أولاً: مقدمة:
لم تنجح اتفاقية خفض التَّصعيد التي دخلت حيِّزَ التَّنفيذ في أيار/ 2017 وما تَبِعها من اتفاقيات محليَّة في منطقة الغوطة الشرقية نصَّت بنودها على رسم الحدود الجغرافية لمنطقة خفض التَّصعيد وإيقاف العمليات القتالية، وإخلاء الجرحى، ودخول القوافل الإغاثية، في وقف المجازر والانتهاكات والهجمات العشوائية أو المقصودة التي تشنُّها قوات الحلف السوري الروسي، فعلى سبيل المثال، في غضون الـ 48 ساعة الأولى من توقيع الاتفاقية الأولى في 22/ تموز/ 2017 بين فصيل جيش الإسلام والقوات الروسية، ارتكب سلاح الجو الروسي مجزرة في مدينة عربين إحدى المناطق المشمولة بالاتفاق راح ضحيتها 9 مدنياً، بينهم 5 أطفال. وحتى لحظة إعداد هذا التقرير سجَّلنا ما لايقل عن 28 مجزرة، و84 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنيَّة، بينها ما لايقل عن 12 منشأة طبيَّة منذ 22/ تموز/ 2017.
صعَّدت قوات الحلف السوري الروسي على نحو متزايد من وتيرة هجماتها التي استهدفت المدنيِّين والأحياء السكنيَّة والأعيان المدنيَّة، بعد هجوم شنَّته حركة أحرار الشام الإسلامية -أحد فصائل المعارضة المسلحة- على جبهات للنظام السوري في 14/ تشرين الثاني/ 2017، وهذا نهج مُتكرِّر اتّبعته تلك القوات مِنْ قصف وقتل وانتقام من الأحياء المدنيَّة التي تبعد عشرات الكيلو مترات عن خط المواجهة.
وقد تحدَّثنا في تقرير سابق أصدرناه بعد مرور 13 يوماً على تصعيد الحملة العسكرية عن أبرز انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الحلف السوري الروسي في الغوطة الشرقية، كما أصدرنا تقريراً عن حملة مُشابهة شنَّتها قوات الحلف السوري الروسي على محافظة إدلب المشمولة أيضاً باتفاقية خفض التَّصعيد.
وعلى الرَّغم من أنَّ الاتفاقيات المبرمة نصَّت بشكل واضح على ضرورة إنهاء الحصار المفروض على الغوطة الشرقية وضرورة الإخلاء الفوري للجرحى والسَّماح بدخول القوافل الإغاثية فإنَّنا لم نرصد سوى 4 قوافل إغاثية دخلت الغوطة الشرقية منذ 22/ تموز/ 2017 كان آخرها في 24/ أيلول/ 2017، وبحسب ReliefWeb -وهي منظومة ترصد احتياجات السكان في مناطق الأزمات- فإنَّ 25 % فقط من سكان الغوطة الشرقية البالغ عددهم 350 ألف نسمة قد حصل على المساعدات في عام 2017.
لم يسمح النظام السوري بإخلاء الحالات الحرجة، التي ازداد عددها بشكل صارخ مع استمراره في سياسة التجويع والحرمان من الأدوية والمستهلكات الطبيَّة التي اشتدَّت في آذار/ 2017، حيث بلغ عدد الحالات قرابة 630 حالة حرجة منهم مرضى سرطان وأمراض مُزمنة ومنهم جرحى يحتاجون إلى عمليات جراحية تخصصيَّة لا تستطيع الكوادر الطبيَّة في الغوطة الشرقيَّة إجراءها، وبحسب تقرير لوكالة اليونيسيف فإنَّ 137 طفلاً بحاجة إلى الإجلاء الفوري من الغوطة الشرقية.
بين 27 و 29/كانون الأول/ 2017 سمحَ النظام السوري لمنظمة الهلال الأحمر السوري بإجلاء 29 حالة حرجة (منهم 9 أطفال، و6 سيدات) برفقة 59 شخصاً من ذويهم إثرَ صفقة عقدَها مع فصيل جيش الإسلام -أحد فصائل المعارضة المسلحة- تقضي بإفراج الأخير عن 29 معتقلاً لديه بينهم 9 من قوات النظام السوري.
وبحسب أحد الكوادر الطبيَّة في الغوطة الشرقية فقد توفي 2 شخصاً من ضمن الحالات الحرجة التي كان من المقرر إجلاؤها.
الأربعاء 10/ كانون الثاني/ 2018 أدانَ مفوَّض الأمم المتحدة السَّامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين في بيان صادر عن الأمم المتحدة ما يحصل في الغوطة الشرقية، من حصار وقصف عشوائي.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“ما يحصل في الغوطة هو انتهاك لثلاثة أشياء معاً: قانون الحرب، اتفاقيات خفض التَّصعيد، اتفاقيات ثنائية مع روسيا، هذه الأمور مُجتمعةً لم تحمِ المدنيين في الغوطة الشرقية من انتقام قوات الحلف السوري الروسي، وبدلاً من استهداف خطوط المواجهة والعسكريين يتم بنذالة قتلُ العوائل وقصف المنازل والمشافي والمدارس”.