أولاً: المقدمة والمنهجية:
شهدَت سوريا حجم انتهاكات غير مسبوق منذ انطلاق الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في آذار 2011، وتأتي عمليات القتل خارج نطاق القانون وعمليات الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري على رأس قائمة الانتهاكات التي تعرَّض لها المواطن السوري، وبدأ النظام السوري والميليشيات التابعة له ممارسةَ تلك الانتهاكات وغيرها واستمرَّ في ذلك كجهة وحيدة قرابة سبعة أشهر، ثم ما لبثت أن دخلت أطراف أخرى في انتهاك حقوق المواطن السوري، واستمرَّت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في توثيق ما يتمكن فريقها من التَّحقق منه، وتصاعدت تلك الانتهاكات بشكل كبير جداً في عامي 2012 و2013؛ ما دفعنا إلى تكثيف إصدار تقارير شهرية دورية تُسجِّل وتُبرز استمرار معاناة السوريين، وقد وصلت إلى ثمانية تقارير تصدرُ بداية كل شهر، وتمَّ بناء قاعدة بيانات واسعة تضمُّ مئات آلاف الحوادث التي تنضوي كل واحدة منها على نمط من أنماط الانتهاكات التي تمكنَّا من توثيقها.
مع نهاية عام 2018 ومع انخفاض حجم العنف عما كان عليه سابقاً، قمنا بتغيير في استراتيجيتنا السَّابقة وقمنا بجمع التقارير ضمنَ تقرير شهري واحد، يشمل أبرز الانتهاكات التي وقعت في سوريا، التي تمكنا من توثيقها، ويُركِّز تقريرنا هذا على حالة حقوق الإنسان في سوريا في شهر شباط 2019، ويستعرض حصيلة الضحايا المدنيين، الذين وثَّق مقتلهم على يد أطراف النزاع الرئيسة في هذا الشهر، إضافة إلى حصيلة حالات الاعتقال والإخفاء القسري، ويُسلِّط التقرير الضوء على الهجمات العشوائية واستخدام الأسلحة غير المشروعة (الذخائر العنقودية، الأسلحة الكيميائية، البراميل المتفجرة، الأسلحة الحارقة) وعلى عمليات الاعتداء على الأعيان المدنيَّة.
ويتضمَّن التقرير توزيعاً لحصيلة هذه الانتهاكات تبعاً للجهات الرئيسة الفاعلة، وهذا يحتاج في بعض الأحيان لمزيد من الوقت والتَّحقيق وخاصة في حال الهجمات المشتركة، وعندما لم نتمكن في بعض الأحيان من إسناد مسؤولية هجمات بعينها إلى جهة محددة، كما حصل في الهجمات الجوية التي تُنفذها الطائرات الحربية السورية أو الروسية، أو الهجمات السورية الإيرانية أو قوات سوريا الديمقراطية وقوات التَّحالف الدولي، فإننا نُشير في تلك الحالة إلى أنَّ هذا الهجوم هو مسؤولية مشتركة من حلف إلى أن يتم ترجيح مسؤولية أحد الجهتين عن الهجوم، أو يثبت لدينا أنَّ الهجوم فعلاً كان مشتركاً عبر تنسيق الجهتين معاً فيما بينهما.
خلال عمليات المراقبة المستمرة للحوادث والأخبار من قبل فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وعبر شبكة علاقات واسعة مع عشرات المصادر المتنوعة من خلال تراكم علاقات ممتدة منذ بدايات عملنا منذ عام 2011 حتى الآن، يقوم فريقنا عندما تردنا أو نُشاهد عبر شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام أخباراً عن انتهاك بمحاولات متعددة لمتابعة ما ورَدَ في هذا الخبر ومحاولة التَّحقق وجمع أدلة وبيانات، وفي بعض الأحيان تمكَّن الباحث من زيارة موقع الحدث في أسرع وقت ممكن، لكنَّ هذا نادراً ما يحدث؛ نظراً للمخاطر الأمنية المرتفعة جداً، ولكثرة حوادث الانتهاكات، وأيضاً نتيجة محدودية الإمكانات البشرية والمادية، ولهذا تختلف إمكانية الوصول إلى الأدلة، وبالتالي درجة تصنيفها، وغالباً ما نقوم في الشبكة السورية لحقوق الإنسان في مثل هذه الحالات بالاعتماد على شهادات ناجين تعرَّضوا للانتهاك مباشرة؛ حيث نحاول قدرَ الإمكان الوصول إليهم مباشرة، وبدرجة ثانية مَنْ شاهَدَ أو صوَّر هذا الانتهاك، إضافة إلى تحليل المواد المتوفرة في مصادر مفتوحة كشبكة الإنترنت، ووسائط الإعلام، وثالثاً عبر الحديث مع كوادر طبية قامت بعلاج المصابين وعاينت جثثَ الضحايا وحدَّدت سبب الوفاة.
حلَّلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان المقاطع المصوَّرة والصّور، التي وثَّقها فريقنا أو التي نُشرت عبر الإنترنت، أو التي أرسلها لنا نشطاء محليون عبر البريد الإلكتروني أو برنامج السكايب أو عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتتضمَّن تلك الصور والفيديوهات على سبيل المثال: مواقع الهجمات، جثثَ الضحايا والمصابين، حجم الدمار، أسلحة وبقايا ذخائر عنقودية، وذخائر حارقة، كما يمكن أن تعود هذه الصور لضحايا بسبب التعذيب، وضحايا من الكوادر الطبية والإعلامية، الذين قضوا في هجمات شنَّتها أطراف النِّزاع. ونحتفظ بنسخٍ من جميع المقاطع المصوّرة والصوَّر ضمن قاعدة بيانات إلكترونية سرية، ونسخٍ احتياطية على أقراصٍ صلبة، ونحرص دائماً على حفظ جميع هذه البيانات مع المصدر الخاص بها، وعلى الرغم من ذلك لا ندَّعي أننا قُمنا بتوثيق الحالات كافة، ذلك في ظلِّ الحظر والملاحقة من قبل قوات النظام السوري وبعض المجموعات المسلحة الأخرى، نرجو الاطلاع على منهجيتنا .
يستعرض هذا التَّقرير شهادة واحدة حصلنا عليها عبر حديث مباشر مع الشهود، وليست مأخوذة من مصادر مفتوحة، وقد شرحنا للشهود الهدف من المقابلات، وحصلنا على موافقتهم على استخدام المعلومات التي يُقدِّمونها في هذا التَّقرير دونَ أن نُقدِّم أو نعرضَ عليهم أية حوافز، كما حاولت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تجنيبَ الشهود معاناة تذكُّر الانتهاك، وتمَّ منحُ ضمانٍ بعدم كشف هوية كل من أبدى رغبته في استخدام اسم مستعار.
ما وردَ في هذا التقرير يُمثِّل الحدَّ الأدنى الذي تمكنَّا من توثيقه من حجم وخطورة الانتهاك الذي حصل، كما لا يشمل الحديثُ الأبعادَ الاجتماعية والاقتصادية والنَّفسية.