أي انفتاح على النظام السوري يعني تصاعد عمليات التضييق والاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري
بيان صحفي (لتحميل التقرير كاملاً في الأسفل):
باريس- قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ ما لا يقل عن 2218 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز بينهم 85 طفلاً و77 سيدة، قد تم توثيقها في عام 2021، منها 242 حالة في كانون الأول، مشيرة إلى أن أي انفتاح مع النظام السوري يعني تصاعد عمليات التضييق والاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري.
أوضحَ التَّقرير -الذي جاء في 45 صفحة- أنَّ معظم حوادث الاعتقال في سوريا تتمُّ من دون مذكرة قضائية لدى مرور الضحية من نقطة تفتيش أو في أثناء عمليات المداهمة، وغالباً ما تكون قوات الأمن التابعة لأجهزة المخابرات الأربعة الرئيسة هي المسؤولة عن عمليات الاعتقال بعيداً عن السلطة القضائية، ويتعرَّض المعتقل للتَّعذيب منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، ويُحرَم من التواصل مع عائلته أو محاميه. كما تُنكر السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التَّعسفي ويتحوَّل معظم المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
يعرض التقرير حصيلة عمليات الاعتقال التَّعسفي/ الاحتجاز التي سجلها في عام 2021 وكانون الأول منه على يد أطراف النِّزاع والقوى المسيطرة في سوريا، ويستعرض أبرز الحالات الفردية وحوادث الاعتقال التَّعسفي والاحتجاز، التي وثقها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان في المدة ذاتها، وتوزُّع حالات وحوادث الاعتقال تبعاً لمكان وقوع الحادثة. ولا يشتمل على حالات الخطف التي لم يتمكن من تحديد الجهة التي تقف وراءها.
كما سجَّل التقرير عمليات الاعتقال التعسفي التي تحولت إلى اختفاء قسري، واعتمد في منهجية التوثيق على مرور 20 يوم على حادثة اعتقال الفرد وعدم تمكن عائلته من الحصول على معلومات من السلطات الرسمية حول اعتقاله أو تحديد مكانه، ورفض السلطات التي اعتقلته الاعتراف باحتجازه.
جاء في التقرير أن قوات النظام السوري لم تتوقف عن ملاحقة واستهداف المدنيين في مناطق سيطرتها على خلفية معارضتهم السياسية وآرائهم المكفولة بالدستور السوري والقانون الدولي؛ الأمر الذي يُثبت مجدداً حقيقة أنه لا يمكن لأي مواطن سوري أن يشعر بالأمان من الاعتقالات؛ لأنها تتم دون أي ارتكاز للقانون أو قضاء مستقل، وتقوم بها الأجهزة الأمنية بعيداً عن القضاء وغالباً ما يتحول المعتقل إلى مختفٍ قسرياً وبالتالي فإن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري لا يمكن أن تشكِّل ملاذاً آمناً للمقيمين فيها، وهي من باب أولى ليست ملاذاً آمناً لإعادة اللاجئين أو النازحين، وأكَّد التقرير على أنه لن يكون هناك أي استقرار أو أمان في ظلِّ بقاء الأجهزة الأمنية ذاتها، التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية منذ عام 2011 وما زالت مستمرة حتى الآن. وفي هذا السياق أوردَ نقاطاً من خلفيات الاعتقال/ الاحتجاز التي سجلها في عام 2021 وفي كانون الأول منه، وقال إن النظام السوري أجرى في مطلع كانون الثاني سلسلة تعيينات وتنقلات طالت مناصب رؤساء وضباط في العديد من الأفرع الأمنية في المحافظات السورية واعتقد أن هذه الإجراءات كانت سبباً في انخفاض حصيلة الاعتقالات لديه مع نهاية الشهر ذاته، إلا أنه على الرغم من ذلك استمرت قوات النظام في ملاحقة واعتقال الأشخاص الذين أجروا تسوية لأوضاعهم الأمنية في المناطق التي سبق لها أن وقَّعت اتفاقات تسوية معه، وتركَّزت في محافظات حلب وريف دمشق ودرعا واستمرت هذه العمليات طوال عام 2021 وحصل معظمها ضمن أطر حملات دهم واعتقال جماعية وعلى نقاط التفتيش.
وأشار التقرير إلى عمليات اعتقال نفذت معظمها أفرع الأمن الجنائي في المحافظات السورية، استهدفت إعلاميين موالين للنظام ومدنيين بينهم طلاب جامعيون ومحامون وموظفون حكوميون على خلفية انتقادهم الأوضاع المعيشية المتدهورة أو الفساد الحكومي في مناطق سيطرة النظام السوري. ووفقاً للتقرير فقد شهد آذار عمليات اعتقال نفذها النظام السوري بحق الأهالي على خلفية القيام بأنشطة في ذكرى الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في سوريا. كما تحدث عن حالات اعتقال نفَّذتها قوات النظام السوري على خلفية محاولة مدنيين الهجرة بشكل غير شرعي عبر البحر والمنافذ الحدودية، إضافة لعمليات اعتقال استهدفت مدنيين لدى مراجعتهم الهجرة والجوازات في المدن السورية لاستخراج وثائق تتعلق بالسفر خارج البلاد. وعلى صعيد متصل سجل التقرير قرابة 218 حالة اعتقال لعائدين (من اللاجئين والنازحين) إلى مناطق سيطرة قوات النظام السوري بينهم 7 أطفال. كما وثق عمليات اعتقال استهدفت مدنيين على خلفية عدم مشاركتهم في الانتخابات الرئاسية المنعقدة في 26/ أيار. وطبقاً للتقرير فقد شهد عام 2021 اعتقال عشوائية استهدفت مدنيين بينهم كهول ونساء وأطفال تركزت في العديد من مناطق محافظة درعا على خلفية تدهور الأوضاع الأمنية ورفض السكان للوجود الأمني لقوات النظام في مناطقهم. إضافة إلى عمليات اعتقال استهدفت عدداً من المدنيين التجار وأصحاب رؤوس الأموال، وذلك على خلفية إيقاف أنشطتهم التجارية ومحاولتهم مغادرة البلاد، ووجهت إليهم تهم القيام بأعمال من شأنها المساس بهيبة الدولة السورية.
على صعيد الإفراجات، رصد التقرير إخلاء النظام السوري سبيل ما لا يقل عن 691 شخصاً بينهم 55 طفلاً و36 سيدة، توزعت تبعاً لخلفياتها على النحو التالي: 343 شخصاً -معظمهم من أبناء محافظتي درعا وريف دمشق- أفرج عنهم في سياق اتفاقات المصالحة والتسوية التي يجريها النظام السوري في كلتا المحافظتين. 218 شخصاً أفرج عنهم من السجون المدنية في مختلف المحافظات، وذلك بعد انتهاء أحكامهم التعسفية، ولم يرتبط الإفراج عنهم بالعفو رقم 13 لعام 2021. 24 شخصاً أفرج عنهم من الأفرع الأمنية دون خضوعهم لأية محاكمات وقد تراوحت مدد اعتقالهم ما بين عدة أسابيع إلى شهرين اثنين. 106 أشخاص أفرج عنهم من مراكز الاحتجاز على خلفية صدور مرسوم العفو رقم 13 لعام 2021. وبحسب التقرير فقد قضى المفرج عنهم مدد اعتقالهم/احتجازهم ضمن ظروف احتجاز غاية في السوء من ناحية ممارسات التعذيب، وشبه انعدام في الرعاية الصحية والطبية، والاكتظاظ الشديد في مراكز الاحتجاز، وكانوا قد اعتقلوا دون توضيح الأسباب وبدون مذكرة اعتقال.
من جهة أخرى سجل التقرير استمرار قوات سوريا الديمقراطية في سياسة الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري في عام 2021، وقد استهدفت نشطاء وأفراد من منظمات المجتمع المدني المعارضة لسياساتها، كما سجل التقرير عمليات دهم واعتقال جماعية استهدفت مدنيين ونشطاء إعلاميين، وأعضاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني، والذين خرجوا في تظاهرات مناهضة لها في مناطق سيطرتها، إضافة إلى مدنيين تربطهم صلات قربى مع أشخاص في المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني. وسجل التقرير أيضاً عمليات احتجاز بحق مدرسين وطلاب من وسط احتجاجات كانوا قد خرجوا فيها تنديداً باعتقال قوات سوريا الديمقراطية مدرسين آخرين، كما استهدفت بعمليات الاحتجاز طلاب ومدرسين وأعضاء في المجلس الملّي للسريان الأرثوذكس، على خلفية انتقادهم ورفضهم المنهاج التعليمي الذي تفرضه قوات سوريا الديمقراطية في مناطق سيطرتها. وشنَّت قوات سوريا الديمقراطية في عام 2021 وكانون الأول منه حملات دهم واحتجاز جماعية استهدفت مدنيين بذريعة محاربة خلايا تنظيم داعش، بعض هذه الحملات جرى بمساندة مروحيات تابعة لقوات التحالف الدولي. كما رصد التقرير تنفيذها عمليات احتجاز استهدفت نشطاء إعلاميين، وأخرى استهدفت كوادر طبية وترافقت مع عمليات اعتداء على منشآت طبية. إضافة إلى عمليات احتجاز استهدفت الأطفال بهدف اقتيادهم إلى معسكرات التدريب والتجنيد التابعة لها. وعلى صعيد الإفراج، سجل التقرير إفراج قوات سوريا الديمقراطية عن 269 مدنياً بينهم 2 سيدة من مراكز الاحتجاز التابعة لها، تراوحت مدد احتجازهم بين ثمانية أشهر إلى عامين اثنين، معظمهم أفرج عنهم عقب وساطة عشائرية.
