تسجيل عمليات نهب لقرابة 30 منطقة منذ نيسان 2019 حتى الآن، وهي تشكل جريمة حرب
بيان صحفي:
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم إنَّ عمليات النهب الواسعة التي تقوم بها قوات النظام السوري والإيراني في إدلب وما حولها تُهدد عودة النازحين وتزرع الأحقاد الدينية، وسجَّل التقرير عمليات نهب لقرابة 30 منطقة منذ نيسان/ 2019 حتى الآن، ما يُشكل جريمة حرب.
وذكر التقرير الذي جاء في 11 صفحة أن أزيد من 98 % من المواطنين السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري يهربون منها عند تقدم قوات النظام السوري والإيراني نحوها وعلى الرغم من موجات البرد القارس، وعدم توفر الخيام والمقومات الأساسية للحياة نجد أن السكان يقررون الفرار؛ لأن كل الصعوبات والتحديات التي سوف يلاقونها هي أقل ضرراً بكثير من الوقوع في قبضة النظام السوري وحلفائه.
استعرض التقرير عمليات نهب قامت بها قوات النظام السوري والميليشيات الأجنبية الإيرانية والميليشيات المحلية لمحتويات منازل تركها أهلها وهربوا خوفاً من تلك القوات منذ نيسان/ 2019 في المناطق التي استعاد النظام السوري السيطرة عليها، وكذلك منذ كانون الأول/ 2019، مُشيراً إلى أنه جزء من عملية توثيق وتقرير أوسع يتم العمل عليه منذ قرابة تسعة أشهر عن عمليات السيطرة على المنازل التي تركها أهلها وتشردوا في مناطق متعددة من سوريا.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لقد قام النظام السوري بإصدار مئات آلاف الاتهامات بحقِّ النشطاء الذين طالبوا بتغيير سياسي في سوريا، من المحاكم الاستثنائية كمحمة الإرهاب أو المحكمة العسكرية أو الميدانية، وذلك بهدف مصادرة ممتلكاتهم والسيطرة عليها، واعتقل كل من تمكَّن من إلقاء القبض عليه، وتحوَّل معظمهم إلى مختفين قسرياً، مما ضاعف من استحالة إعادة ممتلكاتهم، لكنه لم يكتفي بكل ذلك بل وجَّه قواته نحو نهب محتويات العقارات من مفروشات وإلكترونيات قبل السيطرة عليها؛ مما يعني استحالة حدوث أي استقرار أو عودة للمشردين في ظلِّ بقاء النظام الحالي، ولا بُدَّ من تغيير سياسي نحو الديمقراطية”.
وفي هذا السياق أكَّد التقرير أن عمليات النهب الواسعة التي وقعت لا يمكن أن تتم بمعزل أو دون انتباه قادة الجيش السوري والقوات الروسية، مشيراً إلى أنَّ هذا النَّهب هو جزء من الدخل الشهري لقوات النظام السوري والإيراني والروسي، ولهذا بحسب التقرير يتم التغاضي عنه على هذا النحو الصارخ، حيث تبلغ عمليات النهب حدَّ تفكيك النوافذ والأبواب وتجهيزات الصرف الصحي وأسلاك الكهرباء، والغالبية العظمى من جيش النظام السوري من أعلى القيادات وحتى العناصر على علم بهذا النهج، وذكر التقرير أن عمليات بيع الممتلكات تحدث بشكل علني في مناطق يسيطر عليها النظام السوري وحليفيه الإيراني والروسي، وتظهر في هذه الأسواق كميات من المفروشات وتجهيزات كهربائية، وأدوات زراعية، وماشية.
وسجَّل التقرير منذ نيسان/ 2019 تعرُّضَ قرابة 30 قرية وبلدة من ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي لعمليات سطو ونهب للممتلكات، نفَّذتها قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية الموالية له، وأشار إلى أن تلك البضائع والممتلكات المسروقة يجري تسويقها في أسواق بلدة السقيلبية بريف حماة، وطبقاً للتقرير فإنَّ هذا يشبه ما تم تسجيله سابقاً في أعوام 2012 و2013 من افتتاح ميليشيات النظام السوري أسواقاً مشابهة عقب سيطرتها على مدن حمص وحماة.
