قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم إن ما لا يقل عن 20 معبر مائي تعرَّض للهجوم من قبل ثلاث جهات رئيسة في النزاع السوري، تقع هذا المعابر على نهر الفرات في محافظة دير الزور.
يقطع نهر الفرات مسافة 135كم داخل أراضي محافظة دير الزور، ويستمر حتى مدينة البوكمال الحدودية حيث يدخل الأراضي العراقية، أما عن مدينة دير الزور تحديداً فيخترقها فرع نهر الفرات الصغير من وسطها، أما الفرع الكبير فيمرُّ من طرفها الشمالي، ويفصل بين محافظتي دير الزور والحسكة، وقد أقام سكان المحافظة على مدى عصور عدداً من الجسور للتَّنقل بين ضفاف النهر، التي تفصل عدة قرى وبلدات في المحافظة وعدة أحياء في دير الزور وقد تعرضت تلك الجسور لهجمات أدت إلى تدميرها بشكل شبه كامل من قبل قوات النظام السوري والقوات الروسية وقوات التَّحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وذكر التقرير الذي جاء في 11 صفحة أن تدمير الجسور انعكس على تنقلات المدنيين بشكل كبير، وأضعف الحركة الاقتصادية؛ ما اضطرَّ السكان إلى تكثيف اللجوء إلى المعابر المائية، وأشار التقرير إلى أن المعابر المائية هي عبارة عن محطات يتجمع فيها المدنيون ليتمَّ نقلهم بواسطة القوارب والسفن الصغيرة أو العبّارات المائية إلى الضفة المقابلة من نهر الفرات، وبحسب التقرير فإن المعابر المائية باتت الأسلوب الوحيد للتَّنقل، وملاذ المدنيين الراغبين في الهروب من مناطق القصف باتجاه مناطق أكثر أمناً.
وثَّق التقرير الهجمات التي تعرضت لها المعابر المائية، التي بلغت 31 هجوماً استهدفت 20 معبر مائي، كان النظام السوري مسؤولاً عن 15 هجوماً في حين أن القوات الروسية هاجمت المعابر 13 مرة وقوات التحالف الدولي 3.
واحتوى التقرير على 4 روايات لشهود عيان وناجين وذوي ضحايا، واستند على تحقيقات أجراها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان أظهرت أنَّ هذه المعابر لم تكن تستخدم بشكل منتظم لدعم العمليات العسكرية لتنظيم داعش وأنها كانت عبارة عن محطات يتجمع فيها المدنيون القاطنون في مناطق تخضع لسيطرة تنظيم داعش لعبور النهر، وأكَّد التقرير أن تنظيم داعش كان يستخدم لنقل عناصره وآلياته معابر أخرى ليست ذاتها التي وردت في التقرير، مُشيراً إلى أن جميع الهجمات التي استعرضها استهدفت تجمعات مدنيَّة خالية من أيَّة آليات عسكرية أو عناصر مسلحة تابعة لتنظيم داعش في أثناء الهجمات أو حتى قبلها ولم يتم توجيه أيِّ تحذير من قبل القوات المعتدية للمدنيين قُبيل الهجمات كما يشترط القانون الدولي الإنساني.
وطبقاً للتقرير فإنَّ الأهالي الهاربين من جحيم الغارات الجوية التي تشنُّها قوات الحلف السوري الروسي ينتقلون من ضفة إلى أخرى باستخدام قوارب بدائية ومحلية الصنع، معظمها قديم وبحاجة إلى صيانة، لكنَّ المواد غير متوفرة لذلك؛ ما يجعل رحلة الهروب خطراً بحدِّ ذاتها، وأشار التقرير إلى عدة حوادث غرق تعرضت لها هذه القوارب خلَّفت هذه الحوادث مقتل ما لا يقل عن 17 مدنياً قضوا غرقاً بينهم سبعة أطفال وسيدة واحدة، وعلى الرغم من خوف الأهالي وهروبهم من الموت، ومن المخاطر الفظيعة أثناء رحلة الهروب إلا أن طائرات الحلف السوري الروسي قامت بملاحقتهم وقصفهم خلال رحلة العبور ما يُشير بحسب التقرير إلى مدى البربرية التي وصلت إليها هذه القوات في التعامل مع المدنيين الفارين.
وأكَّد التقرير أن 90 % من الهجمات التي نفَّذتها قوات الحلف السوري الروسي على المعابر المائية قد استهدَفت تجمعات للمدنيين أثناء محاولتهم النزوح والفرار من عمليات القصف التي تنفذها هذه القوات على قراهم وبلداتهم باتجاه قرى موجودة على الضفة المقابلة لنهر الفرات مشيراً إلى أن هذه الاستراتيجية الوحشية برزت بشكل واضح في المعركة التي شنَّتها قوات الحلف السوري الروسي على ريفي دير الزور الشرقي والغربي (قرى شامية الواقعة غرب نهر الفرات)، والتي وقع فيها ما لا يقل عن 25 حادثة اعتداء على معابر تركَّزت جميعها في قرى ريف دير الزور الشرقي (قرى شامية).
