أبرز انتهاكات هيئة تحرير الشام منذ تأسيس جبهة النصرة حتى الآن
هيئة تحرير الشام مستمرة في ارتكاب أنماط متعددة من انتهاكات حقوق الإنسان، بشكل رئيس في مراكز الاحتجاز التابعة لها
بيان صحفي (لتحميل التقرير كاملاً في الأسفل):
باريس – قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم عن أبرز انتهاكات هيئة تحرير الشام منذ تأسيس جبهة النصرة حتى الآن، إنَّ هيثة تحرير الشام مستمرة في ارتكاب أنماط متعددة من انتهاكات حقوق الإنسان، بشكل رئيس في مراكز الاحتجاز التابعة لها، وقد وثَّق التقرير مقتل ما لا يقل عن 505 مدنياً على يد الهيئة بينهم 71 طفلاً و77 سيدة، و28 بسبب التعذيب، إضافة إلى ما لا يقل عن 2327 شخصاً لا يزالون قيد الاحتجاز التعسفي أو الاختفاء القسري لدى الهيئة.
أوردَ التقرير – الذي جاء في 62 صفحة- خلفية موجزة عن هيئة تحرير الشام، وتحدث عن واقع الحقوق والحريات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، كما فصَّل في النظام القضائي وجهاز الحسبة لدى الهيئة، وتحدّث عن مراكز الاحتجاز التابعة لها، إضافة إلى أساليب التعذيب التي تمارس في هذه المراكز، وقدَّم التقرير حصيلة لأبرز انتهاكات هيئة تحرير الشام منذ الإعلان عن تأسيس جبهة النصرة في سوريا في كانون الثاني 2012 حتى نهاية عام 2021.
اعتمد التقرير بشكل رئيس على ما يقوم به فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان من عمليات رصد وتوثيق يومية مستمرة لانتهاكات قامت بها جبهة النصرة، التي أصبحت هيئة تحرير الشام، مشيراً إلى تغيُّر كبير في مناطق السيطرة التي خضعت لكل من جبهة النصرة/ جبهة فتح الشام/ هيئة تحرير الشام منذ عام 2012، ونوَّه إلى أن معظم حوادث الانتهاكات قد تركزت في الأجزاء التي خضعت للهيئة من محافظتي إدلب وحلب على اعتبار أنهما قد خضعتا لسيطرة الهيئة لحقب زمنية أطول مقارنة مع مناطق في محافظات أخرى مثل دير الزور أو حماة أو ريف دمشق. واستندت منهجية التقرير إلى المقابلات التي تم عقدها مع شهود وناجين وذوي ضحايا ونشطاء محليين ومحامين وعاملين في القضاء، وعناصر سابقون في فصائل المعارضة، وقد بلغ عدد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم لإنجاز التقرير قرابة 85 شخصاً، واستعرض التقرير 22 رواية كعينة نوعية. وقد عنيَ التقرير بجانب احترام القانون الدولي الإنساني أثناء المعارك مع خصم على خلفية النزاع المسلح الداخلي، كما ركز بشكل أوسع على الحقوق والحريات الأساسية للأفراد المحكومين بسيطرة هيئة تحرير الشام، وقال التقرير إن السيطرة ليست مجرد هيمنة عسكرية وتحكم بموارد اقتصادية، ولعب دور سياسي، ولكن الأهم من كل ذلك هو احترام حقوق الإنسان للسكان في المناطق الخاضعة للسيطرة، ومن هذا الاحترام تنبع الشرعية الداخلية وليس من مجرد القوة والهيمنة العسكرية.
وطبقاً للتقرير فإن الجهاز القضائي لدى الهيئة مكوَّن من أجهزة قضائية عديدة، تكاد تكون منفصلة عن بعضها البعض ولا يوجد تنسيق بينها، كما أنه لا يستند إلى أحكام ولوائح قضائية محددة ومعروفة، ويعتمد بشكل رئيس على التعاميم والتعليمات الوزارية التي تعتبر بمثابة قانون ينظم عمل المحاكم، ولا يوجد قانون للإجراءات الناظمة لعمل المحاكم “قانون أصول المحاكمات”. ويعتمد في كثير من المناصب الإدارية والقضائية على طلاب العلوم الدينية أو طلاب الحقوق، وهؤلاء الطلاب من المنتسبين لهيئة تحرير الشام، أو الخاضعين لها بالولاء التام؛ مما يعني انعدام استقلالية وكفاءة القضاء لدى هيئة تحرير الشام.
سجل التقرير منذ مطلع عام 2012 حتى كانون الأول/ 2021 مقتل ما لا يقل عن 505 مدنياً بينهم 71 طفلاً و77 سيدة على يد هيئة تحرير الشام، وبحسب رسم بياني عرضه التقرير فقد توزعت حصيلة القتل هذه بحسب طبيعتها إلى: 371 مدنياً بينهم 69 طفلاً و67 سيدة قتلوا عبر الأعمال القتالية غير المشروعة، فيما قتل 28 بينهم 2 طفلاً بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية، وقتل 106 بينهم 10 سيدات عبر الإعدام من خلال إجراءات موجزة وتعسفية. وأظهرَ تحليل البيانات أنَّ عام 2014 كان الأسوأ من حيث حصيلة ضحايا القتل خارج نطاق القانون، يليه عام 2013 و2015 بنسبة متساوية، ثم 2019. ووفقاً لرسم بياني أورده التقرير لتوزع ضحايا القتل خارج نطاق القانون على يد الهيئة تبعاً للمحافظات التي ينتمون إليها، فقد تصدرت محافظة إدلب بقية المحافظات بقرابة 35 % من حصيلة الضحايا المسجلة، تلتها حمص ثم حلب ثم حماة.
