اعتداء على منشآت طبية من قبل قوات الحلف السوري الروسي في منطقة خفض التصعيد الرابعة منذ 17/ أيلول/ 2018 حتى 24/ أيار/ 2019 وقع 29 منها في ظلِّ الحملة العسكرية الأخيرة، النظام السوري كان مسؤولاً عن 15 حادثة منها، في حين نفَّذت القوات الروسية 14 حادثة كما تسبَّب التصعيد العسكري الأخير على منطقة خفض التصعيد الرابعة في مقتل ما لا يقل عن 4 من الكوادر الطبية منذ 26/ نيسان حتى 24/ أيار/ 2019، جميعهم قتلوا على يد قوات النظام السوري.
وبحسب التقرير فإنَّ هذه الحوادث تسبَّبت في تضرُّر ما لا يقل عن 24 منشأة طبية 6 منها مدرجة ضمن آلية التحييد التي ابتكرَها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHAفي أيلول/ 2014 وتقوم الآلية بإعلام قوات التحالف الدولي وروسيا وتركيا والمجموعة الدولية لدعم سوريا بالمواقع الإنسانية الثابتة والمهام الإنسانية المتحركة للتَّخفيف من مخاطر استهدافهم، وطبقاً للتقرير لم تُقدِّم هذه الآلية شيئاً يُذكر في حماية المراكز الطبية، بل ربما ساهمت في توفير معلومات إلى القوات الروسية التي استخدمتها في قصف المراكز الطبية لاحقاً.
وجاءَ في التقرير إنَّ استمرار نهج قوات الحلف السوري الروسي في استهداف المنشآت الطبية سيؤثر على حياة المدنيين في تلك المنطقة بشكل مخيف، حيث يُشكِّل انعدام الرعاية الطبية أحد أبرز الأسباب، التي تدفع بآلاف المدنيين إلى النزوح ومغادرة منازلهم إلى مخيمات تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، إضافة إلى انعكاس تضرُّر عدد كبير من المنشآت الطبية على وضع الجرحى وأصحاب الأمراض المزمنة والأطفال والنساء الحوامل، وقدَّر التَّقرير حصيلة المصابين جراء العمليات العسكرية الأخيرة بقرابة 832 مدنياً.
أكَّد التَّقرير إنَّ الحوادث الواردة فيه تُمثِّل خرقاً لقرارات مجلس الأمن رقم 2139 و2254 و2286 مُشيراً إلى أنَّ معظم الهجمات قد استهدفت أفراداً مدنيين عُزَّل، وبالتالي فإنَّ القوات المعتدية انتهكت أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان إضافة إلى أنها ارتكبت في ظلِّ نزاع مسلح غير دولي فهي ترقى إلى جريمة حرب.
واعتبر التَّقرير أنَّ هذه الهجمات تُشكِّل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي العرفي، ذلك أنَّ القذائف قد أُطلقت على منشآت وآليات تستخدم لتقديم الخدمات الطبيَّة ولم توجَّه إلى هدف عسكري مُحدَّد. وهناك مؤشرات قوية جداً تحمل على الاعتقاد بأن الضَّرر كان مفرطاً جداً إذا ما قورن بالفائدة العسكرية المرجوة.
طالبَ التَّقرير مجلس الأمن باتخاذ إجراءات إضافية بعد صدور القرارين رقم 2139 و2254 وبضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي بعد أن ثبتَ تورُّطه في ارتكاب جرائم حرب.
كما أوصى بضرورة التَّوقف عن اعتبار الحكومة السورية طرفاً رسمياً “بعد أن ارتكبت جرائم ضدَّ الإنسانية” فيما يتعلق بالجانب الإغاثي، والتَّوقف عن إمدادها بالقسم الأكبر من المساعدات المالية والمعنوية، التي غالباً لا تصل إلى مُستحقيها بل إلى الموالين للحكومة السورية.
ودعا التقرير إلى التَّحرك على المستوى الوطني والإقليمي لإقامة تحالفات لدعم الشَّعب السوري، وحمايته من عمليات القتل اليومي، وزيادة جرعات الدَّعم المقدَّمة على الصَّعيد الإغاثي كما دعا إلى اللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يزال مجلس الأمن يُعرقل حماية المدنيين في سوريا.
طالب التقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة والآلية الدولية المحايدة المستقلة بفتح تحقيقات في الحالات الواردة فيه مؤكداً على استعداد الشبكة السورية لحقوق الإنسان للتَّعاون والتزويد بمزيد من الأدلة والتَّفاصيل.
حثَّ التقرير دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على دعم الآلية الدولية المحايدة المنشأة بقرار الجمعية العامة رقم 71/248 الصادر في 21/ كانون الأول/ 2016 وفتح محاكم الدول المحلية التي لديها مبدأ الولاية القضائية العالمية، وملاحقة جرائم الحرب المرتكبة في سوريا.
شدَّد التقرير على ضرورة قيام النظام الروسي بفتح تحقيقات في الحوادث الواردة فيه، وإطلاع المجتمع السوري على نتائجها، ومحاسبة المتورطين وتعويض جميع المراكز والمنشآت المتضررة وإعادة بنائها وتجهيزها من جديد، وتعويض أُسر الضحايا والجرحى كافة، الذين قتلهم النظام الروسي الحالي والتَّوقف التام عن قصف المشافي والأعيان المشمولة بالرعاية والمناطق المدنية واحترام القانون العرفي الإنساني.