أولاً: المقدمة:
مع بداية الاحتجاجات الشعبية في آذار/ 2011 أدركت السلطات السورية دور الإعلام الفعال في فضح الجرائم والانتهاكات، وفي إيصال المطالب الشعبية الرئيسة، فقامت بمحاربته بأقصى ما تستطيع من قوة، وحظرت وسائل الإعلام العربية والدولية بنسبة حجب وصلت إلى 100%، وعندها لجأ الناشطون المحليون إلى الإعلام البديل من خلال استخدام تقنيات التكنولوجيا الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة، حيث بدأوا بأدوات بسيطة مثل كاميرات الهواتف المحمولة، ثم طوروا أدواتهم وأداءهم مع تقدم الوقت وتطور مجريات الحراك، وتحسن أداؤهم وطريقة تعاملهم مع المجريات وتغطيتهم للأحداث بشكل واضح، وبدأت تظهر مواقع إلكترونية متخصصة بنقل الصور والأخبار، وصحف وإذاعات إخبارية، إلا أن الظهور السريع للإعلام البديل، لم يترافق مع مستويات موازية من التدريب؛ ما جعله عرضة للتأثر بمزاجيات وإمكانات ومحدودية أفق المسؤولين عنه.
جابهت السلطات السورية النشطاء عبر الاستهداف المباشر بعمليات القتل والاعتقال، ومات العديد منهم بسبب التعذيب كي يكونوا رسالة ردع إلى بقية زملائهم.
عندما تحولت الاحتجاجات الشعبية إلى نزاع مسلح داخلي، بدأت تظهر بشكل أوسع انتهاكات بحق الإعلاميين من قبل أطراف أخرى غير القوات الحكومية، ازدادت تلك الانتهاكات بشكل كبير، وهذا ما يحاول هذا التقرير تسليط الضوء عليه، لإيصال فكرة مبسطة عن التضحيات الكبيرة التي بذلها النشطاء الإعلاميون والصحفيون، في سبيل إيصال الحقيقة التي كلفت الكثيرين منهم حياتهم ثمناً لها، وقد سجلنا العديد من الحالات التي كانت فيها آخر لقطة التقطتها عدسة المصور هي لحظة فقدان حياته.
لقد أضاف ظهور الجماعات المتشددة وعلى رأسها تنظيم داعش لوناً جديداً من ألوان الإرهاب والتفنن في عمليات قتل وخطف الصحفيين، كما حصل مع الصحفيَين الأمريكيَين جيمس فولي، وستيفن سوتلوف، والصحفي الياباني كينجي جوتو جاو.
لم تسلم المناطق الأخرى التي تقع تحت سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، من ارتكاب مختلف أنواع الانتهاكات والجرائم بحق الإعلاميين، كما لم تسلم من محاولات توجيه الكلمة والرأي بقوة السلاح ورفض قبول الرأي الآخر، ولم يقتصر ذلك على الإعلاميين الموالين للقوات الحكومية، بل تجاوز ذلك إلى النشطاء المحليين الذين رفضوا التبعية الفكرية وانتقدوا تصرفات وتجاوزات فصائل المعارضة المسلحة.
وكذلك هو حال المناطق التي تخضع لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، حيث تعددت انتهاكاتها من خطف وملاحقة وتضييق ونفي، الأمر الذي أدى إلى فرار كثير من الإعلاميين أو توقفهم عن العمل.
لقد أدت عمليات القتل والتعذيب والخطف تلك إلى هروب المئات من الإعلاميين خارج البلاد بعد أن أدركوا استحالة عملهم داخل سورية؛ نتيجة أسباب عدة، من أهمها: فقدانهم الأمن والحرية والبيئة المناسبة، وهذا يعني أننا بتنا نتحدث عن نزيف مستمر لمئات الإعلاميين الذين فقدتهم الساحة الإعلامية وما زالت تفقد المزيد كل يوم.