وذكر التقرير أن أطرافاً أخرى في النزاع السوري قد قامت بعمليات نهب لمناطق سيطرت عليها، كما هو الحال لدى قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (قوات سوريا الديمقراطية/ PYD)، والتنظيمات الإسلامية المتطرفة داعش والنصرة، وفصائل في المعارضة المسلحة، إلا أنه بحسب التقرير فقد ظلَّ حجم عمليات النهب التي قامت بها قوات النظام السوري والإيراني والروسي هي الأكثر اتساعاً ومنهجية.
واستعرض التقرير قوانين سنَّها النظام السوري تُشرعن السيطرة على الممتلكات بعد نهبها، حيث أشار إلى أن النظام السوري يستخدم عبر هيمنته المطلقة على أجهزة الدولة كافة بما فيها مجلس الشعب، يستخدم مجلس الشعب لتشريع قوانين تُشرعن الجريمة وتبرر عمليات النهب وتغلفها في صورة قوانين، لكنها في جوهرها مجرد أدوات تنفيذية لتجريد المواطنين من مساكنهم وحقوقهم.
وبحسب التقرير فإنَّ أبرز هذه القوانين: القانون 63 والمرسوم التشريعي 66 لعام 2012، والمرسوم التشريعي 19 عام 2015، والمرسومان التشريعيان 11 و 12 لعام 2016، والمرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2018 والقانون رقم 10 لعام 2018، الذي تمَّ تعديله لاحقاً بالقانون رقم 42 لعام 2018، وأكد التقرير أن عملية السطو على الممتلكات عبر تشريع قوانين تخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان تُشكل عقبة أساسية أمام عودة اللاجئين والنازحين، وترقى إلى عملية إخلاء قسري ومحاولة تلاعب بالتركيبة السكانية والاجتماعية، وفي حال استمرت السلطات الحاكمة حالياً في حكم سوريا، فلن يكون هناك أي نوع من الأمن وعودة اللاجئين في ظلِّ هكذا ممارسات وقوانين.
نوَّه التقرير إلى أنه ركَّز على مرحلة ما بعد اندلاع الحراك الشعبي ضدَّ العائلة الحاكمة لسوريا في آذار/ 2011، إلا أن هناك العديد من حالات السطو على الممتلكات ونهبها قد حصلت بحق مدن بأكملها، كما حصل عقب أحداث مدينة حماة في شباط/ 1982، وأشار إلى الانتهاكات التي وقعت بحق الأكراد بعد إحصاء عام 1962، الذي جرَّد مئات الآلاف منهم من الحصول على الجنسية، وبالتالي منعهم من امتلاك العقارات أو نقل ملكيتها، وقد استمرَّ التمييز العنصري ضدَّهم طيلة 30 عام في ظل حكم حزب البعث، وقد بدأ النظام بمنحهم الجنسية السورية بعد الحراك الشعبي في آذار/ 2011 إلا أنه وبحسب التقرير فإنَّ الآلاف لايزالون محرومون من حق الجنسية وبالتالي حق التملك ونقل ملكية العقارات.
أكَّد التقرير أن القانون الدولي العرفي يحظر النهب وفقاً للقاعدة 52 والقاعدة 111، والقانون الجنائي الدولي (نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. المادة 8-2 ب-16، و8-2-ه -5)، ويرقى النهب إلى أن يكون انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني ويشكل جريمة حرب، وفقاً لما نصَّت عليه القوانين الأساسية والأحكام الصادرة عن المحكمتين العسكريتين في نورمبرغ وطوكيو، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وقد ترافقت عمليات النهب مع تكسير ما لا يتمكن من نهبه، ثم حرق المنازل.
وبحسب التقرير فقد انتهك النظام السوري بدعم واضح من حليفيه الإيراني والروسي عبر عمليات النهب الواسعة اتفاقيات جنيف، وقد اتخذ في عدد كبير من المناطق شكل تدمير الممتلكات أو الاستيلاء عليها على نطاق واسع لا تبرره الضرورات الحربية، وبطريقة غير مشروعة وتعسفية.
طالب التقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بتوثيق عمليات النهب الواسعة التي تقوم بها قوات النظام السوري بالتعاون مع الميليشيات الإيرانية، وإصدار تقرير أو بيان خاص يدين تلك العمليات ويوضِّح خطرها على عودة النازحين واللاجئين، كما قدم توصيات إلى كل من المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمبعوث الدولي إلى سوريا والمجتمع الدولي، وطالب النظام السوري بالتوقف عن القصف العشوائي وإرهاب السكان وتشريدهم، وملاحقة عمليات النهب الواسعة التي تقوم بها قواته وإيقافها، ومحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات.