أولاً: المقدمة:
شهدت مدينة الأستانة عاصمة كازاخستان على مدار يومين (3 – 4/ أيار/ 2017) الجولة الرابعة من المفاوضات بين ممثلين عن روسيا وتركيا وإيران كدولٍ راعيةٍ لاتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار، واتفقت الدول الثلاث على إقامة أربع مناطق لخفض التَّصعيد على أن يدخل الاتفاق حيِّز التَّنفيذ في 6/ أيار/ 2017، حدَّد الاتفاق 4 مناطق رئيسة لخفض التصعيد في محافظة إدلب وما حولها (أجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية)، وشمال محافظة حمص، والغوطة الشرقية، وأجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا، على أن يتم رسم حدودها بدقة من قبل لجنة مُختصة في وقت لاحق. يشمل الاتفاق وقف الأعمال القتالية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وعودة الأهالي النازحين إلى تلك المناطق.
وأسفرت مباحثات واسعة بدأت في أيار/ 2017 في العاصمة الأردنية عمَّان بين كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والأردن، عن إعلان كل من الرئيسَين الأمريكي والروسي على هامش قمة دول الاقتصاديات العشرين الكبرى في هامبورغ التَّوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، على أن يدخل الاتفاق حيِّز التَّنفيذ عند الساعة 12:00 من يوم الأحد 9/ تموز/ 2017. نصّ اتفاق الجنوب السوري على السماح بدخول المساعدات الإنسانية، إضافة إلى وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة (قوات النظام السوري وحلفاؤه من جهة، وفصائل في المعارضة المسلحة من جهة ثانية) على أن يقع أمن هذه المنطقة على عاتق القوات الروسية بالتِّنسيق مع الأمريكيين والأردنيين.
ثمّ عُقدت في تموز وآب 2017 اتفاقيات محلية أخرى، كاتفاق الغوطة الشرقية بين فصائل في المعارضة المسلحة فيها من جهة، وأفراد من الجانب الروسي من جهة ثانية، واتفاق مُشابه مع فصائل في المعارضة في ريف حمص الشمالي، لكنَّ هذه الاتفاقيات لم تُنشر نصوصها الرسمية على مواقع للحكومة الروسية، كما لم تنشرها فصائل في المعارضة المسلحة، عدا فصيل فيلق الرحمن الذي نشر نصَّ الاتفاق على موقعه الرسمي، ووردَ في نهايته توقيع لضامن روسي لكن دون ذكر الاسم الصريح، وفي ذلك خلل كبير، ويبدو أنَّ كلَّ ذلك يساعد الطرف الضامن الروسي في سهولة التخلص من أي التزامات أو تبعات قانونية أو سياسية لاحقة.
يوم السبت 22/ تموز/ 2017 أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن توقيع اتفاق لخفض التَّصعيد في الغوطة الشرقية في ختام المفاوضات بين أفراد عسكريين روس من جهة، وبين فصيل جيش الإسلام من جهة ثانية، في العاصمة المصرية القاهرة، على أن يدخل الاتفاق حيِّزَ التَّنفيذ في الساعة 12:00 من اليوم ذاته. ويوم الأربعاء 16/ آب/ 2017 وقّع ممثل عن فيلق الرحمن وممثل عن الحكومة الروسية في مدينة جنيف اتفاقاً ينصُّ على انضمام فيلق الرحمن إلى منطقة خفض التَّصعيد في الغوطة الشرقية، على أن يدخل هذا الاتفاق حيِّزَ التَّنفيذ عند الساعة 21:00 من يوم الجمعة 18/ آب/ 2017.
الإثنين 31/ تموز/ 2017 وفي العاصمة المصرية القاهرة تمَّ توقيع اتفاق لخفض التَّصعيد في ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي بين فصائل في المعارضة المسلحة في المنطقة والنظام السوري ممثلاً بالحكومة الروسية كطرف ضامن على أن يدخل هذا الاتفاق حيِّز التَّنفيذ عند الساعة 12:00 من يوم الخميس 3/ آب/ 2017.
شملت أهمُّ بنود الاتفاقَين الأخيرين وقف جميع الأعمال القتالية بين الأطراف المتنازعة في المناطق المذكورة -عدا المناطق التي يوجد فيها تنظيم داعش أو هيئة تحرير الشام- والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى تلك المناطق والإفراجَ عن المعتقلين -مَحلَ اهتمام كُلِّ طَرَف-.
لكن على الرغم من كل ذلك فإن الخروقات لم تتوقف، وبشكل رئيس من قبل النظام السوري، الذي يبدو أنه المتضرر الأكبر من استمرار وقف إطلاق النار، وخاصة جرائم القتل خارج نطاق القانون، والأفظع من ذلك عمليات الموت بسبب التعذيب، التي لم تتوقف أو تتأثر حصيلة ضحاياها بتلك الاتفاقات، وهذا يؤكد وبقوة أن هناك وقفاً لإطلاق النار فوق الطاولة نوعاً ما، أما الجرائم التي لا يُمكن للمجتمع الدولي -تحديداً للجهات الضامنة لتلك الاتفاقات- أن يلحظَها فهي مازالت مستمرة لم يتغير فيها شيء.
مع نهاية الجولة السادسة من المفاوضات في العاصمة الكازخية أستانة التي انعقدت على مدار يومين (14 – 15/ أيلول/ 2017) تمَّ الإعلان عن تثبيت منطقة خفض التَّصعيد في محافظة إدلب وما حولها مع الإقرار بنشر قوات عسكرية (روسية، تركية، إيرانية) لمراقبة الاتفاق، والسَّماح بدخول المساعدات الإنسانية.
وفي 19/ أيلول بدأت قوات الحلف السوري – الروسي حملة عسكرية مُكثَّفة على محافظة إدلب إثر إعلان هيئة تحرير الشام مدعومة بعدد من فصائل في المعارضة (الحزب الإسلامي التركستاني، وجيش العزة، وجيش النخبة) عن معركة أطلقت عليها اسم “يا عباد الله اثبتوا”، ثم وسَّعت هذه القوات حملتها فشملت ريفي محافظة حلب وحماة، والغوطة الشرقية بريف دمشق.