وفق التقرير فقد تسببت الهجمات على المعابر المائية في مقتل 241 مدنياً بينهم 28 طفلاً و23 سيدة (أنثى بالغة)، قتلت
قوات النظام السوري: 98 بينهم 7 أطفال، و9 سيدات أما القوات الروسية فقد قتلت 143 مدنياً بينهم 21 طفلاً، و14 سيدة، كما ترافقت هذه الهجمات بـ 15 مجزرة، ارتكب النظام السوري منها 9 مجازر في حين ارتكبت القوات الروسية 6 مجازر.
أكَّد التقرير أنَّ الهجمات العشوائية أو المتعمدة أو غير المتناسبة تُعتبر بحسب القانون الدولي الإنساني، هجمات غير مشروعة، وأنَّ اعتداء القوات الحكومية والروسية وأيضاً قوات التحالف الدولي على المعابر المائية لهو استخفاف صارخ بأدنى معايير القانون الدولي الإنساني كما استهدفت الهجمات بحسب التقرير أفراداً مدنيين عزل، وبالتالي فإنَّ قوات الحلف السوري الروسي انتهكت أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يحمي الحق في الحياة. إضافة إلى أنها ارتكبت في ظلِّ نزاع مسلح غير دولي فهي ترقى إلى جريمة حرب، وقد توفَّرت فيها الأركان كافة.
وأشار التقرير إلى أن قوات الحلف السوري الروسي وقوات التحالف الدولي خرقت بشكل لا يقبل التشكيك قرارَي مجلس الأمن رقم 2139 و2254 القاضيَين بوقف الهجمات العشوائية، وأيضاً انتهكت عبر جريمة القتل العمد المادة الثامنة من قانون روما الأساسي؛ ما يُشكل جرائم حرب كما أن هذه الهجمات تُعتبر بمثابة انتهاك للقانون الإنساني الدولي العرفي، ذلك أن القذائف قد أُطلقت على مناطق مأهولة بالسكان ولم توجَّه إلى هدف عسكري محدد وقد تسببت بصورة عرضية في حدوث خسائر طالت أرواح المدنيين أو إلحاق إصابات بهم أو في إلحاق الضَّرر الكبير بالأعيان المدنية. وهناك مؤشرات قوية جداً تحمل على الاعتقاد بأنَّ الضَّرر كان مفرطاً جداً إذا ما قورن بالفائدة العسكرية المرجوة.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي بعد أن ثبت تورطه بارتكاب جرائم حرب وإحلال الأمن والسلام وتطبيق مبدأ مسؤولية حماية المدنيين، لحفظ أرواح السوريين وتراثهم وفنونهم من الدمار والنهب والتخريب.
أوصى التقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان أن تُقدم تقريراً إلى مجلس حقوق الإنسان وغيره من هيئات الأمم المتحدة عن هذا الانتهاك المتمثل في قصف المعابر المائية، ومحاولة تنفيذ التوصيات الواردة فيه.
وحثَّ التقرير المجتمع الدولي بضرورة التَّحرك على المستوى الوطني والإقليمي لإقامة تحالفات لدعم الشعب السوري، ويتجلى ذلك في حمايته من عمليات القتل اليومي ورفع الحصار، وزيادة جرعات الدعم المقدمة على الصعيد الإغاثي. والسعي إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية بشأن هذه الجرائم أمام المحاكم الوطنية، في محاكمات عادلة لجميع الأشخاص المتورطين.
ودعا التقرير إلى تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P) بعد أن تم استنفاذ الخطوات السياسية عبر اتفاقية الجامعة العربية ثم خطة السيد كوفي عنان، واللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يزال مجلس الأمن يعرقل حماية المدنيين في سوريا.
طالب التقرير التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية باحترام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي العرفي، وبتحمل التبعات المترتبة عن هجمات المعابر المائية، وتحاول بأقصى ما يمكن تجنب تكرارها، كما شدد على ضرورة زيادة الفريق العامل في متابعة وتحقيق الحوادث ومحاسبة من أثبتت التَّحقيقات تورطه في الهجمات على المعابر المائية.
كما أكد التقرير على ضرورة قيام قوات التحالف الدولي بمتابعة الانتصار العسكري على تنظيم داعش وتخليص بقية المناطق من آثاره، والعمل الجدي على تأسيس قيادة مجتمعية ديمقراطية يُشارك فيها بشكل فاعل أبناء تلك المناطق.