طبقاً للتقرير فقد استمرت هيئة تحرير الشام في استهدافها النشطاء والعاملين في المنظمات الإنسانية بعمليات الاحتجاز، ومعظم هذه العمليات حصلت على خلفية التعبير عن آرائهم التي تنتقد سياسة إدارة الهيئة لمناطق سيطرتها، أو بتهم أخرى كالعمالة لصالح قوات سوريا الديمقراطية، وتمَّت عمليات الاحتجاز بطريقة تعسفية على شكل مداهمات واقتحام وتكسير أبواب المنازل وخلعها، أو عمليات خطف من الطرقات أو عبر نقاط التفتيش المؤقتة، أو عبر عمليات استدعاء للتحقيق من قبل وزارة العدل التابعة لحكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام. كما سجل التقرير حالات احتجاز جرت على نقاط التفتيش التابعة لها بتهمة الإفطار في شهر رمضان.
مـن جهتهـا قامـت المعارضـة المسـلحة/ الجيـش الوطنـي بعمليـات احتجـاز تعسـفي وخطــف، حــدث معظمهــا بشــكل جماعــي، اســتهدفت قادميــن مــن مناطــق ســيطرة النظــام الســوري، كما رصد في عام 2021 وكانون الأول منه حــالات احتجــاز جــرت علــى خلفيــة عرقيـة وتركـزت فـي مناطـق سـيطرة المعارضـة المسـلحة/ الجيـش الوطنـي فـي محافظـة حلـب، وحـدث معظمهـا دون وجـود إذن قضائـي ودون مشـاركة جهـاز الشـرطة وهـو الجهـة الإدارية المخولـة بعمليـات الاعتقال والتوقيـف عبـر القضـاء، وبـدون توجيـه تهـم واضحة.
في كانون الأول: سجل التقرير عمليات اعتقال استهدفت لها قوات النظام السوري طلاباً جامعيين في أثناء توجههم من منازلهم بريف دمشق إلى جامعة دمشق. إ ضافة إلى عمليات اعتقال استهدفت مدنيين من عائلة واحدة من أبناء محافظة السويداء. كما سجل عمليات اعتقال عشوائية في ريف دمشق حصل معظمها ضمن أطر حملات دهم واعتقال جماعية. وعلى صعيد الإفراجات، رصد التقرير في كانون الأول إخلاء قوات النظام السوري سبيل ما لا يقل عن 41 شخصاً بينهم 3 طفلاً و6 عساكر، من أبناء محافظة درعا، وذلك في سياق اتفاقات المصالحة التي يجريها النظام السوري في المحافظة. إضافة إلى 11 شخصاً، معظمهم من محافظة ريف دمشق، وذلك بعد انتهاء أحكامهم التعسفية، ولم يرتبط الإفراج عنهم بالعفو رقم 13 لعام 2021.
وطبقاً للتقرير فإن المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني شنَّت حملات دهم واحتجاز استهدفت مدنيين بتهمة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، وتركزت في بعض القرى التابعة لمدينة عفرين بريف محافظة حلب.
وثَّق التقرير في عام 2021 ما لا يقل عن 2218 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز بينها 85 طفلاً و77 سيدة (أنثى بالغة)، وقد تحول 1752 منهم إلى مختفين قسرياً. كانت 1032 حالة على يد قوات النظام السوري، بينهم 19 طفلاً و23 سيدة، و645 على يد قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية، بينهم 59 طفلاً و7 سيدة. فيما سجَّل التقرير 420 حالة بينها 6 طفلاً، و47 سيدة على يد المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، و121 على يد هيئة تحرير الشام بينهم 1 طفلاً.
