مسؤولية الأمم المتحدة عن حصار المدنيين في سوريا
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الانسان دراسة بعنوان “مسؤولية الأمم المتحدة عن حصار المدنيين في سوريا” وثقت فيها مقتل 818 شخصاً؛ بسبب الحصار في جميع المناطق التي شهدت حصاراً من قبل النظام السوري وتنظيم داعش.
اعتمدت منهجية التقرير على الداتا المتراكمة منذ عام 2011 وحتى الآن نتيجة للمراقبة اليومية من قبل فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان لعمليات النزوح الناجم عن القصف والتدمير، وعبر شبكة علاقات ضخمة مع المجتمعات المحلية والكوادر الطبية والإعلامية، حيث يوجد قوائم بأسماء الضحايا وصورهم وتفاصيل وفاتهم، وبأسماء الشهود وأماكن تواجدهم وقد واجهت عملية إعداد التقرير صعوبات تتزايد كل عام باستمرار، من قطع الكهرباء والاتصالات وتهديد للأمن وصعوبة التنقل، وحالات الإحباط السائدة في المجتمع السوري من عدم جدوى عمليات التوثيق.
وحدد التقرير وصف الحصار على منطقة ما في سوريا من تعريف القانون الدولي الإنساني، حيث تُعتبر المنطقة محاصرة عندما تقوم قوات عسكرية بإغلاق المعابر، ويُمنع دخول وخروج المدنيين والمرضى والطعام والدواء.
وأضاف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “أدى الحصار وما ترتَّب عليه من عمليات تجويع مستمرة وقصف مركز ومجازر، وتوقف مختلف أشكال الحياة الاجتماعية والاقتصادية إلى نزوح معظم سكان المناطق المحاصرة، كما دفع عدد منهم مبالغ طائلة للمهربين مقابل خروجهم من “الجحيم”، وهذا تسبب بالتالي في تغيير بنية هذه المجتمعات بشكل مستمر، وفي إفراغها من الكتلة النقدية، ما يؤدي إلى انتشار السرقات والفوضى بهدف البقاء على قيد الحياة، وهذه بعض أهداف الحصار التي يسعى النظام السوري إليها، وتم تنفيذ بعضها على خلفية طائفية”.
وأشار التقرير إلى تداعيات الحصار بما فيها القتل الذي يُعد من أعظم الانتهاكات على الإطلاق، فقد طبق النظام السوري سياسة الحصار بشكل ممنهج ومدروس وطويل الأمد، ما تسبب في حرمان سكان مجتمعات بأكملها من الطعام والدواء، وشكَّلَ تهديداً جدياً لجميع المصابين بالأمراض المزمنة، والنساء الحوامل اللواتي تعرضن لعمليات إجهاض مبكر، كما وُلِدَ عدد من الأطفال وهم مصابون بنقص تغذية حاد وتوفي البعض منهم، واضطر الأهالي لأكل النباتات والحيوانات الأليفة.
وثق التقرير مقتل ما لايقل عن 584 شخصاً نتيجة الحصار في 14 منطقة مازالت تخضع للحصار حتى الآن، 552 منهم على يد القوات الحكومية، و32 مدنياً على يد تنظيم داعش.
وبحسب التقرير فإن القوات الحكومية تُحاصر 11 منطقة في سوريا، في حين أن هناك منطقتان تخضعان لحصار مزدوج من قبل تنظيم داعش والقوات الحكومية، إضافة إلى منطقة واحدة تخضع للحصار من قبل قوات سوريا الديمقراطية (بشكل رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي فرع حزب العمال الكردستاني).
وذكر التقرير أن المناطق المحاصرة تتعرض لما تتعرض له المناطق غير المحاصرة والخارجة عن سيطرة النظام، من عمليات قصف وقنص واستهداف بالغازات السامة والذخائر العنقودية والبراميل المتفجرة؛ حيث تعرضت تلك المناطق لما لايقل عن 70 هجمة بالأسلحة الكيمائية من قبل القوات الحكومية، في حين ألقت المروحيات الحكومية ما لايقل عن 8229 برميلاً متفجراً على مناطق الحصار.
وقد ذكر التقرير أن القوات الحكومية وحلفاءها قتلت عبر عمليات القصف ما لايقل عن 17145 مدنياً داخل المناطق المحاصرة منذ بدء الحصار حتى تاريخ إصدار التقرير.
واستعرض التقرير عدة مغالطات في تقرير الأمم المتحدة في قضية الحصار، فالواقع في المناطق المحاصرة يُناقض بشكل صارخ الإحصائيات الواردة في تقرير الأمين العام، فهي أقل بثلاثة مرات، كما أن المناطق التي يُحاصرها النظام السوري تُعاني من صعوبات وتحديات أعظم بأضعاف مضاعفة مما تُعانيه المناطق التي تُحاصرها جهات أخرى، يتمثل ذلك بشكل رئيس في عمليات القصف والقتل اليومي والتدمير والمجازر.
وأشار التقرير إلى عدم العدالة في توزيع المعونات الغذائية، حيث تحصل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري على نسبة لاتقل عن 90% من إجمالي المساعدات، وكانت هذه النسبة أكبر في السنوات الماضية، كما أن النظام السوري مازال يشترط على الأمم المتحدة الحصول على موافقته لإدخال المساعدات إلى المناطق التي يقوم هو بمحاصرتها وقصفها، وهذه مفارقة شنيعة.
وشدد التقرير على أن النظام السوري وتنظيم داعش انتهكا بشكل صارخ القانون الدولي الإنساني عبر ارتكاب جريمة الحصار المنهجي، التي ترقى إلى جريمة حرب متكاملة الأركان كما أكد على انتهاك النظام السوري بشكل لايقبل الشك جميع قرارات مجلس الأمن التي تطرقت إلى موضوع الحصار بدءاً من القرار رقم 2139 الصادر في 22/ شباط/ 2014 وانتهاءً بالقرار رقم 2268 الصادر في 22/ شباط/ 2016 ومابينهما، القرار رقم 2165 الصادر في 14/ تموز/ 2014، والقرار رقم 2191 الصادر في 17/ كانون الأول/ 2014، والقرار رقم 2258 الصادر في 18/كانون الأول/ 2015
أوصى التقرير الأمم المتحدة بفتح تحقيق شامل لكل هذه المزاعم من الاتهامات، وفي حال ثبوت أي تقصير أو خطأ متعمد، يتوجب نشر نتائج تلك التحقيقات، وإطلاع المجتمع السوري عليها، ومحاسبة المتورطين، وأن يتم ذلك في أسرع وقت لأن مصداقية فريق الأمم المتحدة في سوريا أصبحت موضع شك كبير منذ عدة سنوات.
كما طالب مجلس الأمن الدولي بتطبيق القرارات ذات الصلة بموضوع إيصال المساعدات الإنسانية ورفع الحصار (2139، 2165، 2191، 2254، 2258)، لأنها مازالت حبراً على ورق.
وأكد على ضرورة مطالبة الأمين العام بتقديم تقرير مفصل عن المناطق المحاصرة، وأعداد المتواجدين فيها، وكيفية توزيع المساعدات والمناطق التي وصلتها، ونشر التقرير بالسرعة الممكنة لإطلاع المجتمع السوري على التفاصيل.