حصاد أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في الذكرى السَّابعة للحراك الشَّعبي في سوريا
أولاً: المقدمة:
جسَّد الحراك الشَّعبي في آذار/ 2011 منعطفاً استثنائياً في نضال الشَّعب السوري نحو الحرية والتَّحرر من نظام يُعتبر واحداً من أعتى الأنظمة في الشرق الأوسط بل والعالم، وقد أثبتت السَّنوات السبع الماضية حجم الوحشية الدموية الساديَّة، التي واجه بها النِّظام الحاكم الشَّعب، الذي خرج ضدَّه مُطالباً بتغيير نظام الحكم العائلي الأمني، وهذا هو تحديداً جوهر الحراك الشعبي، بعيداً عن العناصر والمتغيرات التي دخلت ولعبت به لاحقاً، فقد أنهى نظام الحكم العائلي أيَّ شكل من أشكال العمل السياسي، وأصبح همُّهُ الأول الاستمرار في الحكم إلى الأبد، استخدم سلطته المطلقة على جميع أجهزة الدولة وفي مقدِّمتها الجيش والأجهزة الأمنية، وسخَّرها ضدَّ الشعب لقمع المجتمع السوري وتحطيمه على مدى عقود.
لقد تعرَّض الشَّعب السوري، بشكل خاص كل من ساهم في الحراك الشعبي ضدَّ نظام الحكم العائلي إلى حجم وحشية وعنف غير مسبوقَين في العصر الحديث، وصلَ حدَّ استخدام الأسلحة الكيميائية ضدَّ المدنيين؛ بهدف إرهابهم واستسلامهم وضمان عودتهم إلى حظيرة نظام حكم الفرد الأوحد، وعبر عمليات تعذيب ساديَّة داخل مراكز الاحتجاز وصلت حدَّ الإبادة، وحصار وتجويع عشرات آلاف المدنيين بمن فيهم من نساء وأطفال وكبار سن، وإن لم يكن مستغرباً لدى بعض السوريين حجم وحشية نظام حكم عائلة الأسد، الذي خَبِروه على مدى عقود، مروراً بمجزرة جسر الشغور وحماة وحلب وتصفية عشرات آلاف الكوادر السورية، إلا أنَّ الأمرَ الذي كان ولا يزال ليس مفهوماً هو حجم الصَّمت والعدمية الدولية تجاه هذه الجرائم، التي تم توثيقها من قبل منظمات أُممية ودولية ومحلية بشكل لا يقبل التَّشكيك، بل الأفظع من ذلك أن تحاول بعض الدول والمسؤولين والمندوبين والوسطاء الترويج لفكرة ضرورة إنهاء المطالب الشعبية بالكرامة والحرية ورفع نظام الحكم العائلي والانتقال الديمقراطي، وحصرها بأمور “واقعية” بدل مطالبتهم بمحاسبة السَّفاحين أعداء البشرية.
وعلى مدار السَّنوات السبع الماضية وثَّقنا في الشبكة السورية لحقوق الإنسان انتهاكات فظيعة، وتحدَّثنا مع عشرات آلاف الناجين والشهود، ولا تزال عمليات التَّوثيق مستمرة، حفظاً لتاريخ سوريا من التَّبديل، وأملاً في الوصول إلى العدالة عبر محاسبة المجرمين، ولهذا رفعنا دائماً شعار “لا عدالة بلا محاسبة”.
تشهدُ هذه الأيام هجمة عسكرية هي الأعنف والأكثف قصفاً وبربرية وتدميراً منذ بداية الحراك الشعبي حتى الآن، تستهدف مناطق الغوطة الشرقية، حيث تمَّت تسوية بلدات بالأرض بشكل شبه كامل، وتشرَّد أهلها، وهذه الهجمات والحصار تُهدد حياة قرابة 350 ألف سوري.
نستعرض في هذا التقرير الموجز حصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان التي تمكنَّا من تسجيلها في قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ اندلاع الحراك الشعبي نحو الديمقراطية في سوريا في آذار/ 2011 حتى آذار/ 2018، وهذه الإحصائيات تُمثِّل الحدَّ الأدنى في ظلِّ الصُّعوبات والتَّحديات، التي تواجه عمليات التَّوثيق، ولمزيد من التَّفاصيل عن آلية جمع وتحقيق المعلومات بالإمكان الاطلاع على منهجية عملنا.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“بعد انتهاء تنظيم داعش تقريباً، عادَ إلى الواجهة من جديد جوهر الصِّراع السوري وهو ما بين نظام حكم عائلي دموي وبين حراك شعبي تحوَّل لاحقاً إلى حراك مُسلَّح، وأية محاولة لتجاوز هذه المعادلة لن تؤدي إلى أيِّ شكلٍ من أشكال الاستقرار، بل إلى مزيدٍ من سنوات التَّشريد والقتل، في ظلِّ غياب المجتمع الدولي تماماً”.