أولاً: المقدمة:
تعرضت الغوطة الشرقية لعمليات قصف وتدمير ممنهجة، لم يقتصر ذلك على خطوط المواجهة، بل من خلال عمليات الرصد والتوثيق اليومية لاحظنا أن أغلب الهجمات تتم على المراكز الحيوية والأحياء المأهولة بالسكان، والتي تبعد عشرات الكيلو مترات عن خطوط المواجهة، والمؤشر على ذلك نسبة الضحايا من المدنيين مقارنة مع المسلحين، وكما أشرنا في عدة تقارير سابقة فقد استبشر السوريون خيراً بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2139 في 22/ شباط/ 2014، وهو الذي جاء متأخراً كثيراً، ونص على أنه: “يجب التوقف الفوري عن كافة الهجمات على المدنيين، ووضع حد للاستخدام العشوائي عديم التمييز للأسلحة في المناطق المأهولة، بما في ذلك القصف المدفعي والجوي، مثل استخدام القنابل البرميلية”.
لكن خيبة الأمل عادت بعد فترة قصيرة حيث لم يحدث أي تغيير، وقد أصدرنا دراسة خاصة حول استخدام القوات الحكومية للقنابل البرميلية قبل وبعد القرار وذلك في الذكرى السنوية الأولى للقرار، وتبين أن شيئاً لم يتغير في إحصائية الضحايا والقنابل البرميلية.
عمليات القصف وبالتالي القتل والتدمير الممنهج التي يقوم بها النظام الحاكم يبدو أنها تهدف بشكل رئيس إلى إفشال إنشاء أي نموذج يقدم بديلاً عن النظام الحاكم، كما يؤدي إلى نزوح السكان من مناطق تسيطر عليها المعارضة إلى مناطق سيطرته التي تحظى عملياً بأمان نسبي، وهذا ما سجلناه مراراً في التقرير الشهري عن استهداف المراكز الحيوية.
وقد دأبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان على التمييز بين حجم ومنهجية الجرائم المرتكبة، بين الأطراف الفاعلة، ولاحظنا دائماً ارتكاب القوات الحكومية لنسبة تتراوح ما بين 85 – 99% من مجموع الانتهاكات، (هذا بكل تأكيد لا يُقدم تبريراً لأي طرف لارتكاب انتهاكات)، لكن من وجهة نظر أخرى يبقى التمييز أمراً حيوياً وضرورياً وسط محيط إعلامي ودولي يركز على جرائم التنظيمات الإسلامية المتشددة، ويُغفل تقريباً جرائم تنظيمات أخرى بنفس درجة التشدد أو أكثر تُقاتل إلى جانب القوات الحكومية، كما لا تحظى القوات الحكومية – التي مازالت تتبع نفس المنهجية في جرائمها-بالقدر ذاته من التركيز والإدانة، حيث يلعب سلاح الطيران الدور الأساسي في عمليات القصف وبالتالي القتل، وهذا السلاح لا تملكه سوى القوات الحكومية.