وطبقاً للتقرير فإن ما لا يقل عن 2327 شخصاً بينهم 43 طفلاً و44 سيدة (أنثى بالغة) لا يزالون قيد الاحتجاز التعسفي أو الاختفاء القسري لدى هيئة تحرير الشام منذ الإعلان عن تأسيسها مطلع عام 2012 حتى كانون الأول/ 2021، تحول ما لا يقل عن 2103 منهم، بينهم 19 طفلاً و28 سيدة، إلى مختفين قسرياً. ووفقاً للمؤشر التراكمي لهذه الحصيلة فإنَّ عام 2015 كان الأسوأ، يليه عام 2018 ثم 2019 ثم 2017. وقد أوردَ التقرير رسماً بيانياً لحصيلة المحتجزين/ المختفين قسرياً لدى هيئة تحرير الشام تبعاً للمحافظات التي ينتمون إليها، أظهر أن محافظة إدلب تتصدر بقية المحافظات بقرابة 67 %، تليها حلب ثم حماة ثم ريف دمشق.
قال التقرير إن هيئة تحرير الشام تتبع سياسة ماكرة تقوم على استدعاء النشطاء المعارضين والمتظاهرين، والمنتقدين لسياسة حكومة الإنقاذ والأخطاء التي ترتكبها، حيث يجري التحقيق معهم، بهدف احتوائهم عن طريق الترغيب أو التهديد، وهذه المرحلة تعتبر بمثابة إنذار وتهديد، وتتجنب من خلالها الهيئة نهج الاحتجاز المفاجئ، وتكون بمثابة ذريعة أمام المجتمع وأمام ذوي الناشط، وقد تركَّز هذا التكتيك بحق النشطاء البارزين والشخصيات الاجتماعية بشكل أساسي، أما المدنيين العاديين الذين لا يثير اعتقالهم أي رد فعل، فتقوم الهيئة باعتقالهم مباشرة، دون اللجوء إلى هذه المرحلة التمهيدية، التي يتخللها الطلب من الناشط التعهد بعدم تكرار ما قام به، وتقديم اعتذار عنه، وطلب الرحمة، وغالباً ما يرضخ الشخص المستدعى، ويدفع غرامة مالية، قد تترافق مع سجن بضعة أيام، وإيقاف عن مزاولة مهنته، وجميع ذلك مقابل عدم احتجازه/ إخفائه قسرياً لسنوات. وفي هذا السياق سجل التقرير ما لا يقل عن 273 حالة استدعاء/تهديد وجهت من قبل هيئة تحرير الشام منذ عام 2017 حتى كانون الأول/ 2021، وقد تبين أن هناك تنسيقاً بين مختلف الأجهزة الأمنية والمؤسسات المدنية والقضائية التي أنشأتها هيئة تحرير الشام (والتي تنكر صلتها بها) لتنفيذ هذه الاستدعاءات/التهديدات.
رصد التقرير ما لا يقل عن 46 مركز احتجاز دائم تابع لهيئة تحرير الشام في شمال غرب سوريا، في محافظة إدلب وريف محافظة حلب الغربي وريف اللاذقية. وقدر التقرير أنَّ مراكز الاحتجاز هذه تضمُّ قرابة 2327 محتجزاً/مختفٍ قسرياً، العشرات منهم قضوا مدد احتجاز طويلة قد تصل إلى خمس سنوات، وتحول الغالبية العظمى منهم إلى مختفين قسرياً، كما تتعرض الغالبية العظمى منهم لشكل من أشكال التعذيب. إضافة إلى ما لا يقل عن 116 مركز احتجاز مؤقت، تجري فيها عمليات التحقيق والاستجواب. وقدَّم التقرير عرضاً مفصلاً لأبرز هذه المراكز.
وطبقاً للتقرير فإن هيئة تحرير الشام تستخدم أساليب تعذيب متعددة ضمن مراكز الاحتجاز التابعة لها، وتشابهت إلى حدٍّ ما مع أساليب التعذيب التي يمارسها النظام السوري في مراكز احتجازه، وعرض التقرير 22 أسلوب تعذيب من أبرز الأساليب التي تميزت بها هيئة تحرير الشام، وقام بتوزيعها ضمن ثلاثة أصناف رئيسة وهي: 13 من أساليب التعذيب الجسدي، و8 أساليب تعذيب نفسي، وأعمال السخرة. وعرض رسومات تحاكي أساليب التعذيب هذه.
تحدث التقرير عن أن المرأة السورية تعاني في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام من التمييز السلبي تجاهها بشكل عام، وتزداد معاناتها أضعافاً مضاعفة إذا كانت عاملة أو ترغب أن تعمل في الشأن العام، أو في منظمات المجتمع المدني أياً كانت، إعلامية، إغاثية، سياسية، وقد وثق التقرير تعرض العديد من النساء اللواتي انخرطن في الشأن العام، للتضييق والترهيب لدفعهن إلى التخلي عن عملهن، وفي سياق متصل سجل التقرير ما لا يقل عن 108 حوادث استهدفت النساء فيها على خلفية عملهن أو على خلفية معارضتهن لممارسات هيئة تحرير الشام، منذ بداية عام 2014 حتى كانون الأول/ 2021.
أكد التقرير أن هيئة تحرير الشام طرف عسكري أساسي من أطراف النزاع المسلح الداخلي في سوريا، ويتوجب عليها أن تلتزم بالقواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني، كما أنها سيطرت على مناطق واسعة منذ تأسيسها حتى الآن، ويتوجب عليها كقوة مسيطرة ذات هيكلية وكيان سياسي أن تلتزم بمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان. وقال إنها انتهكت في العديد من عمليات القصف مبادئ التمييز والتناسب، وتسبَّبت بعض الهجمات في وقوع خسائر مادية وبشرية، وتشكل الهجمات العشوائية على المناطق المأهولة بالسكان انتهاكاً فظيعاً للقانون الدولي الإنساني.
كما ارتكبت هيئة تحرير الشام انتهاكات واسعة للقانون الدولي لحقوق الإنسان بحق الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرتها عبر عمليات الخطف والاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، وعبر الأحكام الجائرة الصادرة عن محاكم لا ترقى بأي حال من الأحوال إلى القواعد الأساسية للمحاكمات العادلة.
طالب التقرير مجلس الأمن بعدم تأخير إنجاز حل النزاع في سوريا لأن ذلك سوف يساهم في تعزيز قوة هيئة تحرير الشام ونشر الفكر المتطرف الناتج عن استمرار الاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان. واتخاذ خطوات جدية لإنهاء النزاع في سوريا بما في ذلك وضع جدول زمني صارم لعملية الانتقال السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، كونها ما زالت تراوح مكانها منذ بيان جنيف واحد حزيران/2012 حتى الآن.
كما أوصى المجتمع الدولي والدول المؤثرة بدعم منظمات المجتمع المدني الحيوية في مناطق الشمال السوري، التي تقف في وجه التَّنظيمات المتطرفة عبر نشر الوعي وتقديم الخدمات. ودعم تشكيل جهاز شرطة محلية قوي ومتماسك للدفاع عن الأهالي من حالات الخطف والاعتداءات؛ ما يُمهد لحالة من الاستقرار والأمان النسبي.
كما طالب بتصنيف المنظمات المتطرفة الشيعية الإيرانية والعراقية وغيرها، والمدعومة من دولة إيران بشكل علني، على قوائم الإرهاب، واستهدافها والتضييق عليها جنباً إلى جنب مع التنظيمات الإسلامية المتشددة.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية…
المواطن حسن مرعي الحريري مختفٍ قسريا منذ عام 2014
باريس – أطلعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في الأمم المتحدة بقضية المواطن “حسن مرعي الحريري”، الذي كان يعمل عامل مياومة قبيل اعتقاله، وهو من أبناء مدينة داعل بريف محافظة درعا الشمالي، من مواليد عام 1975، اعتقلته عناصر قوى الأمن العسكري التابعة لقوات النظام السوري يوم الثلاثاء 24/ حزيران/ 2014، وذلك لدى مروره على إحدى نقاط التفتيش التابعة لها في قرية منكت الحطب بريف محافظة درعا، واقتادته إلى جهة مجهولة، ومنذ ذلك التاريخ أخفي قسرياً، ولا يزال مصيره مجهولاً بالنسبة للشبكة السورية لحقوق الإنسان ولأهله أيضاً.
كما قامت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بإطلاع المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، والمقرر الخاص المعني بحق كل إنسان بالتمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، بقضية المواطن “حسن”.
السلطات السورية تنفي إخفاءها القسري للمواطن حسن مرعي الحريري، ولم تتمكن الشبكة السورية لحقوق الإنسان من معرفة مصيره حتى الآن، كما عجز أهله عن ذلك أيضاً، وهم يتخوفون من اعتقالهم وتعذيبهم في حال تكرار السؤال عنه كما حصل مع العديد من الحالات المشابهة.
طالبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان لجنة الأمم المتحدة المعنية بالاختفاء القسري، والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، والمقرر الخاص المعني بحق كل إنسان بالتمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، طالبتهم بالتدخل لدى السلطات السورية من أجل مطالبتها العاجلة بالإفراج عنه، والإفراج عن آلاف حالات الاختفاء القسري، وضرورة معرفة مصيرهم.
الحكومة السورية ليست طرفاً في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، لكنها على الرغم من ذلك طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، الَلذين ينتهك الاختفاء القسري أحكام كل منهما.
كما أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تخوُّفها من عمليات التعذيب وربما الموت بسبب التعذيب بحق المختفين قسرياً منذ عام 2011 ولا يزال عداد الاختفاء القسري في تصاعد مستمر.
اضطهاد الدولة وحق الأقليات في تقرير المصير
اللغات
متاح بالـ
موجز عن الدراسة:
نشرت “قلمون: المجلة السورية للعلوم الإنسانية” المحكمة في العدد الثامن عشر منها دراسة للأستاذ فضل عبد الغني المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان بعنوان “اضطهاد الدولة وحق الأقليات في تقرير المصير”، تناول فيها التطور القانوني الخاص بالأقليات في ظل هيئة الأمم المتحدة ومدى فاعليته، وخلصت الدراسة إلى مسؤولية الدولة الأساسية في حال مطالبة الأقليات فيها بحق تقرير المصير، وطالبت دول العالم باحترام حقوق الأقليات وتعزيزها لتجنب الاضطرابات والنزاعات والمطالبة بحق تقرير المصير.
ناقشت الدراسة -التي جاءت في 11 صفحة- مدى مسؤولية الحكومات عن مطالبة الأقليات في البلدان التي تحكمها بحق تقرير المصير، وقالت إن معالجة قضايا الأقليات وما يتعلق بها أمر غاية في الأهمية على صعيد القانون الدولي؛ لأن هذه القضية مرتبطة بعدة قضايا ومفاهيم بشكل حساس، مثل مفاهيم احترام الحريات وحقوق الإنسان، ومفهوم الدولة، والانفصال، وتقرير المصير، والسيادة، ووفقاً للدراسة لطالما تسبَّب التعامل الخاطئ مع الأقليات في حدوث نزاعات، وتدخلات إقليمية ودولية، وتوظيف للأقليات داخل الدولة، وحروب داخلية ودولية، وبالتالي تهديد للأمن والسلم المحلي والإقليمي والدولي.
طبقاً للدراسة فليس هناك تعريف قانوني متفق عليه لكلمة “أقلية” في القانون الدولي، وذلك لعدة أسباب من أبرزها الطابع المتغير للأقليات من بلد إلى آخر نتيجة لأسباب تاريخية أو سياسية أو اجتماعية، ولفتت إلى أن إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأقليات عام 1992 يعتبر الوثيقة المرجعية الأولى الخاصة بالأقليات، إلا أنه على الرغم من كل التطور الحاصل بعده على هذا الصعيد، إلا أن نظام الأمم المتحدة لا يزال عاجزاً إلى حدٍّ كبير عن إلزام كثير من الدول على الإيفاء بالتزاماتها تجاه حقوق الأقليات، كما تفتقر جميع آليات الأمم المتحدة إلى إجراءات عقابية تردع الدول المخالفة والمنتهكة لحقوق الأقليات، باستثناء مجلس الأمن الدولي، الذي ذكَّرت الدراسة أنه الـمُهيمَن عليه بشكل تام من قبل الدول دائمة العضوية، التي تتغلب مصالحها على القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، وأشارت إلى فشله بشكل فظيع في حماية الأقليات في عدة بلدان حول العالم.
وفي سياق متصل قالت الدراسة إن إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأقليات عام 1992 غير ملزم، ولم يضع آليات رقابة ومحاسبة، كما أنه طلب من أجهزة الدولة أن تقوم بتطبيق مواد الإعلان، وطرحت تساؤلاً مهماً، وهو: ماذا إذا كانت أجهزة الدولة نفسها هي التي تنتهك حقوق الأقليات، وعلى نطاق واسع؟ وأضافت أن إعلان حقوق الأقليات يخاطب الأقليات من مواطني الدولة، لكن ماذا عن الأقليات المحرومة من الجنسية؟ كما هو الحال على سبيل المثال في أكراد سوريا الذين حرمهم نظام حكم الأسد من الجنسية.
وتحدثت الدراسة عن واجبات الدولة تجاه الأقليات، وركزت ذلك في خمسة محاور أساسية تضمنَّت: حماية الوجود المادي والمعنوي للأقليات، وعدم التمييز ضدَّهم، وعدم استيعاب الأقليات بل تعزيز هويتها، واعتماد تدابير تشريعية ملائمة للأقليات -عبر التشاور معهم وبمشاركتهم- وتحقق هذه التدابير جميع ما ورد في الإعلان وتشتمل على عقوبات في حال مخالفتها. وأخيراً الأقليات وحق تقرير المصير، وأهمية المشاركة الفعالة. وتوسَّعت الدراسة في الحديث عن حق تقرير المصير، وأكدت بدايةً أن حقَّ الشعوب في تقرير مصيرها ثابت في القانون الدولي، وبشكل خاص في المادة 1 المشتركة بين العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، وينطبق على الشعوب الأصلية وعلى الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو الاستعمار الأجنبي، وأوضحت أنه في حالة الأقليات فلم يشر إعلان الأمم المتحدة عام 1992 إلى حق المجموعات في تقرير المصير، حيث اعتبر الإعلان أن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات حقوق فردية، وإن كان لا يمكن التمتع بها إلا في إطار جماعي، أما حقوق الشعوب فهي حقوق جماعية، ولكن هذا لا يمنع أن يقوم الأشخاص الذين ينتمون إلى أقلية قومية أو إثنية بالمطالبة بحق تقرير المصير عندما يتصرفون كمجموعة، وفي هذه الحالة يعتبرون شعباً وليسوا أقلية.
وبالنظر إلى ما سبق رأت الدراسة أن مطالبة الأقليات بحق تقرير المصير ترتبط بشكل عضوي في حق المشاركة تحديداً، الذي أكد عليه إعلان 1992، فمن خلال المشاركة تعبِّر الأقليات عن هويتها ووجودها، وتضمن بقاءها وحمايتها، وقالت إنه يجب أن تكون المشاركة في صناعة القرار السياسي على المستويين المحلي والوطني، وفي مؤسسات الدولة كافة، وبشكل خاص الحق في أن ينتخب ويُنتَخب، وفي هذه النقطة الحساسة تحديداً، أكدت الدراسة على أن الأقليات لا تتمكن غالباً في الأنظمة الديمقراطية التي تعتمد نظام الأغلبية من الحصول على عدد من الأصوات يمثلها بشكل مناسب، واقترحت حلاً، وهو النظر في آلية تخصيص مقاعد للأقليات ضمن إطار نظم الانتخاب بالأغلبية، وتخصيص نسبة معينة للنساء أيضاً، وقالت الدراسة إن الهدف من اتخاذ إجراءات خاصة لصالح الأقليات ليس إعطاءها مركزاً امتيازياً، بل لأن الأقليات غالباً ما تكون في حالة من الضعف وتأتي الإجراءات الخاصة لتعزيز وضعها ولجعلها على مستوى الأغلبية ذاته، ولا تكفي مجرد المشاركة السياسية بل يجب أن تكون مشاركة فعالة تمنح ممثلي الأقليات سلطات اتخاذ قرارات مؤثرة في حياة مجتمعاتهم، وهذه المشاركة هي التي سوف تقود إلى مجتمع متماسك يتَّصف بالتَّعددية ومبني على الحوار والديمقراطية، ورأت الدراسة أنه عندما تشعر الأقليات بقدرتها على التحكم بمصيرها والإسهام في التغيير السياسي ضمن المجتمع كله، فسوف تنخفض المطالبة بتقرير المصير والانفصال إلى حدودها الدنيا، بل ربما تنعدم.
قالت الدراسة إن اضطهاد الدولة لحقوق الأقليات عامل أساسي للمطالبة بتقرير المصير، موضحة أن هناك نواحٍ متعددة تقوم فيها الدولة بانتهاك حقوق الأقليات، الأمر الذي يؤدي إلى خلق حالة من الخوف والتفكك وعدم الاستقرار والرغبة في مغادرة هذه الدولة أو المطالبة بحق تقرير المصير، وحكم ذاتي وربما بالانفصال، وقالت إن على الدول العمل بشكل مكثَّف لتجنب الوقوع في مثل هذه الانتهاكات، التي أوردت أبرزها، وهي: التمييز وعدم المساواة، قصور القوانين والتشريعات، ضعف المناهج التعليمية وانتشار خطاب الكراهية، العنف وفقدان المصالحة الوطنية، تقويض المشاركة السياسية والاجتماعية.
تحدثت الدراسة عن التداخل بين السيادة ومسؤولية الحماية وحق تقرير المصير، وقالت إنَّ السيادة ليست مطلقة، بل هي مقيدة على الصعيد الداخلي والدولي، وهي لا تعني أبداً أن للدولة أن تفعل ما تشاء بشعبها، ولا تستطيع مطلقاً التَّذرع بها لارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، وعندما تفشل الدولة في التزاماتها في تأمين حقوق الأقليات، وفي حمايتها من الجرائم ضدَّ الإنسانية أو جرائم الحرب، أو عندما تقوم الدولة بنفسها في ارتكاب هذه الأنماط من الجرائم، وتكون الأقليات مهددة بخطر التشريد أو الإبادة، يصبح التدخل الإنساني الذي تطور إلى مبدأ مسؤولية الحماية واجباً وضرورة قصوى، ولا يكون هناك مجال للحديث عن سيادة الدولة والشأن الداخلي، وبالتالي لا يجب أن تمكن السيادة من إفلات الحكومات والسلطات التي تمارس الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة بحق الأقليات من الإفلات من العقاب.
وقالت الدراسة إن مفهوم السيادة قد استُغلَّ من قبل العديد من الدول وبشكل خاص السلطات الديكتاتورية لتبرير عمليات قمع الأقليات وإقصائها، وانتقاص حقوقها، وانتهاك حقوق الإنسان، بحجة أن ما تقوم به الدولة أو الحكومة بحقِّ رعاياها هو شأن داخلي ولا يحق لأحد التدخل فيه، وهي بالتالي تستخدم مبدأ السيادة القانوني في غير نطاق اختصاصه، وعندما تقوم حكومة دولة ما استناداً إلى مبدأ السيادة بقمع الأقليات وحرمانها وعدم الاعتراف بها، فمن حق تلك الأقليات اللجوء إلى آليات الأمم المتحدة والآليات الإقليمية المختصة في حماية الأقليات، وفي حال ضعف تلك الآليات وعدم تمكنها من ردع تلك الدولة عن ممارساتها المستمرة بحق الأقليات، يجب على المجتمع الدولي مسؤولية حماية تلك الأقلية، ويصبح من حق تلك الأقلية المطالبة بتقرير مصيرها، ويجب دعم حقها في هذا الاتجاه.
أكدت الدراسة أن الدولة المنتهكة لحقوق الأقليات هي المتسبب الرئيس والمباشر أولاً، وضعف تطبيق آليات الأمم المتحدة ثانياً، ولو كان لآليات الأمم المتحدة ذراعاً تنفيذية رادعة ومدافعة عن حقوق الإنسان لما تجرأت معظم دول العالم على ممارسة الانتهاكات واضطهاد الأقليات، مشيرة إلى أن ميثاق الأمم المتحدة قد أعطى مجلس الأمن وحده صلاحيات شمولية تجعل منه سلطة مهيمنة، حيث يتمتع وحده بميزة فرض عقوبات وتطبيقها ومتابعتها، ووفقاً للدراسة فإن تاريخ مجلس الأمن حافل بالفشل في حماية حقوق الإنسان، لأنه يُغلِّب دائماً مصالح الدول الخمس دائمة العضوية على القانون الدولي، وحقوق الإنسان.
أوصت الدراسة بالعمل على إيجاد اتفاقية دولية ملزمة تُعنى بحقوق الأقليات وتركِّز على حقوق الأفراد والجماعات. وأن تنبثق عن الاتفاقية لجنة مختصة لمراقبة الانتهاكات بحق الأقليات والتحقيق فيها، إضافة إلى استمرار عمل المقرر الخاص المعني بشؤون الأقليات، وتصدر اللجنة بيانات وتقارير عاجلة بحسب الضرورة، تنتقد وتُدين ممارسات الدولة وانتهاكها لحقوق الأقليات، ويتم نشر تلك البيانات عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية من أجل فضح ممارسات تلك الدولة.
كما يجب أن تتضمن الاتفاقية مواد تخوِّلها فرض عقوبات سياسية واقتصادية وقانونية بحق الدولة المنتهكة، ودون الرجوع إلى مجلس الأمن، أي أن الاتفاقية يجب أن تتضمن قوة إلزام ذاتية. وأن تتمتع بسلطة تقدير حجم العقوبات ومدتها، وذلك تبعاً لنوعية الانتهاكات التي مارستها الدولة وحجمها. كما يجب أن تتمتع الاتفاقية بسلطة تعليق عضوية أية دولة تنتهك أحكام الاتفاقية بشكل واضح، ومتكرر، وفي حال عدم الالتزام يجب طردها من الاتفاقية والتشهير بها.
طالبت الدراسة أيضاً أن تتمتع الاتفاقية بقوة قانونية، كأن تتمكن من إحالة الدول التي تمارس فيها انتهاكات واسعة تُشكِّل جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، إلى المحكمة الجنائية الدولية، دون المرور عبر مجلس الأمن.
عرض لوحات لأطباء مختفين قسريا لدى النظام السوري في الجلسة الأولى لمحاكمة الطبيب علاء.م المتهم بجرائم ضد الإنسانية
باريس – بيان صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
في 19/ كانون الثاني/ 2022، بدأت المحكمة الإقليمية العليا في فرانكفورت بألمانيا جلستها الأولى في محاكمة الطبيب السوري علاء.م، بتهم تصل إلى جرائم ضد الإنسانية، وقد وردت في لائحة الاتهام 18 تهمة تضمنت القتل، والتعذيب وإلحاق أذى جسدي وعقلي بمعتقلين اعتقلهم النظام السوري على خلفية معارضته سياسياً، وذلك في مشافٍ عسكرية في حمص ودمشق، إضافة إلى سجن المخابرات العسكرية 261 في حمص، وفي عامي 2011 و2012، وكان المدعي العام الألماني قد أعلن عن اعتقال علاء. م في 22/ حزيران/ 2020 في ولاية هيسن الألمانية على خلفية تهم موجهة له بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أثناء ممارسته عمله في مشفى حمص العسكري قبل انتقاله إلى ألمانيا. وفي 16 كانون الأول من العام ذاته 2020 أصدر مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا مذكرة توقيف موسَّعة بحق علاء.
قامت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ممثلة بمديرها فضل عبد الغني بحضور الجلسة الأولى الافتتاحية للمحاكمة، وهدفت من خلال المشاركة إلى دعم هذه المحاكمة، التي نعتقد أنها سوف تسهم في كشف مزيد من التفاصيل عن ممارسات التعذيب في المشافي الحكومية العسكرية، كما قمنا بعرض لوحات رسمناها لسبعة أطباء/طبيبات مختفين قسرياً لدى النظام السوري، وذلك لعقد مقارنة بين طبيب متهم بارتكاب تعذيب لمتظاهرين معارضين طالبوا بتغيير نظام الحكم الدكتاتوري فقام الطبيب علاء بتعذيبهم، مقابل أطباء قاموا بعلاج المتظاهرين وتقديم خدمات إغاثية، وعبروا عن رأيهم في ضرورة الانتقال نحو الديمقراطية، فما كان من النظام السوري إلا أن أخفاهم قسرياً، ومن بين هؤلاء زميلنا الدكتور عمر عرنوس المختفي قسرياً منذ 6/ تشرين الأول/ 2012.
المواطن بلال محمد الإدلبي مختفٍ قسريا منذ عام 2011
باريس – أطلعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي في الأمم المتحدة بقضية المواطن “بلال محمد الإدلبي”، الذي كان يعمل كهربائي قبيل اعتقاله، وهو من أبناء مدينة دمشق، من مواليد عام 1985، اعتقلته عناصر تابعة لقوات النظام السوري يوم الأحد 2/ تشرين الأول/ 2011، وذلك من محله “مكان عمله” الكائن في شارع بغداد بحي القزازين بمدينة دمشق، واقتادته إلى جهة مجهولة، ومنذ ذلك التاريخ أخفي قسرياً، ولا يزال مصيره مجهولاً بالنسبة للشبكة السورية لحقوق الإنسان ولأهله أيضاً.
كما قامت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بإطلاع المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، والمقرر الخاص المعني بحق كل إنسان بالتمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، بقضية المواطن “بلال”.
السلطات السورية تنفي إخفاءها القسري للمواطن بلال محمد الإدلبي، ولم تتمكن الشبكة السورية لحقوق الإنسان من معرفة مصيره حتى الآن، كما عجز أهله عن ذلك أيضاً، وهم يتخوفون من اعتقالهم وتعذيبهم في حال تكرار السؤال عنه كما حصل مع العديد من الحالات المشابهة.
طالبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان لجنة الأمم المتحدة المعنية بالاختفاء القسري، والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والمقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، والمقرر الخاص المعني بحق كل إنسان بالتمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، طالبتهم بالتدخل لدى السلطات السورية من أجل مطالبتها العاجلة بالإفراج عنه، والإفراج عن آلاف حالات الاختفاء القسري، وضرورة معرفة مصيرهم.
الحكومة السورية ليست طرفاً في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، لكنها على الرغم من ذلك طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق العربي لحقوق الإنسان، الَلذين ينتهك الاختفاء القسري أحكام كل منهما.
كما أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تخوُّفها من عمليات التعذيب وربما الموت بسبب التعذيب بحق المختفين قسرياً منذ عام 2011 ولا يزال عداد الاختفاء القسري في تصاعد مستمر.
التقرير السنوي الحادي عشر: أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا في عام 2021
انهيار الدولة وتفتيت المجتمع
بيان صحفي (لتحميل التقرير كاملاً في الأسفل):
باريس- أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها السَّنوي الحادي عشر من بعد انطلاق الحراك الشعبي – آذار 2011، والذي حمل عنوان “انهيار الدولة وتفتيت المجتمع” ورصدَ أبرز انتهاكات حقوق الإنسان على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في عام 2021. وفي مقدمتها، مقتل 1271 مدنياً بينهم 299 طفلاً، و104 ضحايا بسبب التعذيب، و2218 حالة اعتقال/ احتجاز تعسفي، إضافة إلى قرابة 86 ألف مشرد قسرياً.
وفقاً للتقرير -الذي جاء في 120 صفحة- فإن هناك تراجعاً في حجم بعض الانتهاكات من حيث العدد، لكن الشعب السوري في جميع المناطق ما زال يتعرض لانتهاكات تعتبر في كثير منها الأسوأ في العالم، كما أن أثر الانتهاكات لا يقاس مجرداً في هذا العام بمعزل عن تراكم فظيع لعشر سنوات ماضية استمرت فيها عمليات ارتكاب الانتهاكات، وأضاف أن الدولة السورية أصبحت مسرحاً لتبادل النزاعات الدولية، ولتجريب الأسلحة، ولتأسيس وتجنيد الميليشيات والمرتزقة، وتفككت رقعتها الجغرافية إلى خمسة مناطق لقوى مسيطرة، وهي عبارة عن دويلات متصارعة فيما بينها، دون احترام لقانون الحرب، كما أنها، وفي الوقت نفسه لا تحترم حقوق ساكنيها؛ مما دفع الغالبية من الشعب السوري نحو التشريد وطلب اللجوء، وتسبَّب القمع والفساد وتشريد 13 مليون مواطن سوري وتدمير آلاف المنشآت الحيوية، وملايين المباني، في انهيار اقتصادي شامل، وفقدَ السوريون بشكل عام القدرة على المبادرة، وأصبحوا في حالة من انعدام الوزن، ولم يعد بالإمكان سوى إبداء بعض ردات الفعل.
ورأى التقرير أن المتسبب الأساسي في كل ما وصلت إليه البلاد والشعب من هذا الانهيار الشامل هو النظام السوري، الذي رفض مطالب شعبية محقة في انتخابات ديمقراطية تنهي حكم الأقلية العائلية الحاكمة، وتغول الأجهزة الأمنية، وقابل تلك المطالب الحقوقية الجوهرية بالحديد والنار مستنداً إلى ولاء الأجهزة الأمنية المطلق، وإلى حلفاء دكتاتوريين، وكذلك إلى خدمات وظيفية قدمها لمختلف دول العالم على حساب كرامة وحرية سوريا، وبناءً على كل ذلك، مارس أفظع أنواع الانتهاكات بشكل غير محدود، وصل الكثير منها إلى جرائم ضد الإنسانية، كما أثبتت ذلك قبل أيام محكمة كوبلنز في الحكم الصادر عنها.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لقد كان حديث بعض الدول عن تطبيع العلاقات مع النظام السوري من أشدِّ الأمور استهجاناً في عام 2021، وكان الأسوأ من ذلك عدم اعتراض الدول الديمقراطية على هذا الطرح البشع، الذي لا يقيم أي اعتبار للملايين من الشعب السوري الذين هم ضحايا قتل، تعذيب، تشريد، من قبل النظام السوري، والذي لم يغير شيئاً من سلوكه المتوحش تجاه شعبه، كما أنه ما زال يرفض تماماً أي حلٍّ سياسي على أسس ديمقراطية تراعي مبادئ حقوق الإنسان. كما أن بقية أطراف النزاع ما تزال منخرطة في ارتكاب انتهاكات متعددة وما زال الجميع يعتاش على أنقاض الدولة السورية المنهارة”.
قدَّم التَّقرير حصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في عام 2021، وعقدَ مقارنات بين أبرز أنماط الانتهاكات التي سجلها في هذا العام وسابِقه 2020. كما أوردَ أحداثاً مفصلية سياسية وحقوقية وعسكرية حدثت في عام 2021 ليعطي صورة أوضح عن سياق الأحداث التي وقعت خلالها الانتهاكات، وقدَّم سرداً لأبرز الوقائع على صعيد الأوضاع السياسية والعسكرية والحقوقية والتحقيقات المتعلقة بالشأن السوري. كما تطرق إلى مسار المحاسبة لافتاً إلى أن الخطوات المتخذة في هذا المسار لا تزال أقلَّ من الحدود المرجوة لردع مرتكبي الانتهاكات ومحاسبتهم، وأشارَ إلى دور الشبكة السورية لحقوق الإنسان في دعم هذا المسار، وقال إنها أصدرت في عام 2021 قرابة 73 تقريراً ونشرت قرابة 1056 خبراً، تناولت فيها أنماطاً متعددة لأبرز انتهاكات حقوق الإنسان واستندت هذه التقارير على قرابة 156 شهادة لضحايا تعرضوا لمختلف أنماط الانتهاكات، أو لـمُصابين أو ناجين من الهجمات، أو مسعفين، أو عمال إشارة مركزية أو ذوي ضحايا، وجميع هذه الشهادات قد تمَّ الحصول عليها عبر حديث مباشر مع الشهود، وليست مأخوذة من مصادر مفتوحة.
وفقاً لقاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان في عام 2021، فقد تم توثيق مقتل 1271 مدنياً بينهم 299 طفلاً و134 سيدة (أنثى بالغة) على يد أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا، قتل منهم النظام السوري 261 مدنياً بينهم 68 طفلاً، و32 سيدة، وارتكب 5 مجازر. فيما قتلت القوات الروسية 65 بينهم 32 طفلاً، و7 سيدة، وارتكبت 4 مجازر. وقتل تنظيم داعش 7 مدنياً بينهم 2 طفلاً، فيما قتلت هيئة تحرير الشام 17 بينهم 5 طفلاً. وسجَّل التقرير مقتل 24 مدنياً، بينهم 3 طفلاً، و2 سيدة على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، و75 بينهم 11 طفلاً، و2 سيدة على يد قوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية. كما وثق مقتل 2 مدنياً على يد قوات التحالف الدولي. وسجَّل التقرير مقتل 820 مدنياً بينهم 178 طفلاً، و91 سيدة على يد جهات أخرى.
بحسب التَّقرير فقد بلغت حصيلة حالات الاعتقال/ الاحتجاز التَّعسفي في عام 2021 قرابة 2218 حالة بينها 85 طفلاً و77 سيدة (أنثى بالغة)، بينها 1032 بينهم 19 طفلاً، و23 سيدة على يد قوات النظام السوري، و121 على يد هيئة تحرير الشام بينهم 1 طفلاً. و420 بينهم 6 طفلاً، و47 سيدة على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، و645 بينهم 59 طفلاً، و7 سيدة على يد قوات سوريا الديمقراطية.
وجاء في التَّقرير أنَّ ما لا يقل عن 104 أشخاص قتلوا بسبب التَّعذيب في عام 2021، يتوزعون على النحو التالي: 78 على يد قوات النظام السوري، و15 على يد قوات سوريا الديمقراطية، و5 جميع فصائل المعارضة المسلحة/ الجيش الوطني، و4 هيئة تحرير الشام، و2 على يد جهات أخرى.
وركَّز التقرير على أبرز الانتهاكات التي وقعت ضدَّ الكوادر الطبية والإعلامية، حيث قال إن حصيلة الضحايا الذين قتلوا من الكوادر الطبية بلغت 7، بينهم 1 على يد قوات النظام السوري، و6 على يد جهات أخرى. فيما سجَّل مقتل 1 من الكوادر الإعلامية على يد القوات الروسية.
طبقاً للتقرير فإنَّ ما لا يقل عن 113 حادثة اعتداء على مراكز حيويَّة مدنيَّة ارتكبتها أطراف النزاع والقوى المسيطرة في سوريا في عام 2021، من بينها 52 على يد قوات النظام السوري، و14 على يد القوات الروسية، كما ذكر أن كلاً من هيئة تحرير الشام والمعارضة المسلحة/ الجيش الوطني ارتكبت حادثة اعتداء واحدة، فيما ارتكبت قوات سوريا الديمقراطية 11 حادثة، وسجّل التقرير 34 حادثة اعتداء على مراكز حيوية مدنية على يد جهات أخرى.
وثَّق التقرير في عام 2021 هجوماً واحداً بذخائر عنقودية نفَّذته القوات الروسية في محافظة حلب.
وقال بأن قرابة 86 ألف شخص قد تعرَّضوا للتَّشريد القسري في عام 2021، نتيجة عمليات عسكرية شنتها قوات الحلف السوري الروسي على شمال سوريا وجنوبها.
أكَّد التَّقرير أنَّ على مجلس الأمن اتخاذ إجراءات إضافية بعد صدور القرار رقم 2254، الذي نصَّ بشكل واضح على “توقف فوراً أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها”، وإيجاد طرق وآليات لتطبيق قرارات مجلس الأمن رقم 2041 و2042 و2139 والبند 12 في القرار رقم 2254، الخاصة بالمعتقلين والمختفين قسرياً في سوريا.
وقال إن على أعضاء في مجلس الأمن التوقف عن استخدام حق النقض لحماية النظام السوري، الذي ارتكب على مدى قرابة عشرة أعوام مئات آلاف الانتهاكات، التي تُشكل في كثير منها جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب. وأكد على ضرورة نقل المسألة السورية من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. وعلى ضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين.
وحثَّ التقرير مجلس الأمن على العمل بشكل جدي على تحقيق الانتقال السياسي وفقاً لبيان جنيف واحد وقرار مجلس الأمن رقم 2254، سعياً نحو تحقيق الاستقرار ووحدة الأراضي السورية وعودة اللاجئين والنازحين الكريمة والآمنة. كما طالبه بتخصيص مبلغ لإزالة الألغام التي خلفها النزاع السوري من صندوق الأمم المتحدة المخصص للمساعدة في إزالة الألغام، وبشكل خاص في المناطق المستعدة للقيام بهذه المهمة بشفافية ونزاهة.
وأوصى التقرير المجتمع الدولي بالتَّحرك على المستوى الوطني والإقليمي لإقامة تحالفات لدعم الشعب السوري، وحمايته من عمليات القتل اليومي ورفع الحصار، وزيادة جرعات الدعم المقدَّمة على الصَّعيد الإغاثي. وإيقاف أية عملية إعادة قسرية للاجئين السوريين، لأن الأوضاع في سوريا ما تزال غير آمنة، والضغط في سبيل تحقيق انتقال سياسي يضمن عودة تلقائية لملايين اللاجئين.
كما طالب المبعوث الدولي إلى سوريا بالإسراع في تطبيق تغيير سياسي ديمقراطي يعيد حقوق الضحايا ويجسد مبادئ العدالة الانتقالية. وتحميل الطرف المسؤول عن موت العملية السياسية المسؤولية بشكل واضح، ومصارحة الشعب السوري بتوقيت انتهاء عملية الانتقال السياسي.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية…
إدانة ضابط الأمن أنور. ر بجرائم ضد الإنسانية تشكل إدانة لمنظومة التعذيب والقتل تحت التعذيب والعنف الجنسي لدى النظام السوري
بواسطة: Thomas Frey/Pool/AFP via Getty Images
باريس – بيان صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
أدانت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز بألمانيا اليوم 13/ كانون الثاني، أنور. ر، الذي استلم منذ كانون الثاني/ 2011 حتى أيلول/ 2012، رئاسة دائرة التحقيق في فرع الأمن 251 (فرع الخطيب)، التابع لجهاز المخابرات العامة في النظام السوري، حيث أدين بالتعذيب، و27 جريمة قتل وحالة عنف جنسي، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. فقد قدم الادعاء لائحة اتهام تتضمن إشراف أنور. ر على تعذيب قرابة 4000 شخص في أثناء التحقيق معهم، إضافة إلى الاحتجاز التعسفي، والعنف الجنسي، والتورط في مقتل 58 شخصاً بسبب التعذيب، وقد شاركت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ملفاً يتضمن بيانات لـ 58 مواطناً سورياً ماتوا بسبب التعذيب في فرع الخطيب في أثناء حقبة تولي المتهم أنور.ر إدارة التحقيق، وتم تسليم الملف إلى المدعي العام الألماني عبر شريكنا المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان الذي قام مع شركائه من المحامين بدعم 14 شخصاً مدَّعي ضد المتهم أنور. ر.
إن إدانة أنور. ر بجرائم ضد الإنسانية، التي تعني بحسب ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أنها جرائم ذات طبيعة منهجية أو واسعة النطاق، وبالتالي لا يمكن أن تنفذ من قبل أفراد في النظام السوري دون أن تكون سياسة مركزية لدى النظام السوري، ومتورط فيها على أعلى المستويات، وقد أكدت محكمة العدل الدولية أنه: “وفقاً لقاعدة راسخة في القانون الدولي، لها طبيعة عرفية، فإن سلوك أي جهاز في دولة ما يجب اعتباره عملاً من أعمال تلك الدولة”، ويتحمل القادة المسؤولية الجنائية على المستوى الشخصي لا عن أفعال وتجاوزات ارتكبوها بل أيضاً عن أفعال ارتكبها مرؤوسوهم، مما يجعل بشار الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة، ورؤساء الأفرع الأمنية، ووزراء الداخلية متورطون بشكل مباشر في جرائم التعذيب والقتل تحت التعذيب والعنف الجنسي، ويشكل هذا الحكم صفعة قوية لكل من يفكر في إعادة أي شكل من أشكال العلاقات مع النظام السوري، وكل من يقدم دعماً له وفي مقدمتهم روسيا، والصين، وإيران.