واستعرض التَّقرير توزُّع حالات الاعتقال التعسفي في عام 2021 بحسب المحافظات السورية، حيث كان أكثرها في محافظة حلب ثم دير الزور ثم ريف دمشق ثم الحسكة.
سجَّل التقرير في كانون الأول ما لا يقل عن 242 حالة اعتقال تعسفي/ احتجاز بينها 4 طفلاً و4 سيدة على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، تحوَّل 198 منهم إلى مختفين قسرياً، النظام السوري اعتقل 143 بينهم 3 سيدة، في حين احتجزت قوات سوريا الديمقراطية 47 بينهم 4 طفلاً و1 سيدة. وذكر التقرير أن المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني احتجزت 41 مدنياً، أما هيئة تحرير الشام فقد احتجزت 11 مدنياً.
واستعرض التَّقرير توزُّع حالات الاعتقال التعسفي في كانون الأول بحسب المحافظات، حيث كان أكثرها في محافظة حلب، تليها ريف دمشق، ثم دمشق، تلتها الحسكة ودير الزور.
ووفقاً للتقرير فإنَّ المعتقلين على خلفية المشاركة في الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في سوريا، وضمن أي نشاط كان سياسي، حقوقي، إعلامي، إغاثي، ومن يشابههم، فإن الأفرع الأمنية توجِّه إلى الغالبية العظمى من هؤلاء وتنتزع منهم تهماً متعددة تحت الإكراه والترهيب والتعذيب ويتم تدوين ذلك ضمن ضبوط، وتحال هذه الضبوط الأمنية إلى النيابة العامة، ومن ثم يتم تحويل الغالبية منهم إما إلى محكمة الإرهاب أو محكمة الميدان العسكرية. ولا تتحقق في هذه المحاكم أدنى شروط المحاكم العادلة، وهي أقرب إلى فرع عسكري أمني.
اعتبر التقرير أن قضية المعتقلين والمختفين قسراً من أهم القضايا الحقوقية، التي لم يحدث فيها أيُّ تقدم يُذكَر على الرغم من تضمينها في قرارات عدة لمجلس الأمن الدولي وقرارات للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي خطة السيد كوفي عنان، وفي بيان وقف الأعمال العدائية في شباط 2016 وفي قرار مجلس الأمن رقم 2254 الصادر في كانون الأول 2015.
أكَّد التقرير أنَّ النظام السوري لم يفِ بأيٍّ من التزاماته في أيٍّ من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها، وبشكل خاص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيَّة والسياسية، كما أنَّه أخلَّ بعدة مواد في الدستور السوري نفسه، فقد استمرَّ في توقيف مئات آلاف المعتقلين دونَ مذكرة اعتقال لسنوات طويلة، ودون توجيه تُهم، وحظر عليهم توكيل محامٍ والزيارات العائلية، وتحوَّل قرابة 68 % من إجمالي المعتقلين إلى مختفين قسرياً.
وأشار التقرير إلى أن الأطراف الأخرى (قوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام والمعارضة المسلحة/ الجيش الوطني) جميعها ملزمة بتطبيق أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد ارتكبت انتهاكات واسعة عبر عمليات الاعتقال والإخفاء القسري.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عنه رقم 2042 و2043، و2139.
وأكَّد التقرير على ضرورة تشكيل الأمم المتحدة والأطراف الضامنة لمحادثات أستانا لجنة خاصة حيادية لمراقبة حالات الإخفاء القسري، والتَّقدم في عملية الكشف عن مصير 102 ألف مختفٍ في سوريا، 85 % منهم لدى النظام السوري والبدء الفوري بالضَّغط على الأطراف جميعاً من أجل الكشف الفوري عن سجلات المعتقلين لديها، وفق جدول زمني، وفي تلك الأثناء لا بُدَّ منَ التَّصريح عن أماكن احتجازهم والسَّماح للمنظمات الإنسانية واللجنة الدولية للصَّليب الأحمر بزيارتهم مباشرة.
وشدَّد التقرير على ضرورة إطلاق سراح الأطفال والنِّساء والتَّوقف عن اتخاذ الأُسَر والأصدقاء رهائنَ حرب.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية.